
- الخطية الأصلية عند أوغسطين [١]
- الخطية الأصلية عند أوغسطين [٢]
- الخطية الأصلية عند أوغسطين [٣]
- الخطية الأصلية عند أوغسطين [٤]
- الخطية الأصلية عند أوغسطين [٥]
- الخطية الجدية عند باسيليوس الكبير [١]
- الخطية الجدية عند باسيليوس الكبير [٢]
- الخطية الجدية عند باسيليوس الكبير [٣]
- الخطية الجدية عند باسيليوس الكبير [٤]
- الخطية الجدية عند كيرلس السكندري [١]
- الخطية الجدية عند كيرلس السكندري [٢]
- الخطية الجدية عند كيرلس السكندري [٣]
- الخطية الجدية عند كيرلس السكندري [٤]
- الخطية الجدية عند كيرلس السكندري [٥]
- الخطية الجدية عند كيرلس السكندري [٦]
- ☑ الخطية الجدية عند كيرلس السكندري [٧]
نواصل الحديث عن المفهوم الشرقيّ الأرثوذكسيّ للخطية الجدية، ممثلًا في ق. كيرلس السكندري، وهو مختلف عن المفهوم الغربيّ اللاتينيّ، ممثلًا في أوغسطينوس، أسقف هيبو، الذي كان المحرِّك الرئيس وراء مفاهيم مجامع قرطاچنة الثلاثة التي ناقشت الهرطقة البيلاجية، وقضت بحرمها. بالتالي، نرى أن المفهوم الغربيّ مختلف تمامًا عن المفهوم الشرقيّ للخطية الجدية، بسبب تأثير كتابات أوغسطينوس أسقف هيبو على الغرب اللاتينيّ بقوةٍ.
الخطية الجدية هي التغرُّب عن وجه الله
يرى ق. كيرلس أن المسيح هو محطم الموت والفساد الذي أصاب طبيعة الإنسان، وردَّه مرةً أخرى إلى ما كانت طبيعته عليه في الأصل، لأن جسدنا كان مشحونًا بالموت، فحرَّر المسيح جسدنا من رباطات الموت. معصية آدم جعلتنا وجوهنا محجوبة ومتغربة عن الله وصرنا نموت ونعود إلى التراب، فقصاص الله على الطبيعة البشرية هو الموت، أي العودة إلى التراب، ولكن جاء التجديد من خلال الثالوث القدوس الواهب الحياة للراقدين كالتالي: [1]
كان الإنسان الميت في طريقه إلى الدفن، وكان أصدقاء كثيرون يُشيِّعونه إلى قبره، ولكن هناك يقابله الحياة والقيامة، أعني المسيح نفسه، لأنه هو مُحطِّم الموت والفساد، هو الذيبه نحيا ونتحرك ونوجد[2]. هو الذي أعاد طبيعة الإنسان إلى ما كانت عليه أصلًا، فهو الذي حرَّر جسدنا المشحون بالموت من رباطات الموت. […] لأنه بمعصية آدم صارت وجوهنا محجوبة عن الله وصرنا نعود إلى التراب. لأن قصاص الله على الطبيعة البشرية هو:لأنك تراب وإلى التراب تعود[3]، ولكن في نهاية هذا العالم، فإن وجه الأرض سيتجدَّد لأن الله الآب بالابن في الروح القدس سوف يعطي حياة لكل أولئك الراقدين في داخلها. إن الموت هو الذي أتى بالناس إلى الشيخوخة والاضمحلال، لذلك فالموت كما لو كان قد صيَّرنا شيوخًا وجعلنا نضمحل، لأنما عتق وشاخ فهو قريب من الاضمحلال، كما يقول الكتاب [4]. ولكن المسيح يُجدِّد لأنه هو الحياة.(كيرلس السكندري، تفسير إنجيل لوقا)
ويؤكد ق. كيرلس على هجران وتغرُّب الطبيعة البشرية عن الله بعد السقوط، وهكذا قَبِلَت الطبيعة البشرية لعنة الفساد والموت، وصارت أسيرةً للموت، فالفساد دخل الطبيعة البشرية من الخارج بسبب الهجران الذي اختبرته الطبيعة البشرية من الله بعد السقوط كالتالي: [5]
نقول: لأن أبونا الأول داس على الوصية التي أُعطِيَت له، ولم يبالِ بالناموس الإلهيّ [6]، هُجِرَت الطبيعة البشرية من الله، ولأجل هذا قَبِلَت اللعنة، وصارت أسيرةً للموت، لكن عندما أتى الابن الوحيد كلمة الله إلى العالم ليعيد تشكيلها إلى عدم الفساد، وأخذ الطبيعة البشرية من نسل إبرام، وصار مثل إخوته [7]، كان يجب، كما وضع حدًا لتلك اللعنة الأولى القديمة، والفساد الذي دخل من الخارج، أن يضع أيضًا حدًا للهجران الذي اختبرته الطبيعة البشرية من البداية.(كيرلس السكندري، رسالتان عن الإيمان القويم إلى الملكات)
ميل الطبيعة البشرية للخطية بعد السقوط
يشير ق. كيرلس إلى أن الطبيعة البشرية صارت في آدم لها ميل وقابلية للخطية، فالطبيعة البشرية لا يمكن أن تخطئ من تلقاء نفسها بدون أن تكون موجودة في شخص كائن عاقل له إرادة لكي يمارس بها الخطية، فالطبيعة البشرية ليس لها وجود واقعيّ حقيقيّ لو لم تكن موجودة ومتشخصنة ومتأقنمة في شخص عاقل مريد يمارس الخطية بإرادته الحرة كالتالي: [8]
هكذا قد محا ذنب العصيان الذي بواسطة آدم، هكذا أُبطِلَت قوة اللعنة، وأُبيدت سيادة الموت. وهذا ما يُعلِّمه بولس أيضًا قائلًا:لأنه كما بمعصية الإنسان الواحد جُعِلَ الكثيرين خطاةً، هكذا أيضًا بإطاعة الواحد سيُجعَل الكثيرين أبرارًا[9]. لأن طبيعة الإنسان كلها صارت خاطئةً [ميَّالة للخطية أو عُرضة للخطية] في شخص الذي خُلِقَ أولًا [هذا يؤكد أنها ينبغي أن تتشخصن في شخص لتصبح موجودة وفاعلة]، ولكنها الآن قد تبرَّرت كليةً من جديد في المسيح.(كيرلس السكندري، تفسير إنجيل لوقا)
إدانة الطبيعة البشرية في آدم وسقوطها في الانحلال
يرى ق. كيرلس أنه قد تمَّت إدانة الطبيعة البشرية في آدم وكانت النتيجة أنها سقطت في الانحلال أي للموت بسبب تعديه للوصية التي أُعطِيَت له كالتالي: [10]
لأن طبيعة الإنسان قد أُدِينت في آدم وسقطت في الانحلال، لأنه تعدى الوصية التي أُعطِيت له.(كيرلس السكندري، تفسير إنجيل لوقا)
وهذا يُفسِّر لنا لماذا قال ق. كيرلس في موضع آخر: أننا أخطأنا في آدم
، وقال أيضًا: إننا لم نخطئ معه لأننا لم نكن موجودين آنذاك
، وهكذا لا نُحسَب مذنبين بذنبه وحاملين وز خطيئته
، فالمقصود من تعبير ق. كيرلس أخطأنا في آدم
هو إدانة الطبيعة البشرية في آدم، وليس إدانة شخوص البشر في آدم، لأن آدم مسؤول عن خطيئته وحده، ولكن لا يُحاسَب البشر بذنب خطية آدم. إلا أن الطبيعة البشرية صارت تحت الدينونة في آدم، وسقطت في الانحلال، لأن الطبيعة صارت متغربة ومحجوبة عن الله وانفصلت عن مصدر حياتها، فسقطت في الانحلال.
وراثة حكم الموت في آدم
ويُفسِّر ق. كيرلس في موضع آخر إدانة الطبيعة البشرية بحكم الموت في آدم، حيث يرى أننا صرنا وارثين حكم الإدانة [أي حكم الموت] التي كانت لآدم الأول التي دفعتنا إلى الفساد بعصيانه كالتالي: [11]
لأن طبيعة الإنسان كان محكومًا عليها بالموت بسبب عِصْيَان المخلوق الأول، فكان يجب أن تعود ثانيةً إلى حالتها الأولى مُظهِرةً طاعتها. غير أن هذا كان بالفعل أكبر وأسمى من القدرات البشرية؛ لأنه ليس أحدٌ طاهرًا من الخطايا. لأنه إذَا كان المخلوق الأول قد سقط مرةً واحدةً في الخطية، وصار أسير ضعفه، وتغذت طبيعته بشهوات الجسد الذي أصبح جذرًا وحاملًا لناموس الخطية المتوحش، فكيف له أن يتجنب هذا تمامًا؟ […] لكي يأخذ -هذا الذي لم يعرف خطيًة- جسدًا مثلنا، ويجعله خاصًا به، حتى يوجد على الأرض بكونه إنسانًا، فيبرِّر طبيعة الإنسان بذاته ويُحرِّره من قيود الموت، مُتوَّجًا من الله الآب بتاج البراءة. وإلا يكون غريبًا، أن نصير وارثين حكم الإدانة التي كانت للأول التي دفعتنا إلى الفساد بعصيانه، دون أن نُصبِح مشاركين برّ الثاني، الذي أحضرنا ثانيةً إلى الحياة بطاعته التامة!.(كيرلس السكندري، رسالتان عن الإيمان القويم إلى الملكات)
النفس المخلوقة غير الحاملة للخطية الأصلية
يُؤكِّد ق. كيرلس الإسكندريّ على أن النفس مخلوقة في سياق مُقاومته لبدعة ”تجسيم أو أنسنة اللاهوت“، التي تفشت في عصره بين رهبان برية شيهيت بمصر، وبين رهبان سوريا وفلسطين، وفي سياق مقاومته لتعاليم أوريجينوس والأوريجانيين بالوجود السابق للأرواح قبل انحباسها في أجسادها بعد السقوط من عالم الغبطة في معية الله. حيث يقول التالي: [12]
ولا أظن أن أحدًا سيفترض أن النفس لها طبيعة الجسد، أو أنها تتكوَّن معه، وإنما الله -بطريقة غير معروفة- يغرسها في الجسد وتُولَد معه. ولذلك، نحن نُحدِّد أن الكائن الحي الواحد المولود هو من اثنين.(كيرلس السكندري، شرح تجسد الابن الوحيد)
ويشير ق. كيرلس الإسكندريّ في سياق حديثه عن تجسُّد الرب إلى أن الأمهات يمنحن الجسد اللحميّ فقط، ولكن يُرسِل الله النفس بكيفيةٍ معروفةٍ له فقط في اللحم البشريّ لتتَّحد به، وتُكوِّن إنسانًا كاملًا مُركَّبًا، بحيث تلد الأمهات على الأرض إنسانًا كاملًا مُكوَّنًا من جسد ونفس عاقلة. بالتالي، يُؤكِّد ق. كيرلس على أن النفس في أصلها مخلوقة مُباشرةً من الله، ولا تُولَد مثل الجسد اللحميّ من الأم والأب قائلًا: [13]
إن سر تجسُّده هو بكيفيةٍ ما مماثل لولادتنا، لأن أمهات أولئك الذين على الأرض الخاضعات لقوانين الطبيعة فيما يخص الولادة، لهم لحم يثبت في الرحم، وهو الذي ينمو قليلًا قليلًا حسب أفعال الله غير المدرَكة، ويصل إلى النضوج في هيئة إنسان. ويرسل الله الروح في الكائن الحي بكيفيةٍ معروفةٍ له، وهذا حسب قول النبي:وجابل روح الإنسان في داخله[14]. وإن الكلام عن الجسد شيء، والكلام عن النفس شيء آخر، ومع ذلك فحتى لو كانت هؤلاء النسوة هن فقط أمهات للأجساد التي على الأرض، إلا أنهن يلدن الكائن الحيّ كله، وأنا أعني كائنًا مُكوَّنًا من جسد ونفس، ولا يُقال عنهن أنه يلدن جزاءًا من الكائن، ولن يقول أحد إن أليصابات، مثلًا كانت أمًا للجسد فقط، وليست أمًا ولدت نفسًا في العالم إلى جانب الجسد. لأنها ولدت المعمدان إنسانًا ذا نفس، وكائنًا حيًا مُكوَّنًا من الاثنين. وأنا أعني إنسان له نفس وجسد معًا.(كيرلس السكندري، رسائل القديس كيرلس الإسكندري)
صدر للكاتب:
ترجمة كتاب: "الثالوث"، للقديس أوغسطينوس أسقف هيبو [٢٠٢١]
كتاب: عظات القديس غريغوريوس النيسي على سفر الجامعة [٢٠٢٢]
ترجمة كتاب: "ضد أبوليناريوس"، للقديس غريغوريوس النيسي [٢٠٢٣]
كتاب: الطبيعة والنعمة بين الشرق والغرب [٢٠٢٣]
كتاب: مونارخية الآب في تعليم آباء الكنيسة [٢٠٢٤]