بدايةً، دعونا نتفق على أن ما أقدمه هو رؤيتي الشخصية، التي لا أفرضها على أحد ولا أدعو أحدًا للاقتناع بها. وهي نابعة من خبرتي الشخصية ومعرفتي بالمسيح، وكذلك مما تابعته من تصرفات صورة المسيح؛ ال الراحل. هذه مقدمة لابد منها.

أبدأ من العبارة الخالدة لل الراحل، شيخ مطارنة القبطية: لو كان مسيح الأرثوذكس فقط، لكان مسيحًا هزيلًا. لكنه مسيح العالم كله، أي أنه لا يخص فئة بعينها من البشر، ولم يأتِ لأجل جماعة معينة، بل من أجل كل إنسان.

وهذا يقودنا للجدل الدائر بين مجموعتين: إحداهما تصوره مرتديًا الشال الفلسطيني، وتقول إن المسيح فلسطيني، والأخرى تقول إنه يهوديٌّ ولد من نسل . ويتمزق المسيح بين كل طرف منهما، يريد كل طرف أن يأخذ المسيح لصف فريقه، وسط النزاع الدائر بين الإسرائيليين والفلسطينيين.

ورأيي أنه مسيح العالم كله، غنيًا كان أم فقيرًا، فلسطينيًا كان أم إسرائيليًا، وليس حكرًا لفئة دون أخرى.

نعم، فهو مسيح الفلسطينيين المعذبين في الأرض الذين يعانون ويلات القصف، وكذلك مسيح الأسرى الإسرائيليين المختطفين. فالمسيح لا يُفرّق بين مظلوم وآخر، فالجميع أحباؤه. وهو في الوقت نفسه يرفض الظلم، فلا يمكن أن يكون مسيح حماس التي تمارس العنف ضد الفلسطينيين أنفسهم في غزة، وتنكل بهم إن اعترضوا على ممارساتها، وتمارس العنف ضد مدنيين مسالمين في إسرائيل، قطاع منهم يتعاطف مع الفلسطينيين أنفسهم وضد الحرب. ولا يمكن أن يكون مسيح آلات الحرب التي تقتل الأبرياء والعزل في غزة بجريرة حركة إرهابية متطرفة.

وهو نفس المسيح الذي يرفض موت الأبرياء في أوكرانيا تحت آلات الحرب البشعة، وفي الوقت نفسه يرفض موت عشرات الآلاف من الشباب الذين جُرُّوا إلى الحرب من أجل خبل بضعة أفراد يتصورون أنهم يديرون العالم، ويمكنهم تحريك مئات الآلاف من البشر، منهم شباب في مقتبل العمر يريدون حياة هادئة، فيُحوَّلون إلى آلات قتل ضد بشر آخرين، لم يعرفوا بعضهم ويريدون منهم أن يقتلوا بعضهم بعضًا.

هكذا كانت دائمًا رسالة البابا فرنسيس؛ المطالبة بوقف الحرب، وتقديم المساعدات للفلسطينيين، وإطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين، وإحلال السلام بينهما. كما دعا كثيرًا لوقف الحرب في أوكرانيا وإحلال السلام فيها. وهكذا كانت رسالته في مختلف المواقف، لم يُميز بين مجموعة وأخرى.

كان المسيح يذهب إلى الضعفاء والمرذولين والمرفوضين اجتماعيًا، ليفتح لهم الطريق ويمنحهم الأمل والرجاء. فتقابل مع زَكّا، العشار، جابي الضرائب الغني المرفوض اجتماعيًا. وحينما قبله المسيح، قرر ردّ أربعة أضعاف ما جمعه من الناس ظلمًا. كذلك، لم يرفض البابا فرنسيس هدايا الأغنياء أو يلومهم عليها، بل كان يقابلهم بترحابٍ ويتقبل هداياهم؛ مثل موتوسيكل سباق غالي الثمن، وسيارة حديثة. ويجمع هذه الهدايا، ثم يبيعها في مزادات لتحقيق أعلى عائد يُوجَّه إلى الفقراء والمهمشين.

كان يزور السجون، ويمارس طقس غسل الأرجل في الأسبوع المقدس مع المساجين. وقد كان هذا آخر ما فعله قبل رحيله ببضعة أيام، على الرغْم من اشتداد المرض عليه في الشهور الأخيرة.

لذا، المسيح والبابا فرنسيس على خطاه، لم يرفضا الإنسان في حد ذاته، بل واجها الظلم والتجبر، وساندا كل إنسان ضعيف أو محتاج للمساعدة. ورغم الثنائيات التي يفضلها البشر لوضع الأعداء مقابل أنفسهم، قابل المسيح السامرية، التي كانت بمعايير زمنه عدوة له لأنه كان يتبع وكانت تتبع مملكة السامرة، ولم يعايرها بوضعها الاجتماعي. بل على العكس، ساعدها على اكتشاف قيمتها كإنسانة. وهكذا فعل البابا فرنسيس مع مختلف الفئات الموصومة اجتماعيًا. وكما قيل للمسيح إنه يجلس مع العشارين والخطاة، اتهم البابا فرنسيس بأنه يفرط في تقاليد الكنيسة، لكنه كان يتبع خطى المسيح مقدمًا المحبة للجميع.

كيف تقيّم هذا المقال؟

← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←

المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء

كن أوّل من يقيّم هذا المقال

بما أن المقال أعجبك..

ربما اﻷفضل مشاركته مع دوائرك كي يحظى بانتشار أوسع

من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا

دعنا نعمل على تحسين ذلك

أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟

بيتر مجدي

باحث وكاتب صحفي متابع للشأن الكنسي وشؤون الأقليات.
زميل برنامج زمالة الأقليات- مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان- ، جنيف/ ستراسبرج 2023.
زميل برنامج "" () لشبونة 2022.

‎ ‎ نحاول تخمين اهتمامك… ربما يهمك أن تقرأ أيضًا: ‎ ‎