قرأت مقالات كثيرًا وقليلًا ولم أجد أحدًا تطرق إلى ما يحدث في مكاتب التوظيف والزواج التي انتشرت داخل الكنيسة القبطية الأرثوذكسية وما يحدث فيها خلف الأبواب المغلقة.
يبدأ المشوار عندما يقارب الشاب أو الفتاة الثلاثين من عمرهم، فيلجأون بعد تلقي النصح من الأهل والأقارب إلى مكاتب التوظيف والزواج. فتذهب الضحية إلى المكتب ويكون عليها سحب ملف ودفع ثمنه. ثم تملأ هذا الملف وتقدمه داخل المكتب ويحاورها أحد الموجودين من الإناث أو الذكور من الخدام بعد أن يرمقها بعينيه بكل بجاحة ويظهر علامات التعجب من إجابات الأسئلة. وهنا لا أعرف لماذا؟
إن كان الخادم مستاءً من المخدومين، فلماذا يستمر في الخدمة بهذا النحو؟ هل هدفه رمق المخدوم بعينيه وإهانته؟ أم كسر نفس المخدوم مثلًا؟ أين رقابة الكنيسة على مكاتب التوظيف والتزويج؟ إلى متى يبقى الخادم فوق مستوى الشبهات؟ وتدار الأمور بالثقة، فلا رقيب ولا حسيب عليه، يفعل ما يحلو له بلا محاسبة أو مراقبة.
وإذا قررت الكنيسة لعب دور اجتماعيٍّ بخصوص التوظيف أو المساعدة على الزواج، فهل هي عاجزة إلى هذا الحد عن توفير أندية وأماكن لقاء للشباب بعيدًا عن الأديرة أو جدران الكنيسة، حتى تسير الأمور في مسارها الصحيح؟
هل أصبح بناء أندية وأماكن تجمعات الشباب داخل المدن عبئًا على الكنيسة؟ أم أنّ الكنيسة مشغولة ببناء بيوت شباب في المدن العمرانية الجديدة لا يستفيد منها إلا القليل من المرتبطين أصلًا؟ هل انحرفت أولويات الكنيسة عن مساعدة المخدومين وتسهيل تعارفهم إلى هذا الحدّ لتضطرّ لعمل مكاتب تزويج؟ أم أنّ الأولوية للتبتل، وتعمد من بيدهم سلطة الحل والربط، إهمال الزواج لدى الشعب القبطي على غرار تحريم الطلاق؟
إن كانت الأولوية للتعارف في الأديرة هنا، نستطيع استنتاج الإجابة: تحريم الزواج والعلاقة الجنسية بطرق ملتوية على الشعب القبطي. وإن كانت الأولوية للمخدومين، فأين هم المخدومين في أولويات الكنيسة؟
نعود إلى مكتب الزواج، حيث يُفحص الملف غالبًا، ولا يُنظر إلى طلبات الفتاة أو الشاب، بل يُنظر إلى الوظيفة في معظم الأحيان، ويُتَجاهَل طلبات الشباب عن عمد. ولا أعرف لماذا؟ ويبدو أنه يتم التجاهل من منظور “يحمدوا ربنا إنهم لاقيين حد بيساعدهم” أو من منظور “مين هيبصلها في سنها ده”.
ثم يبدأ البحث بنفس الوظيفة، حتى وإن اختلفت طلبات الطرفين. ثم يحصل الشاب على رقم هاتف الفتاة ويتصل بها، فيُفاجأ أن طلبات كل طرف مختلفة، ويُفاجَأ الطرفان باختلاف الاختيارات المفروضة عليهما. وما ذكرته هنا يحدث غالبًا. وإن كان اللقاء بالمكتب، تمشي الأمور على ما يرام، ولكن ماذا لو جرت الأمور على غير ما يرام؟
إليك ما يحدث إن كان الخادم مبتذلًا وغير أمين: يبدأ غالبًا بفحص جسد الضحية ومعاينتها كما لو كان هو الزوج القادم، ثم يحاول التقرب من أسرتها بطرق عدة، يوهمها بعد ذلك أنه لديه شباب كثيرون يطلبون الزواج وأن الأمور بيديه وهو الكل في الكل، ويتوقع منها هنا أن تسايره في محاولاته للتحرش بها.
وأسرة الضحية التي يغيب عنها الأب أو يتوفى، تصبح صيدًا ثمينًا لأي إكليروس أو خادم متحرش. ويبدأ الخادم بالتلاسن بكلمات مهينة لجسد الفتاة، كقوله مثلًا: “صدرك كبير وهذا أثار علامة استفهام لدى الشاب”، أو “جسدك ممتلئ”، أو “مقاسك كبير”. وهو يلقي بذلك الفتيل على النار ليجعلها تغضب وتثور، ويضغط عليها حتى تحاول إرضاءه بشتى الطرق. تلك هي الطرق المتعارف عليها والمتبعة في التحرش بالضحايا. وقد شاهدتُ بعيني ما أقصده.
لا يقف الأمر هنا، ويحاول الضحايا التقدم بشكاوى، تتغاضى عنها الكنيسة والكهنة، بل ويقف الكهنة شهودًا خلف المتحرشين من الخدام. فهناك أسر حتى وإن عانت من فقدان رب البيت لا تقف مكتوفة الأيدي أمام تلك القذارات. وقد تنهال الشكاوى على الكنيسة بسبب هؤلاء الخدام ولكن ما يحدث هو الطرمخة عليهم، مما يجعل من الضحايا في موقف ضعيف ويصعب التقدم بشكاوى رسمية إلى الكاتدرائية.
وينفرد المكتب بالفساد غير المراقب من أي جهة ولا أي كاهن ويصبح الخادم حر التصرف في كل شيء داخل المكتب بلا رقيب أو حسيب. حتى أن الخدام الشاهدين على تلك الأفعال لا يستطيعون الشهادة ليس خوفًا ولكن لعلمهم أن هذا الشخص لن يبرح مكانه في الخدمة. ربما لعلمهم بمدى قوته أو مدى بجاحته أو مدى تأثيره على الكهنة فالنتيجة معروفة ومحسومة مسبقًا، إنه لن يبرح مكانه في الخدمة قط. لن أتحدث عن الأثر النفسي على الضحايا ولن أذكر ما قد تؤول إليه الأمور لديهم لأن الله ليس بغافل.
ما هي صلاحيات الخادم أو الكاهن المعطاة له بموجب الكنيسة؟ هل صلاحيات الخادم أصبحت حكم مطلق على المخدوم؟ وهل صلاحياته تتضمن السيطرة الكاملة على الخدمة في الكنيسة دون رقابة أو محاسبة؟ وهل صلاحياته تجعله فوق القانون، فلا يُنظر إلى شكاوى تقدم ضده، ولا حتى يُفتح تحقيق فيها؟
وأخيرًا لابد من وقفة حاسمة من الكنيسة لمواجهة الفساد المتفشي داخل جسم الكنيسة ولابد من صحوة مجتمعية وثقافية تحمي المجتمع من مثل تلك الأفعال التي تحدث خلف الأبواب المغلقة.