المتابعون للحروب الدائرة في ال لا يملكون أمامها إلا التضرع لطلب رحمة الله والصلاة من أجل المستقبل. نصلي ونحن نأمل أن ينعم الذين احترقوا من هذه الحروب الطويلة ببعض السلام والرفاهية. يصلي آخرون آملين أن تؤدي التغيرات في المنطقة إلى المزيد من الحرية والانفتاح، ما يعني أيضًا فرصة أكبر لمشاركة رجاء الإنجيل مع آخرين لم يكن ممكنًا لهم من قبل أن يستمعوا أو يستجيبوا لرسالته.

الصلاة هنا ليست مجرد فعل عاجز، فالمؤمن في نهاية الأمر ليس لديه ما هو أقوى من الصلاة لإله يؤمن بأنه متحكم في الأمور وقادر على إخراج الحياة من الموت.

في العهد القديم من الكتاب المقدس لدينا مثال لرجل ارتعب مما رأى من شر وظلم، وصرخ طالبًا لتدخل الله. كان حبقوق مرنمًا في الهيكل، ومع هذا لم يرتكن إلى مكانته الروحية وصلاحه كمتعبد في محضر الله، إذ عندما رأى الشر مستشرٍ بين شعبه تحركت روحه وخرج معاتبًا لله: إلى متى يا رب تنظر إلى الظلم والفساد ولا تستجيب لمن يصرخ إليك؟ [1].

أجاب الله حبقوق بأنه على وشك القيام بأمر رهيب، إذ سيقيم الكلدانيين، تلك الأمة المحاربة، ليعاقب بها شر شعبه.

لكن حبقوق تساءل مستنكرًا أن يستخدم الإله العادل والصالح أمة أكثر شرًا، تعبد القوة وتقهر الشعوب، لمعاقبة شر شعبه. أصر حبقوق أن يجيب الله شكواه، معلنًا أنه سيقف منتبهًا وكأنه رقيب على برج حراسة لا يهدأ حتى يسمع ما سيقوله الله [2].

ومرة أخرى، أجاب الله حبقوق معلنًا أنه يدين المعتمد على قوته، المتباهي بقدرته على تدمير المدن ونشر الخوف وسحق الناس وكأنه لا يمكن أن يمس بسوء. جاءت الإجابة التي كان ينتظرها حبقوق من الله معلنة أن الشرير سيعاقب وأن البار بإيمانه يحيا [3].

من هذا الانشغال بما يجري حوله والتحدث مع الله عما لا يفهمه أو يرضيه، خرج حبقوق بصلاته التضرعية التي نجدها في افتتاحية الإصحاح الثالث والأخير من هذا السفر القصير:

يا رب، قد سمعت خبرك فجزعت. يا رب، عملك في وسط السنين أحيه. في وسط السنين عرَّف. في الغضب اذكر الرحمة. ينتهي السفر بترنيمة بديعة لا زالت حتى اليوم تلهم الكثيرين عندما يختفي كل رجاء: فمع أنه لا يزهر التين، ولا يكون حمل في الكروم. يكذب عمل الزيتونة، والحقول لا تصنع طعامًا. ينقطع الغنم من الحظيرة، ولا بقر في المزاود، فإني أبتهج بالرب وأفرح بإله خلاصي.

(سفر حبقوق ٣: ١٧و١٨)

هناك بعض الدروس المهمة التي يمكن أن نتعلمه من حبقوق حتى تكون صلواتنا وصرخاتنا طلبًا للرحمة في أوقات الغضب متفقة مع قلب الله:

– لم يركن حبقوق لملاذه الآمن في الهيكل حيث ينعم بالتعبد لله والخدمة في محرابه. عندما رأى الظلم والأشرار، خرج محاجًا لله ومطالبًا بالتغيير. لا يصح أن المؤمنين بالله يتعاملون وكأن هذا العالم قضية خاسرة لا ينبغي لنا الانشغال بها. إن القلب المتبع لله والواثق فيه لا يمكنه إلا أن يضطرب ويتألم من الظلم والفساد، ولا يمكنه أن يهدأ حتى يفهم ويكون جزءًا من التغيير.

– فهم حبقوق من هو الإله الذي يعبد؛ إله قدوس وعادل، لا محاباة لديه ولا يستخدم طرقًا ملتوية لتحقيق ما هو صالح. كانت أقسى كلمات يسوع موجهة لأولئك الذين طالبوا الناس بما لم يفعلوه هم أنفسهم. يراقب العالم الآن الكنيسة، وأولئك الذين يدّعون أن اتهم وفهمهم لحقوق الإنسان والكرامة المتساوية للجميع مبني على مبادئ الكتاب المقدس، ليرى إن كان كلامهم عن قوة المحبة والغفران وقبول الله غير المشروط للجميع مجرد كلام أم حياة تُعاش وتُؤثّر.

إن فقدان الأمل في مبادئ التغيير السلمي والحريات والكرامة الإنسانية، في ظني، أساسًا بسبب أولئك الذين ينادون بهذه المبادئ ولا يعيشونها حين تتضارب مع مصالحهم. يحتاج العالم أن يرى الكثيرين مثل حبقوق، أولئك الذين يُصدقون في المبادئ التي ينادون بها ومستعدون للدفاع عنها.

– ترجّى حبقوق رحمة الله في وقت الغضب، ووضع ثقته في قدرة الله لا في آلات الحرب وقوة الذين ظنوا أن أيديهم تطال الجميع. فهم حبقوق أن الأمل المبني على قوة تُفرض تغييرًا هو أمل كاذب وشرير. من المهم أن نتعلم من التاريخ، خصوصًا التاريخ القريب. فلم يحظَ المسيحيون في العراق بحرية أكبر بعد عام ٢٠٠٣، بل إنهم على شفا الانقراض هناك، إذ تناقصت أعدادهم من مليون مسيحي عراقي إلى أقل من ٢٥٠ ألفًا اليوم بعد الغزو الأمريكي. هذا عدا الحروب الأهلية والفوضى التي انتهت بظهور … هذه بعض نتائج “حرب التحرير”. فهل يعيد العالم الآن المأساة؟ وهل الآملون في تغيير يأتي بالقوة يعرفون ما يطلبون؟

لم تكن ترنيمة حبقوق نابعة من ظروف مواتية واستجابة لصلاته، بل بالعكس كانت إعلان ثقة في الله بالرغم من كل الظروف.

هل سينتج عن هذه الحروب في الشرق الأوسط أي خير؟ ربنا قادر على كل شيء، وإن كنتُ شخصيًا أشك أن التهديد بالدمار ونشر الخوف والاحتفاء بالقوة يمكن أن ينتج عنه أي خير. كان الأجدر أن ينشغل من يظنون في أنفسهم القدرة والقوة بمحاربة الظلم وإرساء العدل، بالتغيير عن طريق بناء الإنسان وتقديم الأمل والعمل وفقًا لمبادئ ملكوت الله. من المؤلم والمهين أن تكون حياتنا في الشرق الأوسط رخيصة، وأن يكون تغيير نظام هنا أو هناك ليس لوضع حد للألم أو إنهاء دائرة العنف والعداوة، بل مجرد مرحلة جديدة ينتج عنها شكل مختلف من العنف والكراهية. لكن، لا يزال الوعد الإلهي قائمًا، والرؤية لا تتوانى: البار بإيمانه يحيا [4].

أصلي أن تكون كلماتنا وأفكارنا، حتى تضرعاتنا للمستقبل، محكومة بفهمنا عن قداسة الله وعدله الذي لا يقبل الظلم ومنطق القوة…أن نكون في البر، لنحيا.

‎ ‎ هوامش ومصادر: ‎ ‎
  1. سفر حبقوق ١: ٢-٤ [🡁]
  2. سفر حبقوق ٢: ١-٢ [🡁]
  3. سفر حبقوق ٢: ٤ [🡁]
  4. عبرانيين 10: 38 [🡁]

كيف تقيّم هذا المقال؟

← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←

المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء

كن أوّل من يقيّم هذا المقال

بما أن المقال أعجبك..

ربما اﻷفضل مشاركته مع دوائرك كي يحظى بانتشار أوسع

من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا

دعنا نعمل على تحسين ذلك

أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟

چورچ مكين
‎ ‎ نحاول تخمين اهتمامك… ربما يهمك أن تقرأ أيضًا: ‎ ‎