نقسمُ… باسمِ النِّظامِ العظيم.
نقسمُ ألا نرحل…
حتى لو احترقت البلاد،
وغَرِقت القرى بمياه المجاري،
وتقطّعت أوصال الناس على الأرصفة.
أن تبقى الكراسيّ أقدسَ من الإنسان،
وأن نموتَ ألفَ مرة…
ولا نسمح أن تُنتزعَ من تحتنا أو نُنتَزع منها.
نقسمُ أن نُبقيكم تحتَ أقدامنا،
وأن نُقنِعكم… أنكم في نعيم.
نقسمُ أن نُخرسَ الشهودَ الأمناء،
ونُطلقَ الأكاذيب وشهودَ الزُّور،
نُلمّعَ الجلاد،
ونُصوّر الضحيّةَ مُخرّبًا،
والمُعارضَ خائنًا وعميلًا.
نقسمُ أن نُعيد تشكيلَ الذاكرة،
أن نمحو ونزيّف من التاريخ ما يناسبنا،
ونكتبَ الحاضرَ على مقاسِ خُطبِنا،
والمستقبلَ على هوانا.
نقسمُ أن نحكمَ لا بالعدل،
بل بالتأويل… والفتوى… والهوى.
نقسمُ أن نمنحَ الوطنَ أسماءَ كبيرة،
ونُفرغها من معانيها،
أن نرفع رايةَ “الإصلاح”،
ونُسرّبَ الخرابَ تحتَ الأرض… في أنفاقٍ لا تنتهي.
نقسمُ أن نحكمَ شعوبًا تُصفّقُ لنا وهي تبكي،
وتُبايعُنا وهي تُسحق،
وتدعو لنا بطول العمر…
وهي تُدفنُ حيّةً في مقابرَ الحياة.
نقسمُ أن نحتكرَ الوطنية،
ونبيعَها بأوراق الانتخابات،
نغسلَ العارَ بالنشيد الوطني،
ونُغلّف القهرَ بالأغاني الحماسية.
نقسمُ أن نكسرَ الصحفيَّ لا برصاصة،
بل بورقةٍ تُدينه،
وبقضيةٍ تذبحه… دون أن تُريقَ دمًا،
حتى يصير القلمُ لعنة،
والخبرُ جريمة،
والسؤالُ خيانة.
نقسمُ أن نحاربَ الفلسفة،
ونُجرّمَ السؤال،
ونضعَ كتبَ الفكر بجانب كتب الشعوذة.
نقسمُ أن نُعلّمَ الأطفالَ الطاعةَ قبل محبتهم،
والخوفَ قبل الاحتواء،
والركوعَ لنا قبل طلب الاحتياج.
وأن نُعلّمَ الشبابَ أن للصوتِ ثمنًا،
وللأطفالِ أن للفكرةِ قفصَ اتهام.
نقسمُ أن نُحاصرَ الضميرَ قبل أن ينطق،
ونُربّي جيلًا يخاف من ظله،
يعتذر قبل أن يُخطئ،
ويُدين نفسه قبل أن يُسأل.
نقسمُ أن نجعل كل عينٍ كاميرا،
وكل أذنٍ جهازَ تنصّت،
وأن نخلق مجتمعًا يُفتّشُ بعضُه بعضًا،
ويُسلِّمُ بعضُه بعضًا،
حتى يصبح القهرُ ذاتيًا…
لا يحتاجُ لجنودٍ ولا لسياط.
نقسمُ أن نرفعَ رايةَ الدينِ بيد،
ونُوقّعَ أوامرَ الإعدامِ بالأخرى،
أن نُحاصرَ الناسَ بالخُطب،
ونُفجّرَ البيوتَ بفتاوينا،
أن نُلبِسَ القهرَ عباءةً،
ونَسكبَ الخوفَ في فتاوى مدفوعةِ الأجر.
نقسمُ أن نُخرّبَ المرأة… وهي أمُّ كلِّ حي.
أن نُطوّقَها بالخوف،
أن نزرعَ في جسدها العار،
وفي صوتها العيب،
وفي عقلها النقص.
نقسمُ أن نجعلَ الأمَّ تبكي في صمت،
نُقيّدها بالفقرِ والعوز ونجلدها بسياطِ الذل،
ثم نمنحها لقب “العظيمة”… كرشوةٍ أخلاقية.
نقسمُ أن نُربّي الأختَ على الخنوعِ والخدمة،
أن نحاصرَ أحلامَها،
ونحجُبَ عنها صوتَها وحقَّها وميراثَها…
ونُلبسَ ذلك لباسَ “الشريعة”.
نقسمُ أن نُغنّي للحبيبةِ في القصائد،
ونُخيفها من المشيِ في الشارع،
أن نُبارك الحبَّ في الأغاني،
ونُجرّمه في الواقع… باسم “الشرف”.
نقسمُ أن نُخرجَ أسوأَ ما في الإنسان،
وأن ندفنَ أفضلَ ما فيه…
نقسمُ…
أن نحكمَ… ولا نُحاسَب،
وأن يبقى الظلمُ مُقدّسًا…
ما دام باسم “النظام”.
نقسمُ… باسمِ النِّظامِ العظيم.