المقال رقم 3 من 3 في سلسلة مدينتا سو ومي
رغم إن هذه القصة ليست من واقع الحياة، لكنها تمثل آمال وأحلام الشعوب السابقة، يتمنى الكاتب وكل من ينظر إلى السماء أن تتحقق تلك الأماني لكي تنمو وتزدهر بلاده. وبلادنا تذخر بتلك الطاقات والعقول التي تستطيع إنجاز هذه الأحلام والوصول بها إلى الكمال. وعلى هؤلاء العقلاء والحكماء يقع عبء ومسؤولية تحقيق هذه الأحلام.  الراهب برتي المقاري

مرت الأيام وبدأ كل جماعة عليهم أداء عمل ما أن يرتبوا احتياجاتهم لكي يطلبوها من رؤساء الجماعة. كان الناس يعيشون في خيام، تحميهم من حر الصيف وبرد الشتاء، وهو أمر تعوَّدوا عليه من كثرة تنقلهم من مكان إلى آخر بحثًا عن الرزق ولقمة العيش. ولكن حدث أمرٌ ما استدعى الانتظار:

كان هناك في غرب البلاد موطن آخر لجماعة يقال لها: “جماعة نو”، ومعنى اسمها “الصَلِب” باللغة اللادانية (أي التي تنتمي لاسم “لادان”، والمقصود بها الخشب). جاء ثلاثة حكماء من هذه الجماعة وطلبوا أن يقابلوا مجلس الحكماء. فانعقد لهم المجلس وجاءوا يطرحون قضيتهم. فقالوا:

“أيها الحكماء الأفاضل وجيراننا الأعزاء، إننا نفرح لتقدمكم الظاهر، وقد رأينا أن نعرض عليكم ما وجدناكم في حاجة إليه: لقد زرعنا الأشجار العالية التي ترتفع إلى علو كبير، حوالي خمسون ذراعًا، وهو ما لم نره عندكم، وقد صنعنا من هذه الأشجار الخشبية أشياء كثيرة يمكن أن تُعين الساكنين في هذه الأماكن مثلما ساعدتنا. فقد صنعنا أواني خشبية توضع في الماء المغلي داخل الأواني الأكبر الحجرية، وصنعنا من الأخشاب كل الأواني المنزلية، بل وصنعنا منها المنازل التي نعيش فيها أيضًا. لذا فاسمحوا لنا أن نعرض عليكم كل هذه الأمور في وقت تسمحون به لنا. ونحن نعرضها لكم لكي تستفيدوا بخبرتنا التي تربوا على خمسمائة عام منذ بدأنا في زراعة هذه الأشجار الطويلة الباسقة”.

فرحب مجلس الحكماء بهذا العرض. وفي الوقت المعين جاء أفراد القبيلة الجارة (نو)، وأفردوا المنتجات التي سبق أن تكلموا عنها، وتقدم أفراد مدينتي “سو” و”مي” وتطلعوا إلى تلك المنتجات وانبهروا بها، فجلسوا معًا على طاولة واحدة خشبية من صنع جماعة “نو”، طاولة مستديرة يحمل شكلها في طياتها التوافق والرأي الواحد قبل أن يتناقشوا!

ثم بعد أن تكلموا وتباحثوا واستقروا على بعض القرارات تكلم المسجِّل لما يدور وقال:

“لقد استقرت الجماعتان على إنشاء أربع مناطق تزرع فيها الأشجار التي ترعرعت في أرض “نو”، وسيتابعها ثلاث فرق مكونة من اثنين من كل جماعة، حتى تنمو وتترعرع هنا في أرض “سو” و”مي”. أما الأخشاب الموجودة عندنا، فسوف نبني بها البيوت التي تحتاجها المجتمعات الجديدة في “سو” و”مي”. وستكون مصنوعة كلها من الأخشاب، حسب النموذج الذي عرضناه عليكم.

وهكذا سيتمكن لكل العائلات أن تعيش على أطراف هذه الأرض في ترابط ووئام، بعيدًا عن النزاعات على الأراضي. فاللوحة التي ستوضح أماكن كل عائلة سوف تحفر عليها اسمها. ولنا في أجدادنا مثالًا للتفاهم والوئام الذي ينبغي علينا أن نعيش عليه”.

وبعد، فهذا هو المستقر لكل العائلات التي ستعيش في هذه الأرض، وهم يمثلون الأجداد العاقلة الحاكمة للمجتمع الجديد الذي نشأ في هذه الأرض.

وقبل أن تفارق الجماعة “نو” أرض “سو” و”مي”، وقفوا جميعًا لأداء قَسَمًا لتوحيد الثلاث جماعات إلى جماعة واحدة. وقد سمَّوا الجماعة الجديدة المكونة من “سو” و”نو” و”مي”، إلى “تسونومي”، حيث التاء الأولى هي معنى “جَمْع” في اللغة اللادانية.

ووقفوا جميعًا وأدوا القسم لتوحيد الجماعة الجديدة، واحتفلوا بذلك الاتحاد الذي اعتبروه رمزًا لقوة وصحة هذه الجماعة. والطريف أن ستة من الأولاد والبنات تجمعوا بشكل جميل وأنشدوا أنشودة ألفوها عن الأرض الجديدة وما تتميز به عن الأراضي الأخرى المحيطة، وسط هتاف الأهالي الذين تجمعوا وفرحوا بهذه الروح التي دبَّت في المجتمعين معًا، فصاروا يهنئون بعضهم بعضًا، واعتبروا إن هذا اليوم هو يوم بداية تأسيس المجتمع اللاداني الجديد: أرض “لادان”، الأرض التي سيُنادى بها في كل المسكونة إنها “الأرض الصلبة”، أي الأرض القوية.

ملحوظة لك أيها القارئ العزيز، لقد فقد المجتمع البشري تلك الأنشودة التي أنشدوها في ذلك الزمان، إذ قد تطورت المجتمعات وصارت لها تقاليد متنوعة غير تلك التي بدأت بها في غابر الزمان، ولكن التقارب بين أرواح البشر هي التي ظلت الهاجس الأقوى دائمًا أن يعود بني البشر إلى القرب من بعضهم البعض، وهي صفة محمودة تعيش ما دام البشر يعيشون في هذه البقاع الجميلة من خلق الله.

كيف تقيّم هذا المقال؟

← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←

المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء

كن أوّل من يقيّم هذا المقال

بما أن المقال أعجبك..

ربما اﻷفضل مشاركته مع دوائرك كي يحظى بانتشار أوسع

من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا

دعنا نعمل على تحسين ذلك

أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟

‎ ‎ جزء من سلسلة: ‎ ‎ مدينتا سو ومي[الجزء السابق] 🠼 النهضة الزراعية في سو ومي
برتي المقاري
راهب في دير القديس الأنبا مقار الكبير   [ + مقالات ]