في أوائل سنواتي الدراسية، تفاجأت عندما أبلغني صديقي المقرب أنه لن ينافسني بعد الآن في سباق الجري في فناء المدرسة، ولن يدعوني أيضًا للانضمام إلى مجموعته للألعاب الجماعية من الآن فصاعدًا. أخبرني بذلك بصوت منخفض، وعيناه مثبتتان على الأرض، متجنبًا الاتصال البصري معي. وبعد إعلانه، غادر دون أن ينتظر سؤالي المُلِح: لماذا؟.

لم تكن هذه التجربة معزولة عن غيرها. فقد تكرر رفض أصدقائي وزملائي الآخرين مشاركتي في الألعاب والأنشطة، ولاحظت ارتباطًا وثيقًا بين هذا الرفض وفصول “الدين”. تدريجيًا، أُغلقت أمامي دوائر الصداقة التي كنت ألعب فيها بحرية مع الجميع.

عدنا لاحقًا للمشاركة في الأنشطة المدرسية والترفيهية. ثم فجأة، علمت أن معلمة اللغة العربية والتربية الإسلامية أخبرت أصدقائي أن اللعب مع المسيحيين سيؤدي بكم إلى نار جهنم. وبالطبع، لم يكن هناك طفل لا يخشى عذاب النار.

لطالما أثار إدراج “الدين” كمادة تدريسية في المدارس المصرية جدلًا حادًا. يدعو البعض إلى ضرورته لتعزيز الأخلاق والقيم الفاضلة لدى الأجيال الناشئة، بينما يرى آخرون أنه قد يؤدي إلى التطرف والتمييز الديني بين الطلاب. ويتبنى فريق ثالث وجهة نظر مفادها أن تعليم الدين يجب أن يتم في دور العبادة، وليس في المدارس.

أعلن وزير التربية والتعليم المصري، محمد عبد اللطيف، مؤخرًا إضافة مادة “التربية الدينية” إلى المجموع الدراسي في المرحلة الثانوية، بعد أن كانت تُعتبر مادة نجاح ورسوب فقط. أثار هذا القرار جدلًا حول فعالية تدريس الدين، خاصة في ظل وجود طلاب من ديانات مختلفة، مثل المسيحية والإسلام، بالإضافة إلى الطوائف المختلفة داخل المسيحية في مصر. أثارت هذه التطورات تساؤلات حول ما إذا كانت المدارس المصرية مهيأة لتدريس محتوى التربية الدينية بشكل مناسب.

الدين في المناهج التعليمية المصرية

في كتابه الأقباط والتعليم في مصر الحديثة، يسلط الأستاذ نسيم سليمان، رئيس قسم الاجتماع والتربية السابق في ، الضوء على نظام التعليم في مصر القديمة.

وفقًا لسليمان، أسس المصريون القدماء مدارس ملحقة بالمعابد حيث كان هناك المعلمين المؤهلين. وكانت هذه المدارس متاحة للبنين والبنات على حد سواء، حيث كانوا يكتسبون معرفة أساسية في القراءة والكتابة والموضوعات العامة الأخرى.

بالنسبة للأطفال الذين لم يتمكنوا من الالتحاق بالمدارس، فقد شاركوا آبائهم في مهنة الزراعة. بالإضافة إلى القراءة والكتابة، تضمنت المدارس أقسامًا متخصصة لتعليم الحرف المختلفة.

كان يُطلَق على المكتبة اسم ‘دار الحياة'، وكانت بمثابة مجمّع علمي، يقصدها الملوك للاطّلاع على محتوياتها… أو لاستشارة أهل الرأي فيها من رجال الدين والحكماء.

(نسيم سليمان، الأقباط والتعليم في مصر الحديثة)

يوضح سليمان أن المدارس في مصر القبطية ظلّت متصلة بالكنائس بدلًا من المعابد، حيث تأسست المدرسة اللاهوتية الشهيرة في الإسكندرية. بعد الفتح الإسلامي لمصر، ظهرت المدارس المرتبطة بالمساجد. استمر إنشاء المدارس في العصرين الأيوبي والمملوكي. ومع ذلك، شهد نظام التعليم تحولًا كبيرًا مع بداية حكم في عام 1805، الذي أدخل أنظمة تعليمية حديثة. أسس هذا النظام مدارس عسكرية وتجهيزية وابتدائية لترسيخ أساس نظام تعليمي حديث في مصر.

يصنف الدكتور كمال مغيث، الباحث في المركز القومي للبحوث التربوية بالقاهرة، النظام التعليمي التقليدي في مصر إلى فئتين رئيستين: الأول، التعليم المِهْنِيّ أو الحِرفي، حيث يتعلم الأفراد الحرف المختلفة من خلال التدريب العملي المباشر. يبدأ المتدربون في سن مبكرة بمهام بسيطة، مثل رش الماء في ورش النجارة أو مساعدة صائغي الذهب. وبمرور الوقت، يتعلمون المهنة من خلال الملاحظة والممارسة. أما النوع الأخير فهو التعليم الديني، الذي اشتمل على الدراسة في الكتاتيب الإسلامية، ومدارس اللاهوت المسيحية، التي تخرج منها الوعاظ، والمأذونين الشرعيين، ورجال الدين.

كما يُوضِح الدكتور مغيث أن التعليم الحديث في مصر يرمي إلى تحقيق هدفين أساسيين: أولهما التأهيل المهني: بدءًا من إتقان القراءة والكتابة، وصولًا إلى تمكين كل فرد من ممارسة مهنته. وثانيهما تعزيز المواطنة: حيث كان التعليم في مصر قبل عهد محمد علي باشا طائفيًا، إذ كان المسلمون يدرسون في المؤسسات الدينية، والمسيحيون في المدارس الأرثوذكسية والكاثوليكية، وكذلك اليهود. ومع إطلاق محمد علي باشا لمشروع الدولة الحديثة، نشأ مفهوم التعليم الوطني الذي يرسخ الانتماء للوطن فوق الهوية الدينية.

حتّى أربعينيات القرن العشرين، استمرّت بعض الإشكاليات في النظام التعليمي، حيث كان هناك تعليم حكومي، وتعليم أهلي [خاص]، بالإضافة إلى التعليم الأجنبي وتعليم الطوائف المسيحية المختلفة، فضلًا عن التعليم الأزهري. لكن بخلاف الأخير، لم تكن التربية الدينية تُعدّ قضيةً أساسيةً في المدارس.

(الخبير التربوي د. كمال مغيث)

يُدلّل مشهد من فيلم شباب امرأة، إنتاج عام 1956، على هذا المفهوم. عندما علم البطل، وهو شاب ريفي ساذج انتقل إلى القاهرة للدراسة يلعبه الفنان شكري سرحان، أن أحد زملائه كان يراجع آيات قرآنية، أخبره أنهم لا يدرسون القرآن في المدرسة. وهذا يدل على أن “التعليم الديني” لم يكن منهجًا أساسيًا حتى ذلك الوقت.

بمرور الوقت، أصبحت دراسة مادة التربية الدينية اختيارية في مصر باستثناء فترات التغييرات السياسية والاجتماعية، لا سيّما مع تصاعد نفوذ جماعة والحركات الدينية الأخرى.

التيارات الإسلامية، وبالأخص جماعة الإخوان المسلمين، تعتبر السيطرة على وجدان الناس معركتها الأساسية، وتستخدم في سبيل تحقيق ذلك أدوات عدة في مقدمتها التعليم.

مؤسس جماعة الإخوان المسلمين كان مدرّسًا، وأدرك أهمية التعليم في تنشئة ‘الفرد المسلم' و'المجتمع المسلم'، بما يمهّد لهيمنة الجماعة على الصعيدَين الاجتماعي والسياسي.

(الباحث سامح فوزي، دراسة: التعليم في منطقة الصيد… الدولة والإخوان)

إضافة “الدين” إلى الرصيد

يعتقد مغيث أن هذا النهج بالذات كان سببًا في الصراع بين الدولة المصرية وجماعة الإخوان المسلمين. فخلال فترة قوة الجماعة، اضطرت الحكومة إلى إدراج “الدين” كمادة دراسية كوسيلة للمصالحة وإرضاء الأفكار الرجعية. حدث ذلك في عهد رئيس الوزراء (ديسمبر 1948 – يوليو 1949)، حيث اتخذت الدولة عدة إجراءات تعكس إعلاء شأن النهج الديني في الحياة العامة والثقافية، بما في ذلك إلغاء البغاء في عام 1949.

مع تولي ، أحد الموصوف بأنه “إخواني الهوى”، منصب وزير التعليم في الفترة من 1954 إلى 1958، تم التشديد على أهمية مادة “التربية الدينية” باعتبارها شرطًا للنجاح أو الرسوب، دون احتسابها في المجموع. واستمر هذا الوضع حتى قرر وزير التربية والتعليم الحالي، محمد عبد اللطيف، احتساب مادة الدين ضمن الدرجات النهائية للمجموع، اعتبارًا من العام الدراسي المقبل 2026.

على الرغم من الاعتقاد السائد بأن التعليم الديني يقلل من التطرف، إلا أن الواقع قد يتناقض مع ذلك. في حين أن التعليم الديني المعتدل قد يعزز الاعتدال والتفاهم، إلا أن التطرف الديني المفرط يمكن أن يؤدي إلى الاستقطاب والانقسام. فكلما زاد التأكيد على الجانب الديني، زادت احتمالية أن يرى كل فرد صحة مواقفه فقط، مما يؤدي إلى الشعور بعدم التسامح وعدم القدرة على التوافق مع الآخرين.

خلال فترة حكم الرئيس (1970-1981)، شهدت مصر تحالفًا مع التيارات الدينية. وقد أدى هذا التحالف إلى تراجع المشروع الوطني للدولة، بما انعكس على النظام التعليمي عمومًا.

طُبعت المناهج وصُبغت بصبغة دينية، وأصبحت العلوم الدينية تهيمن على الحصص المختلفة، حيث أصبح المعلّمون يقدّمون حتّى المواد العلمية مغلّفةً بتعابير دينية، إلى درجة أنّهم كانوا يحلّلون علوماً ويحرّمون أخرى. كما أصبحت مادة اللغة العربية تحتوي على آيات ونصوص كثيرة من القرآن. وتكرّر النظر بازدراء إلى الطالبات والمعلِّمات غير المحجبات في بعض المدارس، ورُحِّب بالمسرحيات التي تمجّد شخصيات إسلاميةً مثل خالد بن الوليد و، بينما غابت الشخصيات الوطنية مثل ، وأحمد عرابي.

(الخبير التربوي د. كمال مغيث)

يحذر الدكتور عماد رزيك عمر، من كلية القانون والعلوم السياسية بجامعة الأنبار العراقية، في بحثه تأثير التنشئة الاجتماعية والسياسية في الاتجاه نحو التطرف، من أن بعض المعلمين قد يتبنون نهجًا استبداديًا ويميزون بين “نحن” و”هم” عند التعامل مع الطلاب من هويات دينية مختلفة. ويؤكد أن هذا النهج يساهم في إذكاء الانقسامات العرقية أو الطائفية من خلال التعليم.

حصّة الدين والتفريق بين الطلاب

على غرار الأطفال الذين انغلقوا اجتماعيًا أمام الصحافة، تروي كلير المصري، المديرة السابقة لمكتبات جامعة عين شمس، قصتها مع “حصة الدين” التي لم تغادر ذاكرتها حتى بعد بلوغها عقدها السابع، فتقول:

في حصّة الدين، كان يتم الإبقاء على المسلمين داخل فصولهم، أما نحن [أي الطلاب المسيحيين]، فنقضي وقتًا طويلًا من زمن الحصّة في البحث عن مدرِّس، وعن مكان لتعلّم الدين المسيحي، فالمدارس عادةً لا توجد فيها قاعات أو مرافق مجهّزة لهذه الحصّة، والمدرّسون المسيحيون يوزعون فيما بينهم حصص التربية الدينية، وإن كانوا جميعاً مشغولين، تُلغى الحصة.

بعدما يضيع أغلب وقت الحصة في البحث عن مدرِّس ومكان، قد ينتهي بنا الحال إلى الدراسة في فناء المدرسة، وفي أحيان أخرى كنا نبقى مع الطلاب المسلمين، نحفظ السور والآيات القرآنية. حفظت آيات كثيرةً من القرآن بسبب مراحل تعليمي الأولى في فترة سبعينيات القرن العشرين.

(كلير المصري، مديرة سابقة لمكتبات جامعة عين شمس)

لم تكن حصة الدين المسيحي بالنسبة لنا منتظمًة، لأنها كانت مرهونًة بوجود مدرّس مسيحي، الذي عادًة لم يكن مختصًا أو خريج إحدى كليات اللاهوت، وإنما كان مسيحيًا فحسب، وقد يكون معلّم رياضيات أو علوم أو لغة إنجليزية. وفي حال غيابه أو انشغاله بحصته الأساسية، نبقى في الفناء إلى حين انتهاء الحصة.

(كمال فريد، طبيب وباحث في الشأن القبطي)

من جيل مختلف ومدينة أخرى في الفيوم، تشاركنا الصحفية ماريانا سامي، فتقول:

حصة الدين في المدرسة لم تكن تضيف أيّ قيمة أخلاقية حقيقية، ليس فقط لأنّ المدرسة مكان غير مناسب لحصة الدين، بل لأنها أيضًا تخلق وضعًا عبثيًا، خاصةً للأقليات الدينية.

لا تزال ذاكرتي تحمل مشهد طفولتي في المرحلة الابتدائية، حين كنت أنا وأربعة من زملائي نُجبَر على مغادرة الفصل مع معلمة الدين المسيحي، ونجوب أرجاء المدرسة بحثًا عن مكان نستقرّ فيه. وفي النهاية، كنّا نجلس على مقعدَين بجوار السلّم، بينما زملاؤنا المسلمون يبقون في الفصل حيث الأجواء المعتادة للدراسة والمقاعد المريحة.

لم يكن الأمر مجرد نقص في التنظيم، بل كان إحساسًا واضحًا بالإقصاء، وكأننا زائدون عن الحاجة، مجرد أفراد ينبغي إبعادهم إلى الهامش.

المناهج تحمل رسائل ضمنيًة وصريحًة تعزّز التعصّب، وتغذّي شعور التفوّق لدى البعض والدونية لدى البعض الآخر. تُلقّن الأطفال أنّ زملاءهم المختلفين عنهم في العقيدة هم ‘ضالّون' و'كفّار'، وعلى الجانب الآخر ‘أبناء العالم' و'لن يدخلوا الملكوت'، وكأنّ الحصة لم تكن درسًا في الدين، بقدر ما كانت درساً في الفُرقة والكراهية.

(ماريانا سامي، صحفية وباحثة في شؤون الأقليّات)

فرض “الدين” هو تعريف “التطرف”

لا تقتصر المشكلة على الانقسام بين الطلاب المسلمين والمسيحيين. تتمثل إحدى المشكلات الرئيسية هي تدريس المسيحية في مصر من منظور الأغلبية الأرثوذكسية فقط. يؤدي هذا إلى توليد أسئلة جدلية بين الطلاب، مثل: من يستحق دخول الملكوت: نحن أم الإنجيليون؟

في الصف الخامس الابتدائي، كانت كاتبة المقال تدرس في مدرسة مسيحية إنجيلية. وخلال درس ديني، طرحت المعلمة سؤالًا: “من سيُقبل في ملكوت السماوات؟” فأجابت: “الجميع سيدخلون الملكوت، لأن رحمة الله لا تميّز بين الطوائف”.

أثار هذا الجواب احتجاجًا من الطلاب الذين نشأوا على الاعتقاد بأن الأرثوذكس وحدهم من سيُقبلون في الملكوت. وعندها اكتشفوا أن معلمتهم إنجيلية، فاشتكوا لأولياء أمورهم، الذين تقدموا بدورهم بشكوى لإدارة المدرسة، مطالبين بتوقيف تدريس الدين المسيحي على يد مُعلمة إنجيلية.

استجابت إدارة المدرسة -الإنجيلية- للشكوى درءًا للفتنة، واستبعدت المعلمة من تدريس مادة الدين المسيحي، التي ظلت بلا مدرس أو معلمة لمدة نصف عام تقريبًا.

تُقر كاتبة التقرير بأنها نشأت على الاعتقاد بأننا الأرثوذكس هم الطائفة المسيحية الوحيدة الصحيحة، وأن الطوائف المسيحية الأخرى التي تختلف معنا في مسائل أساسية مثل الصوم والمعمودية هي طوائف خاطئة. وقد أدى هذا الاعتقاد إلى تعليم الدين بطريقة عمقت الانقسامات داخل المسيحية، بدلًا من تعميق الفهم بين الديانات المختلفة مثل الإسلام والمسيحية. كما أدى إلى ترسيخ فكرة أن أتباع كل دين أو طائفة سيذهبون إلى الجنة أو الملكوت باعتبارهم “الفرقة الناجية”، في حين من عداهم مُخلّدون في النار إلى الأبد.

الإنجيليون لن يدخلوا الملكوت، يمكن أن تكون لهم مكانة جيدة وفق أعمالهم، لكن لن يروا المسيح كما يراه الأرثوذكس.

(نانسي رفيق، معلمة مادة العلوم، التي كانت تدرس مادة الدين المسيحي)

كان التعليم في مصر قبل عهد محمد علي باشا طائفيًا، إذ كان المسلمون يدرسون في المؤسسات الدينية، والمسيحيون في المدارس الأرثوذكسية والكاثوليكية، وكذلك اليهود. ومع إطلاق محمد علي باشا لمشروع الدولة الحديثة، نشأ مفهوم التعليم الوطني الذي يرسخ الانتماء للوطن فوق الهوية الدينية.

(الخبير التربوي د. كمال مغيث)

الدين في مقابل المواد العلمية

يجادل المفكر السوري: صادق جلال العظم، في كتابه نقد الفكر الديني، بأن العلم والدين يتعارضان في جوانب جوهرية، بما في ذلك المنهج المستخدم للوصول إلى المعرفة والفهم.

بالنسبة للدين الإسلامي -كما بالنسبة لغيره- المنهج القويم للوصول إلى المعارف هو: الرجوع إلى نصوص معيّنة؛ تعتبر مقدسةً أو منزلًة، أو الرجوع إلى كتابات العلماء والحكماء الذين درسوا وشرحوا هذه النصوص. أما تبرير العملية بأسرها فيستند إلى الإيمان، أو الثقة العمياء بحكمة مصدر هذه النصوص وعصمته عن الخطأ.

الطريقة العلمية تتنافى تمامًا مع هذا المنهج الاتّباعي السائد في الدين، لأنّ قائم على الملاحظة والاستدلال، على أن يكون التبرير الوحيد لصحة النتائج التي يصل إليها هذا المنهج؛ هو مدى اتّساقها المنطقي مع بعضها، ومدى انطباقها على الواقع.

(صادق جلال العظم، نقد الفكر الديني)

في الأيام الأخيرة، أثارت محاولات وزير التعليم المصري، عبد اللطيف، الربط بين الدين والقيم الأخلاقية، حالة من التناقض والاستغراب عندما تساءل: كيف يمكنني أن أطالب الطالب بالتمسك بالقيم الأخلاقية إن لم نضف الدين إلى المجموع؟

يحتوي السؤال على مغالطًة منطقيًة، ﻷنّ هذا لا يعني ذاك، حيث لم تأتِ الأديان بالأخلاق، والأخلاق ليست نتاجًا لأي دين محدد.

من المغالطات للمنطق الاعتقاد بأنّ تدريس التربية الدينية يؤدي بالضرورة إلى تحسين الأخلاق. فالإسلام والمسيحية كلاهما يقومان على القيم الأخلاقية، ولكن لا يوجد بحث علمي واحد يثبت أنّ تدريس الدين في المدارس ينعكس مباشرًة على سلوك الأفراد. الطفل قد يكره مادةً علميةً لأنّها صعبة، ولكن هل نقبل أن يكره الدين لأنه لا يستطيع اجتياز امتحانه؟

التعليم يجب أن يكون وسيلًة لخلق مواطن صالح، وليس أداًة للتمييز أو التفرقة بين الطلّاب/ المواطنين. والأصل أن يُدرّس الدين كجزء من الثقافة العامة، وليس كمادة تُختبر فيها المهارات الأكاديمية، لأنّ الهدف منه هو بناء القيم، وليس قياس الحفظ والاستذكار.

المدرسة مؤسّسة ثقافية وسياسية في الأساس، ويجب أن تخضع المناهج لمقتضيات الدولة الحديثة، وليس العكس. اليوم، أصبح التعليم معتمدًا على الدروس الخصوصية، حتّى في التربية الدينية، ما يفتح بابًا للتمييز. على سبيل المثال، إذا حصل الطلاب المسيحيون على درجات ضعيفة في التربية الدينية، فقد يشعر ذووهم بأنّهم مُهمَّشون أو يُنظر إليهم باعتبارهم أقلّ تدينًا، ما يعني فتح الباب على مصراعيه لمشكلات وأزمات أكبر.

يُفترض أن تأتي المواطنة قبل الانتماء الديني، ولذلك فإنّ جعل التربية الدينية مادةً تُحتسب بالدرجات قد يكون أمرًا إشكاليًا. فالأصل في الأديان هو الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة، ولم يكن هناك اهتمام في التاريخ الإسلامي أو المسيحي بقياس مدى حفظ النصوص بقدر الاهتمام بالقيم والمبادئ الأخلاقية، كما أنّ التعليم المؤسسي الوطني، هو الذي يجب أن يكون موحدًا ومتفقًا عليه من قبل جميع المواطنين.

(الخبير التربوي د. كمال مغيث)

كيف تقيّم هذا المقال؟

← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←

المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء

كن أوّل من يقيّم هذا المقال

بما أن المقال أعجبك..

ربما اﻷفضل مشاركته مع دوائرك كي يحظى بانتشار أوسع

من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا

دعنا نعمل على تحسين ذلك

أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟

‎ ‎ نحاول تخمين اهتمامك… ربما يهمك أن تقرأ أيضًا: ‎ ‎