في شارعٍ صغيرٍ في مركز ديروط بمحافظة أسيوط، كان فيه بيت بسيط، ساكنة فيه ست مصرية بسيطة، مُحبة… “أم رامي”.

كانت أمًّا زي كتير من الأمهات… زي أمهات الصعيد الطيبين، اللي حياتهم صلاة وكفاح، بيطبطبوا وبيحموا وبيشيلوا الوجع عن الكل، وبيسيبوا نفسهم أخر حد. كانت بتحب أولادها حبًا كأي أم، بتسهر عشان تطمّن عليهم، بتطوي حاجاتهم بإيدها، وتوقف على العتبة لحد ابنها يرجع من شغله. كانت بتشيل مسؤولية بيتها بإيمان، بصمت، وبقلب أم قوي. ما طلبتش أكتر من الأمان.

لكن الأمان ماكنش جزء من يومها.

كانت عايشة في شارع بدأت تقل فيه النظرات، وتُهمس فيه العبارات، وبدأت التهديدات تيجي مش من مجهول… من ذئب معروف بالاسم، ووشه محفوظ عند الجيران، والشرطة، والنيابة، والبلدية.

يطلع فوق السطح، يخبط على الحيطان، ويهدد علنًا:
“هقتلك، وهقتل ابنك الكبير”.

كان عايزهم يبيعوا البيت ويمشوا…
وما خباش السبب: لأنهم “مش مننا”،
“امشوا بدل ما تموتوا”.
وده مش استنتاج، دي شهادات حية، شهادات أولادها.

الشرطة كانت تعرف…
النيابة تعرف…
الجيران يشهدوا إنه حاول يدخل البيت كذا مرة…
والكل سكت.
مش بس سكت… ده المجرم لما بلغ عنهم إن الأرض الجديدة مش مرخصة (الأرض اللي حبوا ينتقلوا لها)، الحكومة هدت البيت الجديد فورًا.
لكن لما هم قدموا بلاغات رسمية ضد تهديداته، عشرات المرات، محدش اتحرك.
قالوا لهم: “لما حد يموت… نبقى نيجي”.

ومع الوقت… أم رامي تعبت، تعب نفسي وجسدي.
كانت بتلم حاجاتها في شوالات… وظهر لها حزام ناري من كتر الشيل واللف ومن كتر الظلم اللي مفيهوش مهرب، عشان تتهجَّر من بيتها بدون سبّب غير إنها “مش مننا”.

لكن قبل ما تروح للدكتور، خرجت في الصبح كعادتها تجيب عيش لأولادها…
وقبل ما ترجع، كان الذئب مستنيها عند المخبز.
هجم عليها في الشارع، قدّام الناس، وطعنها…
ذبحها وسابها مرمية جنب سبت العيش، وساب السكين والسجاير والولّاعة كأنهم توقيع باسمه وباسم الصامتين.
دمها سال على الأرض، كأنه بيمضي شهادة قتلها الجماعي، وكأنها أُضحية العيد الجديد.

قتلها لأنها ما سابتش بيتها، لأنها فضلت واقفة، لأنها أم قوية.

والمجتمع كله اتفرج… ولما خلص العرض، صفّق للصمت، وخرج كأن مفيش حاجة حصلت.

الضحية دائمًا إنسان بريء…

ها صلاتي لأرضنا:

يا رب، ليتك تشق السماوات وتنزل…
لأن الأرض امتلأت بالظلم، والجبال تكبّرت، والوجوه تقنّعت بأقنعة النفاق، والنفوس تجبَّرت في صمتها.
انزل، لأن صوت الأبرياء لم يعد يُسمع من ضجيج المجرمين والغوغاء.
انزل، لأن الجبال التي تتكلّم بكبرياء لا تهتز إلا إن حضرت أنت.
اجعل نار حضورك تشعل شجيرات الظلم اليابسة، وتُغلي مياه العدالة الباردة.
عرّف أعداءك باسمك، فلتتزلزل الأمم وأرضنا أكثر وتخشع عند مجيئك.
أنت يا من صنعت أمورًا عظيمة لم نتوقعها،
أنت وحدك، الإله الذي لم تسمع به أذن، ولم تره عين،
تصنع المعجزات لأجل الذين ينتظرونك لتخلصهم.

ليتك تشق السماوات وتنزل! حينئذٍ، ستهتز الجبال أمامك. كالنار التي تشعل الشجيرات الجافة، كالنار التي تجعل الماء يغلي، انزل لتجعل اسمك معروفًا لدى أعدائك، ولترتجف الأمم خوفًا عند حضورك… أنت وحدك، الإله الذي لم تسمع به أذن، ولم تره عين، تصنع المعجزات لأجل الذين ينتظرونك. [1]

‎ ‎ هوامش ومصادر: ‎ ‎
  1. سفر إشعياء 64: 1-4 – ت.ع.م [🡁]

كيف تقيّم هذا المقال؟

← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←

المتوسط الحالي 0 حسب تقييمات 0 من القراء

كن أوّل من يقيّم هذا المقال

بما أن المقال أعجبك..

ربما اﻷفضل مشاركته مع دوائرك كي يحظى بانتشار أوسع

من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا

دعنا نعمل على تحسين ذلك

أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟

أشرف سمير
Environmental Planning & Management Systems Specialist في Vodafone Egypt   [ + مقالات ]