بعد شوية…
قضية “ياسين” زيها زي أي ترند صاعدة كالنار ومع الوقت تبرد ويظهر فقط دخانها المتصاعد من بعيد حتى تموت، زي آلاف القضايا والقصص والترندات اللي شوفناها، ومالية ساحات الفضاء الافتراضي. البوستات هتهدى، والموجة هتنكسر، والوجع هيتحول لشوية صور أرشيفية على صفحاتنا…
لكن المجتمع!.. لكن المجتمع هيفضل زي ما هو!
مليان حيات وذئاب…
حيات بتغيَّر جلدها كل يوم وذئاب بتلبس أقنعة براقة.
ذئب لابس بدلة شيك بيتكلم عن الأخلاق،
وذئب ماسك موبايل بيلعب ويتلاعب بطفل في الخفاء،
وذئب واقف على السبورة بيوزع على تلاميذه الإهانات،
وذئب ساكن في بيتك… يمكن يبقى القريب، أو الشريك أو الصديق، أو حتى الأخ.
ذئب بيتكلم باسم الدين… وفي الخفاء بينهش في سامعيه،
ذئب بيحكم من فوق كرسيه… بس قلبه ميت تجاه صرخات مظلوميه.
ذئب لابس قناع الاحترام والقوة… لكنه بيسحق الأرواح اللي أضعف منه تحت رجليه.
لكن المجتمع هيفضل زي ما هو، مليان حيات وذئاب… ومليان صمت… وكل كلام فارغ..
مش صمت الحكمة، لكن صمت الجبن والخوف.
الصمت المزيَّف اللي بينكشف في المواقف اليومية الحياتية الشخصية…
صمت الأم اللي سكتت علشان “الفضيحة”،
وصمت الأب اللي قال “خليك ساكت”،
وصمت المدرس اللي طنش،
وصمت المدير اللي خبّى،
وصمت رجل الدين اللي كذب،
وصمت المسؤول اللي اتعامى،
وصمت الإعلامي اللي حوَّر في القصة علشان ترضي مصالحه.
صمتك لما تشوف الغلط وتقول: “أنا مالي”.
صمتك لما تحط اللوم على الضحية بدل ما تواجه الجاني.
صمتك لما تشوف الشر… وتسكت، ومش بس كده لأ، تكمل لإسكات الآخرين.
بعد شوية… هانرجع لروتين ذواتنا و المجتمع هيفضل زي ما هو، مليان حيات وذئاب… مليان صمت… ومليان خوف…
خوف أناني، مش خوف على الأطفال أو غيرهم من المسحوقين والمُغتصبين والمظلومين، ولا على البراءة، لكن خوف على صورتك، على منصبك، على فلوسك، على راحتك.
خوف من المواجهة الحقيقية مع النفس قبل مواجهة الآخر.
خوف من الحقيقة اللي لو اتعرَّت بالكامل ممكن تكشف ضعفك وهشاشتك وقلبك المتحجر.
خوف من أي حاجة تهد السور الكدّاب اللي بنيته حوالين نفسك.
خوف الأب إنه يصدّق ويعترف بالوحش اللي ساكن بيته،
وخوف المعلم إنه يواجه ويفتح بُقه لئلا ينطرد !
وخوف الإعلامي على سبوبته لئلا يُغضِب رُعاة الإعلام الكاذب والمزيَّف.
وخوف القاضي إنه يحكم بالعدل لو هيخسر رضا “الكبار”،
وخوف رجل الدين إنه يقول الحق بمسؤولية مهما كانت العواقب.
خوف من فقدان السيطرة، من الخوض في المسكوت عنه، الحقيقة اللي هاتعري الكل لو خرجت للحظات للنور.
خوفكم مش خوف مقدس… ده خوف بيحمي المجرمين، وبيقتل الضحايا مرة ومرتين ومية مرة: مرة بالفعل، ومرة بالتجاهل، ومرة بالصمت، ومرات ومرات…
الكل كان بيصرخ لياسين، اللي اتقال إنه اُغتصب جسديًا، (بناءً على منشورات لسه ما وصلتش لنهايتها القضائية واحتمال تطلع كذبة كبيرة أو حقيقة كبيرة)، لكن حتى لو القصة ناقصة، مش مستبعد أبدًا إن اللي مستخبي أبشع من اللي اتقال.
بس بعد ما التريند يهدى،
وبعد ما دموعكم اللي أكترها مزيف دي لو كانت أصلًا نزلت تنشف، وبعد ما اللايكات والشير والحكايات تخلص، وتبان على حقيقتها…
هتعملوا إيه؟
هل هتنتفضوا علشان كل طفل روحه بتتسحب في صمت وهو ساكت؟
هل هتنتفضوا علشان اللي بيُغتصبوا كل يوم… مش في أجسادهم، لكن في عقولهم، في أحلامهم، في كرامتهم، في مستقبلهم، في نفسياتهم، في وقتهم ومجهودهم وطاقتهم؟!
هل هتنتفضوا ولا هترجعوا تكملوا حياتكم كأن ما حصلش حاجة؟
خليني أكشف لكم أعمق شوية إزاي؟!
إزاي الآباء والأمهات وغيرهم شركاء في الجريمة؟
لما يدفنوا أحلام أولادهم تحت خوفهم وعجزهم وسكوتهم. لما يقرروا يجيبوا أطفال لعالم زي ده وهما لسه مش ناضجين ومسؤولين ومملؤين من روح الحياة السليمة اللي تقدر تواجه الغابة دي بقوة وثبات! لما يتوهوا وبدلًا ما يسألوا عن الطريق الصحيح، يخترعوا طرقهم فيتوهوا أكثر ساحبين أولادهم وراهم في متاهاتهم بالسنين!
إزاي المدرسة والمدرسين شركاء في الجريمة؟
لما يقتلوا الشغف، ويدفنوا المواهب بروتينية تعليمهم وضغطة تلاميذهم!
لما تعليمهم يبقى تلقين، والإبداع يبقى خروج عن المألوف، لما الطفل يسأل ويندموه إنه سأل فيخاف يفتح بقه خالص بعدها!
لما الولد يبقى عبارة عن مصاريف المدرسة، وكشاكيل المدرسة، وتبرعات المدرسة، أو يبقى ثمن حصة كل أسبوع! كل ده وغيره مش اغتصاب؟!
لما المدرسة تتحول من حضن للتعلم والتربية السليمة بروح الحب والأبوة لساحة للقهر والخضوع ودفن المواهب والكنوز!
إزاي المسؤولين شركاء؟
لما الفساد ينتشر ويبقى هو القانون والعادي،
لما الرشوة تبقى أسرع من العدالة،
لما المحسوبية تدوس على الكفاءة،
لما الرقابة تتحول لمتفرج، والمحاسبة تبقى فقط شعار، ولو هانحاسب يبقى لأجل نطلع المصلحة والسبوبة!
لما الكرسي يبقى أهم من الروح، ولما التقارير تبقى أهم من بكاء طفل في الخفاء.
أقولكم، لما كل باب المفروض يكون منفذ للحرية، لدخول وخروج أولادنا بسلام منه، يصبح شبابيكه للصوص والذئاب ومن تحته الحيات المميتة، أو يتحول لسور يُسجن خلفه براءتهم وفرحهم بالحياة!
إزاي المؤسسات الدينية -بكل طوائفها- شركاء في الجريمة؟
لما الصوت النبوي يسكتوه أو يخرسوه،
والمنبر يبقى مكان لتهدئة الضمير على عكارته مش لثورة على شره.
لما الدين يتحول لغطاء عفن، بدل ما يكون نور بيفضح الظلمة.
لما الخوف على هيبة ومنظّر المؤسسة يغلب الخوف على البراءة المقتولة.
لما الكلام يبقى سطحي اللي بالرغم من كل المآسي دي، يمصمصوا شفايفهم ويقولوا “ربنا كبير”، “الدنيا مليانة ابتلاءات”، “وكله للخير ومسيرها تنتهي”، بدل ما يكون هناك وقفة أعمق ولو بشبر لداخل نفوسنا وأفكارنا وما يجول فيها من شرور!
جريمة اغتصاب طفل مش بس جريمة جنسية…
جريمة اغتصاب طفل هي إعلان صارخ إن الموت معشش وساكن جوانا كشعب.
إن الفساد مش ظاهرة… إنه طبيعة متغلغلة في خلايا كتير مننا.
لما المستشفى تقصر، والمدرسة تطنش، والمؤسسة تسكت، والشرطة تتأخر، والقضاء يعوَّج، والإعلام يكذب ويزيِّف، والدين يرائي، والمواطن يتعود على ده كله، ساعتها يبقى الكل مشارك في الجريمة.
لو هاتعملوا ثورة، ارجوكم ماتكنش ثورة زي اللي فاتت من ثورات، أكيد مش محتاجين تشوفوا إنهم فشلوا كلهم ولم يجلبوا سوى الأسوأ.
الثورة لازم تبدأ جوه قلب كل واحد فينا… مش في الشوارع، مش في البوستات، ومش وقت ما يحصل المصيبة بس، لكن الآن!
إزاي قادرين نتعامى؟! ونتصامم عن كل ده وأكثر؟!
قلبًا نقيًا اخلق فيَّ يا الله، وروحًا مستقيمًا جدده في داخلي.
[1]