المقال رقم 3 من 7 في سلسلة الخطية الأصلية في فكر الآباء

نواصل الحديث عن الاختلاف حول مفهوم “الخطية الجدية” و بين بعض آباء الكنيسة في الشرق والغرب، ويظل الحديث عن القديس في هذه الحلقة.

هلاك الأطفال غير المعمدين

يرفض أوغسطينوس دخول الأطفال غير المعمَّدين إلى الملكوت، معتبرًا إياهم مذنبين لأنهم وارثون ذنب ، بعكس ما جاء في اللاهوت الشرقي الأرثوذكسي مثل ق. ، الذي يرى أنهم سوف يدخلون الملكوت، لأنهم أبرياء ولا يوجد بهم أي نوع من الخطية قائلًا: [1]

في حالة ولادة طفل في أوضاع لا يُسمَح له فيها بنوال معمودية المسيح، ثم مات طفلًا بدون حميم الميلاد الجديد، فأنظروا بماذا يفتي صاحبكم []، في مثل هذه الحالة، إنه يعطيه حلًا، فاتحًا له ملكوت السماوات، ومؤكدًا أن لا دينونة عليه، هذا على الرغم من دينونة الله له. على أية حال إن لا يعطي حلًا لمثل هذا الطفل، حيث قال: بإنسان واحد دخلت الخطيئة إلى العالم وبالخطيئة الموت، وهكذا اجتاز الموت إلى جميع الناس إذ أخطأ الجميع [2]، فهذا الاستذناب الوحيد فقط يسري على الكل بما فيهم ذلك الطفل، ولذلك لا يُسمَح له بالدخول إلى ملكوت السماوات ليس لأنه غير مسيحي فقط، بل وحتى لأنه غير قادر أن يكون مسيحيًا.

(أوغسطينوس، الطبيعة البشرية وعمل النعمة)

يرى أوغسطينوس أيضًا أن الأطفال يُحسَبون من بين الخطاة منذ المولد، لأنهم يحملون الخطيئة الأصلية، وهذا عكس ما يقوله آباء الشرق عامةً وق. كيرلس الإسكندريّ خاصةً، حيث يرون أننا نُولَد مائتين من المائت، ولا نُولَد خاطئين من الخاطئ كالتالي: [3]

وبين الخطاة يُحسَب الأطفال، من حيث أنهم يحملون الخطيئة الأصلية؛ بالتالي، فإن الجميع بحاجة إلى نعمة الله.

(أوغسطينوس، العظات على سفر المزامير ج5)

يُؤكِّد أوغسطينوس على عدم دُخُول الأطفالِ الذين يموتون قبْل المعمُوديّة لِلملكُوت بِسبب وِراثة الخطيّة الأصليّة، حيْث يُخاطِب القِديس جِيروم قائِلًا: [4]

أسأل أيْن تُصاب النّفس بِالخطيئة الّتي بِنتيجتِها تسقُط في الهلاك الّذي لا يُعفى مِنه طِفل يموت بِدون نوال نِعمة المسيح بِالعِماد؟ لِأنّك لست مِن أولئِك الّذين ينطِقون بِأشياء جديدة، ويَذهبون إلى حدّ القوْل بِأنّه ليْس مِن خطيئة أصليّة يُعفَى مِنها الطِّفل بِالعِماد.

(أوغسطينوس، الرسائل المتبادلة بين هيرونيموس وأوغسطينوس)

وراثة الأطفال لذنب خطيئة آدم

يرى أوغسطينوس أن الأطفال هم شركاء آدم في خطيئته الأولى بتعديه للوصية، وهذا عكس ما علَّم به ق. كيرلس تمامًا، حيث أكد أننا لم نكن موجودين عندما أخطأ آدم وتعدى الوصية، بل انتقلت لنا نتائج خطيئته فقط، أي الفساد والموت. ويشير أوغسطينوس أيضًا إلى اتصال الأطفال بالخطيئة الأصلية لآدم لكونهم أبناء آدم وشركائه في خطيئته الأولى بتعديه للوصية، أي يُعلِّم أوغسطينوس بوراثة الأطفال لذنب خطيئة آدم، هذا التعليم المرفوض تمامًا من آباء الشرق وق. كيرلس السكندري. حيث يقول أوغسطينوس التالي: [5]

فإذَا كان علينا أن نفهم من عبارة 'جميع منافقي الأرض متعدون‘ أنها تشمل الأطفال أنفسهم بسبب اتصالهم بالخطيئة الأصلية -وهذا حق- اتضح لنا أنهم، لكونهم أبناء آدم، فإنهم شركاء له في خطيئته الأولى بتعديه الوصية التي أُعطيت له في الفردوس. وعليه، فإن جميع الخطأة في الأرض، بلا استثناء، يُعتبرون، بحقٍ، متعدون.

(أوغسطينوس، العظات على سفر المزامير ج5)

ويؤكد أوغسطينوس أيضًا على وراثة الأطفال الرضع ذنب خطيئة آدم في حديثه مع ق. ، وتعليم وراثة الذنب هو تعليم مرفوض تمامًا من ق. كيرلس الإسكندري وآباء الشرق كالتالي: [6]

ولهذا أتساءل كيف يمكن للروح، حتى لو روح رضيع اختطفه الموت، أن تحمل الذنب الذي يستوجب الدينونة، ما لم تنقذه نعمة المسيح ب، الذي يُقدَّم حتى للرضع؟ أعلم أنك لست ممن تلفظوا مؤخرًا بآراء وبدع عبثية، زاعمين أنه لا يوجد ذنب موروث من آدم والذي يُمحَى بالمعمودية في حالة الأطفال. […] ولهذا ليس من غير المناسب طرح عليك السؤال: كيف تحمل الروح، حتى لو روح رضيع، الذنب الذي يجب الخلاص منه خلال سر النعمة المسيحية.

(چيروم، خطابات ق. چيروم ج5، خطاب 131 من أوغسطينوس إلى چيروم)

ويؤكد أوغسطينوس على وراثة ذنب آدم، على العكس من تعليم ق. كيرلس الإسكندري وآباء الشرق الرافض لوراثة ذنب خطية آدم، قائلًا: [7]

لأن الخطأ لا يكون على الولد الذي يقضي الله حكمه عليه؛ لأن ليس هو الذي يخالف عهد الله بل أولياؤه الذين يهملون ختانته؛ وعليه يجب الاعتراف بأن الأولاد أنفسهم مجرمون، لا بسبب الاستعمال الشخصيّ لحياتهم، بل بحسب الأصل المشترك للجنس البشريّ، لأنهم جميعهم خطئوا بمخالفتهم لعهد الله في شخص الإنسان الأول الذي به قد خطئوا؛ […] فكيف يمكن التوفيق بين ذاك الكلام وكلام المزمور: حسبتُ جميع منافقي الأرض خبثًا [8]، إنْ لم يكن كلّ مرتبط بخطيئةٍ ما مخالفًا لشريعةٍ ما؟ وعليه فإنْ يكن الأطفال أنفسهم كما يُعلِّم الإيمان الحقيقيّ مولودين تحت نير الخطيئة، لا خطيئتهم الشخصية، بل الخطيئة الأصلية، ولهذا نعترف بأن نعمة مغفرة الخطايا ضرورية لهم، فلا شك أنهم كسواهم قد خالفوا الشريعة المعطاة في الفردوس بالقدر عينه، وقد تحقَّقت كلمات الكتاب المقدَّس القائل: حسبتُ جميع منافقي الأرض خبثًا، وحيث لا يكون ناموس لا يكون تعدّ. وعلى هذا النحو، فإن الختان، بصفته علامة التجدُّد نرى بحقٍ أن وصمة الخطيئة الأصلية التي هي تعدٍّ على العهد الأول تُشوِّه ولادة الطفل إنْ لم تُخلِّص منها الولادة الجديدة. […] ومع ذلك، فإن الشجب للولد غير المختون البريء من كل إهمال تجاه نفسه قد يكون ظالمًا لو لم يكن أسيرًا للخطيئة الأصلية.

(أوغسطينوس، مج2)

تعليم النفس المولودة الأوغسطيني

يعلم أوغسطينوس، على العكس من تعليم النفس المخلوقة لآباء الشرق وق. كيرلس الإسكندريّ، بأن النفس مثل أجسادنا تتوالد وتأتي إلينا من أبوينا، وهذا التعليم مرفوض تمامًا من آباء الشرق، حيث يرون أن النفس الإنسانية هي مخلوقة على صورة الله، والله هو جابلها وخالق، الله هو أبو الأرواح، وهو الذي يرسل نفس جديدة بالخلق المباشر لكل إنسان مولود في الحياة، ويحرم ويرفض آباء الشرق التعليم عن النفس المولودة، ويَعتبرونه أنه يجعل من النفس كيان ماديّ يُورَّث مثله مثل الأجساد، بالتالي، تكون صورة الله صورة مادية حسب هذا الرأي، وأَعتبروا أن ذلك هو التعليم عن هرطقة أنسنة اللاهوت أو تجسيم اللاهوت أو الأنثروبومورفيزم Anthropomorphism المرفوض تمامًا من آباء الشرق وق. كيرلس السكندري. حيث يقول أوغسطينوس التالي: [9]

ولكن بينما نعترف أن جسد الإنسان من صُنع الله، في الوقت ذاته لا ننكر أن الأجساد تتوالد. لذلك عندما يُبرهَن على أن أرواحنا نتاج بذار روحية [يقصد نظرية ]، وهي كأجسادنا تأتي إلينا من أبوينا، إلا أنها مازالت أرواحًا من صُنع الله، فهدم هذا البرهان لا يصح أن يكون على أساس الحدس البشريّ، بل يجب دحضه بشهادة نصوص من الكتاب المقدَّس. يوجد فعلاً الكثير من النصوص الإلهية القانونية يمكن الاستشهاد بها لكي نثبت أن الله هو خالق الأرواح. ولكن نستخدم هذه الآيات ضد مَن ينكرون أن أرواحنا ليست من صُنع الله؛ وليس ضد مَن يقولون إن أرواحنا تتكوَّن بفعلٍ إلهيّ، لكن من الوالدين. لكي تدحض هذا الفكر يجب أن تستشهد بنصوص صريحة تنادي بغير ذلك، وإنْ وجدت، فعرفني بها لأني بحثت بشغفٍ عنها ولم أستطع الوصول إليها.

(چيروم، خطابات ق. چيروم ج5، الخطاب من أوغسطينوس إلى أوبتاتوس)

اتهام أوغسطينوس لرافضي النفس المولودة بالبيلاجية

ويتهم أوغسطينوس الذي لا يؤمن بالنفس المولودة بالسقوط في الهرطقة البيلاجية، ألعله يتهم آباء الشرق ومنهم ق. كيرلس الإسكندري بالهرطقة البيلاجية بسبب تعليمهم بالنفس المخلوقة ورفضهم للنفس المولودة؟! حيث يقول أوغسطينوس التالي: [10]

وفي تناول المشكلة الثانية أريدك أن تكون متأنيًا ويقظًا. فربما من خلال رفضك لتوالد الأرواح تقع دون أن تدري في بدعة بيلاجيوس. الجميع يعرفون أن الأجساد تتوالد من جيل إلى جيل؛ فنكون على صواب أيضًا إن قولنا إن كل الأرواح -ليس فقط آدم و- يخلقها الله، ومن الواضح أن تأكيد توالدها ليس إنكارًا لخلقتها من الله. فمن خلال هذه النظرة، الله يخلق الأرواح بالطريقة نفسها التي يخلق بها الأجساد؛ أي بطريقة غير مباشرة وبالتوالد. وإدانة هذا الرأي تتطلب حوارًا جديدًا.

(چيروم، خطابات ق. چيروم ج5، الخطاب من أوغسطينوس إلى أوبتاتوس)

وراثة الخطية الأصلية بواسطة النفس المولودة

يرى أوغسطينوس، على العكس من آباء الشرق جميعًا وق. كيرلس الإسكندريّ بالخصوص، أنه لا توجد أي روح في أي جسد من دون خطية حتى لو كانت حياته يومًا واحدًا على الأرض. فليس إنسان بلا خطية من كل نسل آدم، لذلك ينبغي أن ينال الأطفال الرضع الولادة الجديدة في المعمودية. يرى آباء الشرق وق. كيرلس الإسكندري أن نفوس الأطفال ليست شريرة ولا تُولَد نفوس الأطفال خاطئةً، بل هم بلا خطية، وهم أبرار وطاهرين في أذهانهم وأرواحهم وفكرهم، وعندما يموت الأطفال الرضع غير المعمدين، حسب آباء الشرق وليس أوغسطينوس والغرب، فإنهم يذهبون إلى الملكوت فورًا، لأن الملكوت هو لهم كما قال ق. كيرلس، وقاله أيضًا آباء الشرق معه، فلم يقل أي أب من آباء الشرق بأن الأطفال الذين يموتون قبل المعمودية، يذهبون إلى الجحيم، كما قال أغسطينوس والغرب من بعده، بل يقولون إنهم يذهبون إلى الملكوت فورًا لينالوا نصيبهم من السعادة. حيث يقول أوغسطينوس التالي: [11]

وأيضًا لا توجد أي روح في أي جسد من دون خطية حتى لو كانت حياته يومًا واحدًا على الأرض [12]. فليس إنسان بلا خطية من كل نسل آدم، لذا فمِن المهم جدًا حتى للأطفال الرضع أن يُولَدوا ولادة جديدة في المسيح بنعمة التجديد [المعمودية]. […] تحمل سؤالي أنا أيضًا في المقابل: هل يمكن أن ترث الروح البشرية الخطية الأصلية من دون أن تتوالد هي نفسها من هذا الجد [آدم]؟ فإذَا لم نرد أنا أو أنت أن نقع في هرطقة بيلاجيوس المقيتة، يجب علينا أن نؤمن بأن كل الأرواح البشرية ورثت الخطيئة الأصلية من آدم. وإنْ لم تستطع الإجابة على سؤالي، أرجوك أن تعفيني أنا أيضًا من الإجابة على سؤالك. […] وعندما حثَّني على بذل الجهد والعناء أكثر في القضاء على هذه الهرطقة المميتة، أشار إلى خطأ بيلاجيوس، الشيء الذي أتوسل بشدة إليك يا أخي أن تتجنبه بمنتهى الحرص. يجب أثناء التأمل والنقاش في مسألة أصل الأرواح ألا تدع مجالًا لهذه الهرطقة مطلقًا سواء هي أو استنتاجاتها الشريرة؛ لأنه لا توجد روح بشرية إلا روح الوسيط بين الله والناس [يسوع المسيح] لم ترث الخطية الأصلية من آدم. الخطية الأصلية الملتصقة بالروح منذ ولادتها، ولا توجد وسيلة للتخلص منها سوى بالولادة الجديدة [المعمودية].

(چيروم، خطابات ق. چيروم ج5، الخطاب من أوغسطينوس إلى أوبتاتوس)

‎ ‎ هوامش ومصادر: ‎ ‎
  1. أوغسطينوس، الطبيعة البشرية وعمل النعمة، ترجمة: ، ،1997، الفصل 9، ص 17، 18. [🡁]
  2. رسالة بولس إلى رومية 5: 12 [🡁]
  3. أوغسطينوس، العظات على سفر المزامير ج5، ترجمة: ، ، 2018، العظة في مز 118، ص 448. [🡁]
  4. أوغسطينوس، الرسائل المتبادلة بين هيرونيموس وأوغسطينوس، ترجمة: سعد الله جحا، دار المشرق، 2011، رسالة 166: 6، ص116. [🡁]
  5. أوغسطينوس، العظات على سفر المزامير ج5، ترجمة: سعد الله سميح جحا، دار المشرق، 2018، العظة في 118: 5، ص 453. [🡁]
  6. چيروم، خطابات ق. چيروم ج5، ترجمة: القمص يوحنا عطا، للدراسات المسيحية، 2023، خطاب 131 من أوغسطينوس إلى چيروم، 3: 6، ص 323. [🡁]
  7. أوغسطينوس، مدينة الله مج2 (الكتب 11- 17)، ترجمة: الخور أسقف ، دار المشرق، 2015، 16: 27، ص 329، 330. [🡁]
  8. مزمور 118/119 [🡁]
  9. چيروم، خطابات ق. چيروم ج5، ترجمة: القمص يوحنا عطا، ، 2023، الخطاب من أوغسطينوس إلى أوبتاتوس 144: 5، ص 430. [🡁]
  10. چيروم، خطابات ق. چيروم ج5، ترجمة: القمص يوحنا عطا، مدرسة الإسكندرية للدراسات المسيحية، 2023، الخطاب من أوغسطينوس إلى أوبتاتوس 144: 7، ص 432. [🡁]
  11. چيروم، خطابات ق. چيروم ج5، ترجمة: القمص يوحنا عطا، مدرسة الإسكندرية للدراسات المسيحية، 2023، الخطاب من أوغسطينوس إلى أوبتاتوس 144: 9، 10، ص 434-436. [🡁]
  12. سفر أيوب 14: 5 [🡁]

كيف تقيّم هذا المقال؟

← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←

المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء

كن أوّل من يقيّم هذا المقال

بما أن المقال أعجبك..

ربما اﻷفضل مشاركته مع دوائرك كي يحظى بانتشار أوسع

من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا

دعنا نعمل على تحسين ذلك

أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟

‎ ‎ جزء من سلسلة: ‎ ‎ الخطية الأصلية في فكر الآباء[الجزء السابق] 🠼 الخطية الأصلية عند أوغسطين [٢][الجزء التالي] 🠼 الخطية الأصلية عند أوغسطين [٤]
أنطون جرجس
بكالوريوس اللاهوت اﻷرثوذكسي في    [ + مقالات ]

صدر للكاتب:
ترجمة كتاب: "الثالوث"، للقديس أوغسطينوس أسقف هيبو [٢٠٢١]
كتاب: عظات القديس على سفر الجامعة [٢٠٢٢]
ترجمة كتاب: "ضد "، للقديس غريغوريوس النيسي [٢٠٢٣]
كتاب: الطبيعة والنعمة بين الشرق والغرب [٢٠٢٣]
كتاب: مونارخية الآب في تعليم آباء الكنيسة [٢٠٢٤]

‎ ‎ نحاول تخمين اهتمامك… ربما يهمك أن تقرأ أيضًا: ‎ ‎