- الخطية الأصلية عند أوغسطين [١]
- الخطية الأصلية عند أوغسطين [٢]
- الخطية الأصلية عند أوغسطين [٣]
- الخطية الأصلية عند أوغسطين [٤]
- الخطية الأصلية عند أوغسطين [٥]
- الخطية الجدية عند باسيليوس الكبير [١]
- الخطية الجدية عند باسيليوس الكبير [٢]
- الخطية الجدية عند باسيليوس الكبير [٣]
- الخطية الجدية عند باسيليوس الكبير [٤]
- الخطية الجدية عند كيرلس السكندري [١]
- الخطية الجدية عند كيرلس السكندري [٢]
- ☑ الخطية الجدية عند كيرلس السكندري [٣]
نستكمل الحديث عن المفهوم الشرقيّ الأرثوذكسيّ للخطية الجدية، ممثلًا في ق. كيرلس السكندري، وهو مختلف عن المفهوم الغربيّ اللاتينيّ، ممثلًا في أوغسطينوس، أسقف هيبو، الذي كان المحرِّك الرئيس وراء مفاهيم مجامع قرطاچنة الثلاثة التي ناقشت الهرطقة البيلاجية، وقضت بحرمها. بالتالي، نرى أن المفهوم الغربيّ مختلف تمامًا عن المفهوم الشرقيّ للخطية الجدية، بسبب تأثير كتابات أوغسطينوس أسقف هيبو على الغرب اللاتينيّ بقوةٍ.
دحض القدرية ووراثة الخطية بالولادة
يدحض ق. كيرلس السكندريّ أيضًا فكرة وراثة الخطية الأصلية عن طريق التناسل، حيث يقر بأنه ليس القدر ولا الولادة هما ما يجعلان الإنسان فاعلًا للشر أو فاعلًا للخير، بل على العكس، الجميع يسيرون بحريةٍ في كلَا الاتجاهين كالتالي: [1]
لذلك ليس صحيحًا، إذًا، أن كل من القدر والولادة هما اللذان يتحكمان في كل شخص كما يُعتقد، وتجعل الإنسان فاعلًا للشر أو فاعلًا للخير، بل على العكس من ذلك، فإن الجميع يسيرون بحريةٍ في كلَا الاتجاهين، ولا يوجد شيء يمنع بالضرورة أي شخص من توجيه مسيرته في أي اتجاه يقرِّره.(كيرلس السكندري، الرسائل الفصحية الخمسة الأولى)
وهذا ما يؤكده ق. كيرلس في موضع آخر، حيث يرى أن الذين ينسحبون عن الضلال السابق ويسرعون إلى الحق كثمرة لحرية إرادتهم هم مستحقون بالحقيقة للمديح كالتالي: [2]
وإذ يُفطَّمون من ضلالهم السابق الذي تسلَّموه من آبائهم، فإنهم يقبلون كلمة الإنجيل المخلِّصة. ونحن نؤكد أن مثل أولئك هم الذين يُدعون من السياجات، فإنهم بالحقيقة أكثر عظمةً وجدارةً بالمديح حينما يكون الانسحاب من الضلال السابق والإسراع إلى الحق هو ثمرة حرية الإرادة.(كيرلس السكندري، تفسير إنجيل لوقا)
دحض وراثة الخطية والوجود السابق للأرواح
يرفض ق. كيرلس السكندري تعاليم كل من العلامة أوريجينوس والعلامة ديديموس الضرير بخصوص الوجود السابق للنفس في سياق شرحهم للسقوط والخطية الجدية، كما يتضح إن تعليمهما لا يتفق من قريب أو من بعيد مع تعليم وراثة الخطية الأصلية عند أوغسطينوس، بل ولا يتفق مع تعاليم الآباء السكندريين اللاحقين كالقديسين أثناسيوس وكيرلس اللذين رفضا التعليم بالوجود السابق للأرواح وانحباسها في أجسادها بسبب السقوط من عالم الغبطة، وفي نفس الوقت رفضا وراثة الخطية والذنب من آدم أو ارتكاب خطايا وذنوب قديمة سابقة في حياة سابقة للنفس قبل انحباسها في أجسادها كعقوبة على خطاياها السابقة.
وسوف نستعرض رأي ق. كيرلس السكندري الذي أفرد جزءًا من تفسيره على إنجيل يوحنا، يمكن الرجوع إليه، لدحض تعليم الوجود السابق للأرواح وتعليم وراثة ذنب وخطية آدم بسبب التعليم السالف الذكر لكل من العلامة أوريجينوس والعلامة ديديموس الضرير. حيث يقول التالي: [3]
ولكنني أفترض أنه من الحماقة الادعاء أن النفوس وُجِدَت قبل الأجساد، وإنها بسبب ذنوب قديمة أُرسِلَت لكي تُحبَس في أجساد ترابية. وسوف أُبرهِن على قدر استطاعتي بعدة براهين من الأسفار الإلهية، لأنني أعرف ما هو مكتوب:أعط حكيمًا فيكون أوفر حكمةً. علَّم صديقًا فيزداد علمًا[4].(كيرلس السكندري، شرح إنجيل يوحنا مج١)
نحن نرث نتائج عِصْيَان آدم
يدحض ق. كيرلس السكندريّ التعليم بالوجود السابق للأرواح مُؤكِّدًا على أننا نرث نتائج عِصْيَان آدم ألا وهي الفساد والموت، ولا نرث خطية آدم نفسها، لأن وراثة خطية آدم كانت إحدى البراهين التي كان يستند عليها القائلون بالوجود السابق للأرواح وسقوطها بسبب وراثة خطية آدم من عالم الغبطة وانحباسها في أجسادها. حيث يقول التالي: [5]
يقول بولس مُوضِّحًا أن الفساد قد انتشر وامتد إلى كل جنس آدم بسبب عِصْيَان آدم:لكِنْ قَدْ مَلَكَ الْمَوْتُ مِنْ آدَمَ إِلَى مُوسَى، وَذلِكَ عَلَى الَّذِينَ لَمْ يُخْطِئُوا عَلَى شِبْهِ تَعَدِّي آدَمَ[6]. فكيف يقول إن الموت ملك حتى على الذين لم يخطئوا، إذَّا كان الجسد الميت قد أُعطِي لنا بسبب خطايا سابقة؟ وأين هؤلاء الذين لم يخطئوا إنْ كان الوجود في الجسد هو عقاب على خطايا سابقة، وكأنَّ وجودنا في الجسد في هذه الحياة هو اتهام مُسبق قائم ضدنا؟ إن قول المخالفين ينم عن عدم دراية بالأسفار المقدَّسة.(كيرلس السكندري، شرح إنجيل يوحنا مج١)
ويرى ق. كيرلس أننا كُنا مُتَّحِدين بآدم عندما جلب على نفسه عقوبة الموت، وليس الله هو مُعاقِبه بالموت، لأن الموت ليس من صُنع الله، وهكذا نحن مُتَّحِدون بالمسيح عندما جلب لنا الحياة وعدم الفساد. وهنا يؤكد ق. كيرلس أننا نرث من آدم الموت والفساد وليس ذنب خطيئته نفسها، لأننا كُنا مُتَّحِدين به من خلال الطبيعة البشرية الواحدة التي تجمعنا به كبشر مولودين من نسل بشريّ آدميّ، وهكذا جلب آدم علينا نتائج خطيئته أي عقوبة الموت كالتالي: [7]
لأنه صار مثلنا، وكسى ذاته بجسدنا، لكيما بإقامته إياه [الجسد] من الموت، يُعدّ -من الْآنَ فصاعدًا- طريقًا يمكن به للجسد الذي وُضِعَ [أُذِلَ] حتى الموت، أن يعود من جديد إلى عدم الفساد [الانحلال]. لأننا مُتَّحِدون به مثلما كُنا أيضًا مُتَّحِدين بآدم، عندما جلب على نفسه عقوبة الموت. وبولس يشهد لذلك، إذ كتب هكذا في إحدى المرات:فإنه إذ الموت بإنسانٍ، بإنسانٍ أيضًا قيامة الأموات[8]، ويقول أيضًا:لأنه كما في آدم يموت الجميع، هكذا في المسيح سيُحيَا الجميع[9]. لذلك فإن الكلمة إذ وحَّد مع ذاته ذلك الجسد الذي كان خاضعًا للموت، فلكونه الله والحياة، فقد طرد منه الفساد [الانحلال]، وجعله أيضًا يصير هو مصدر الحياة؛ لأنه هكذا ينبغي أن يكون جسد ذاك الذي هو الحياة.(كيرلس السكندري، تفسير إنجيل لوقا)
ويوضح ق. كيرلس أننا صرنا ملعونين بسبب مخالفة آدم، وهكذا سقطنا في مصيدة الموت، متروكين من قِبَل الله، فيؤكد على أننا نرث نتيجة مخالفة آدم وهي السقوط في مصيدة الموت، وليس المشاركة في ذنب خطية آدم. ويعطي ق. كيرلس معنى آخر للخطية الجدية وهي أنها هجران النعمة من الطبيعة البشرية كالتالي: [10]
لأننا صرنا ملعونين بسبب مخالفة آدم، وسقطنا في مصيدة الموت متروكين من قِبَل الله، ولكن الكل بالمسيح صار جديدًا، وعاد ثانيةً كل ما يخصنا كما كان في بداية الخليقة، كان ينبغي لآدم الثاني، الذي أتى من السماء، وكان أسمى وفوق الخطية، الجذر الثاني لجنسنا كليّ القداسة وغير الدنس، أن يُخلِّص [يُحرِّر] الطبيعة البشرية من الإدانة، وصار لها أن تستدعي ثانيةً نعمة الصلاح من السماء ومن الآب، فوقها، وتُبطِل هجران النعمة لها بواسطة طاعة يسوع المسيح التي حدثت مرةً واحدةً وإلى الأبد. لأنه لم يفعل خطيةً [11]، وأيضًا الطبيعة البشرية، وهي متَّحِدة به، صارت بلا لوم وبريئة.(كيرلس السكندري، المسيح الواحد)
ويشير ق. كيرلس بوضوح إلى أن آدم، الجذر الأول، قد أنبت في الطبيعة البشرية كل نتائج الغضب، لم يقل ق. كيرلس أن آدم أنبت خطيئته في الطبيعة البشرية، كما يدَّعي الغنوسيون والمانويون الجدد، بل قال نتائج الغضب، حيث الموت الذي ملك من آدم إلى موسى على الذين لم يخطئوا على شبه تعدي آدم، ويقارن ق. كيرلس بين عبور نتائج الغضب أي الموت من الجذر الأول للبشرية، آدم، وبين عبور النتائج الآتية من جذرنا الثاني، المسيح، في كل الجنس البشريّ. فأين الخطية الأصلية الموروثة التي يدَّعي هؤلاء أن ق. كيرلس يؤمن بها؟! حيث يقول التالي: [12]
ثم أن الجذر الأول، أقصد آدم، أنبت في الطبيعة البشرية كل نتائج الغضب، حيث ملك الموت من آدم إلى موسى وذلك على الذين لم يخطئوا على شبه تعدي آدم، هكذا مرتَّ [عبرت] أيضًا النتائج الآتية من جذرنا الثاني، أي المسيح في كل الجنس البشريّ، الأمر الذي يؤكده بولس الرسول قائلًا:لأنه إنْ كان بخطية واحد مات الكثيرون، فبالأولى كثيرًا نعمة الله والعطية بالنعمة التي بالإنسان الواحد يسوع المسيح قد ازدادت للكثيرين[13]، وأيضًا:لأنه كما في آدم يموت الجميع، هكذا في المسيح سيُحيَا الجميع[14].(كيرلس السكندري، المسيح الواحد)
صدر للكاتب:
ترجمة كتاب: "الثالوث"، للقديس أوغسطينوس أسقف هيبو [٢٠٢١]
كتاب: عظات القديس غريغوريوس النيسي على سفر الجامعة [٢٠٢٢]
ترجمة كتاب: "ضد أبوليناريوس"، للقديس غريغوريوس النيسي [٢٠٢٣]
كتاب: الطبيعة والنعمة بين الشرق والغرب [٢٠٢٣]
كتاب: مونارخية الآب في تعليم آباء الكنيسة [٢٠٢٤]