التوصيف الصحيح لقضية ما، هو البداية السليمة للوصول لحل صحيح لها. فما سنناقشه هنا هو مسألة ضبط التقويم وليس توحيد الأعياد! فقُل "ضبط تقويم" ولا تقل "توحيد أعياد". فتصدير الأمر على أن هدفه مجرد "توحيد" للأعياد فيه مغالطة كبيرة، لأن الأعياد لم تكن مختلفة في الأساس.
قد كانت الكنائس الشرقية والغربية في كل العالم يحتفلون بعيد الميلاد في نفس اليوم 25 ديسمبر الميلادي الذي كان يوافق 29 كيهك القبطي حتى القرن ال 16، والاختلاف نتج لأسباب حسابية وفلكية على أساسها حدث تعديل وضبط للتقويم الميلادي في القرن ال 16. ولم يُطبق هذا الضبط على التقويم المصري، مما أوجد ترحيلًا في الأيام تسبب في اختلاف يوم الاحتفال بالعيد، ونتج عن هذا التعديل أن موعد 29 كيهك أصبح يتأخر عن 25 ديسمبر إلى أن صار يوافق 7 يناير حاليًا وبعد سنة 2100 سيصبح موافقًا ل 8 يناير!
والمطلوب الآن ضبط التقويم المصري ليستعيد دقته ويتوافق مرة أخرى مع القواعد الفلكية التي بُني عليها والذي سيؤدي بدوره لعودة اتفاق عيد الميلاد في نفس اليوم كما في السابق ليكون 29 كيهك موافقًا ل 25 ديسمبر.
إن عملية ضبط التقويم هي عمل علمي حسابي فلكي بحت، ولا يجب أن نخلط معه المسائل الإيمانية أو نخشى منه على الهوية! ومن غير المنطقي أو العقلاني أن أرفض تصحيح وتعديل أمر غير دقيق حسابيًا لمجرد أني أختلف في مسائل إيمانية مع شخص سبقني إليه.
ولإجابة السؤال: هل نحتاج لضبط التقويم القبطي؟ يجب أن نستعرض علاقة التقويم المصري بالتقويم الميلادي وتاريخ تطورهما وبعض النقاط التي تؤدي إلى الإجابة.
التقويم المصري
التقويم المصري بدأ منذ عام 4236 ق م. ويعتمد على الفترة التي تدور فيها الأرض دورة كاملة حول الشمس وفيه قسم المصريون القدماء السنة إلى 365 يوم موزعة على 13 شهر. منها 12 شهر يحتوي كلا منها على 30 يومًا والشهر ال 13 يحتوي على 5 أيام فقط. وتم تقسيم السنة لثلاثة فصول أو مواسم وهي: الفيضان والزراعة والحصاد. وحدد قدماء المصريون بداية السنة في 1 توت [يوافق حاليًا 11 سبتمبر] مع بدء موسم الفيضان ووصول مياه الفيضان لمدينة منف، وتم ربط هذا اليوم بظاهرة فلكية للظهور الاحتراقي للنجم Sirius نجم الشعرى اليمانية. مما جعله أول تقويم شمسي عرفته البشرية، كما أنه كان الأكثر دقة من حيث ظروف المناخ والزراعة خلال العام.
ومع تعاقب السنين والقرون، لوحظ فرق في التقويم وأن بداية السنة المصرية لم تعد منضبطة مع فصول السنة كما في السابق ويوم 1 توت لم يعد أول يوم في بداية الفيضان. وفي القرن الثالث قبل الميلاد تم اكتشاف أن السنة تتألف حقًا من ¼365 يومًا. وكان ربع اليوم المفقود وقتها هو سبب التحول التدريجي الذي حدث في الفصول. وفي عام 238 ق م حاول الفرعون بطليموس الثالث، تصحيح هذا الخطأ في الحساب عن طريق إضافة يوم للتقويم كل أربع سنوات ليعوض الربع يوم الإضافي في كل عام. لكنه لاقى معارضة شديدة من الكهنة المصريين لتطبيقه في البداية ولكنه طُبق في نهاية الأمر. وبهذا التعديل تم ضبط السنة مرة أخري واتفقت بداية السنة مع موسم الفيضان.
وبهذا نرى أن التقويم المصري قد سبق تعديله في الماضي بإضافة يومًا كاملًا كل أربع سنوات لتصبح السنة الرابعة 366 يومًا، وأُطلق عليها السنة الكبيسة.
التقويم الروماني
كان التقويم الروماني في البداية تقويمًا قمريًا غير منضبط يتكون من 12 شهرًا قمريًا وكانوا يقومون بإضافة شهر كامل بشكل اعتباطي كل عدة سنوات لمحاولة ضبط التقويم مع فصول السنة.
التقويم اليولياني
عندما وصل يوليوس قيصر لحكم روما 63 ق م قرر إصلاح التقويم الروماني واعتمد السنة الشمسية بدلا من القمرية واستخدم أسس التقويم المصري من حيث عدد أيام السنة وإضافة يومًا كاملًا كل أربع سنوات، وسُمي التقويم الروماني الجديد بالتقويم اليولياني نسبة ليوليوس قيصر. ودخل التقويم اليولياني حيز التنفيذ ابتداء من عام 45 ق م.
وبهذا توافقت شهور وأيام السنة اليوليانية [يناير/ ديسمبر] مع شهور وأيام السنة المصرية [توت / نسي]، فعلى سبيل المثال كان يوم 29 كيهك المصري يوافق دائمًا 25 ديسمبر اليولياني، وأيضا الاعتدال الربيعي في 25 برمهات المصري يوافق دائمًا 21 مارس اليولياني.
التقويم الجريجوري
في القرن ال 16 أيام البابا جرجوري الثالث عشر بابا روما لوحظ مرة أخرى فرق في التقويم، وكان هذه المرة في موعد الاعتدال الربيعي (الذي هو تساوي ساعات الليل والنهار) وأصبح يأتي في 11 مارس بدلا من 21 مارس! بفارق 10 أيام عما كان في زمن مجمع نيقية سنة 325م.
وفي عام 1582م توصل الفلكيان أليسيوس ليليوس وكريستوفر كلافيوس إلى أن زمن دورة الأرض الكاملة حول الشمس هو 365 يوم و5 ساعات و48 دقيقة و46 ثانية، وليس كمان كان في الحساب اليولياني والمصري 365 يوم و6 ساعات، مما أوجد فارق 11 دقيقة و14 ثانية. وهذا الفارق يُنتج فرقًا 3 أيام كل 400 سنة تقريبًا.
وبناء على ذلك أصدر البابا جرجوري مرسوم بإصلاح التقويم اليولياني بحذف 10 أيام، فيتقدم التقويم من يوم 4 أكتوبر 1582 ليصبح اليوم التالي هو 15 أكتوبر 1582. ويُضاف يوم كل 4 سنوات لكل سنة يقبل رقمي الآحاد والعشرات فيها القسمة على 4 (السنوات الكبيسة)، تمامًا كما هو الحال في التقويم اليولياني، ماعدا السنوات القرنية [المئوية] التي لا تقبل القسمة على 400 مثل 1700، 1800، 1900، 2100، 2200… حيث تكون كلها سنوات بسيطة، في حين تكون السنوات المئوية القابلة للقسمة على 400 هي فقط السنوات الكبيسة مثل 1600، 2000، 2400… وهكذا. وبحذف هذه العشرة أيام وتطبيق هذه الإجراءات عاد الاعتدال الربيعي إلى موعده في 21 مارس كما كان في زمن مجمع نيقية.
وكان نتيجة هذا التعديل اختلاف موعد الأعياد الثابتة بين الكنائس التي تبعت التقويم الجرجوري وبين الكنائس في الشرق التي ظلت تعمل بالتقويم اليولياني والمصري! فاختلفت مواعيد الأعياد وأشهرها عيد الميلاد، فبعدما كان 25 ديسمبر يوافق 29 كيهك، عيدت الكنائس في الغرب في هذه السنة في 25 ديسمبر كعادتها، ولكن عندما عيدت الكنائس في الشرق وقع يوم 29 كيهك في 4 يناير وقتها!
وبناءًا عليه أصبح يحدث فرق يوم مع كل سنة قرنية لا تقبل القسمة على 400. بمعنى أنه بعد عام 1700م تحرك يوم 29 كيهك وأصبح عيد الميلاد يوافق 5 يناير، وبعد عام 1800م أصبح 6 يناير، وبعد 1900م أصبح 7 يناير إلى الآن. وسيتحرك مرة أخرى بعد عام 2100م ليصبح عيد الميلاد في 8 يناير وبعد 2200م سيكون يوم 9 يناير! وهكذا.
السؤال الآن هل يحتاج التقويم المصري الذي نعمل به إلى تعديله وتطبيق التعديلات الجريجورية عليه؟ أم أنه لا يزال متوافق مع القواعد الفلكية التي بُني عليها وكان يتوافق معها؟
الإجابة تُحسم بشكل علمي وفلكي وتتلخص في نقطتين وسؤالين في غاية البساطة.
1- الاعتدال الربيعي
من المؤكد بحسب ما يخبرنا به التاريخ المصري القديم بالإضافة للتقليد في الدسقولية وأعمال مجمع نيقية أن الاعتدال الربيعي كان يقع في 25 برمهات. وحاليًا نجد يوم 25 برمهات يوافق 3 أبريل!
فالسؤال هنا هل هذا اليوم حاليًا مازال يتوافق مع الاعتدال الربيعي؟ أم ابتعد عنه؟
بالبحث نجد أن الاعتدال الربيعي لم يعد يأتي في 25 برمهات! بل يقع في الفترة من 20-22 مارس، بفارق 13 يوم عن 25 برمهات الذي يأتي حاليا متأخرًا في 3 أبريل![1][2]
2- شروق النجم SIRIUS
استخدم قدماء المصريون رصد الشروق الاحتراقي لنجم الشعرى اليمانية Sirius لتحديد بداية السنة المصرية 1 توت وضبطها مع أول فصول السنة.
فالسؤال هنا هل يأتي 1 توت الآن مع الشروق الاحتراقي للنجم أم حدث ترحيل لليوم؟
بالبحث نجد أن الشروق الاحتراقي لنجم الشعرى اليمانية Sirius يحدث الآن في أغسطس! مما يعني أن بداية السنة المصرية 1 توت يجب أن تكون في أغسطس وليس 11 سبتمبر.[3]
لذلك من الواضح أن التقويم القبطي والأيام المُشار إليها لم تعد تتوافق مع الظواهر الطبيعية التي تأسس عليها التقويم، وهذا يعني أن ترحيلًا يحدث في الأيام على مر السنين والقرون وأن حساب التقويم يحتاج إلى ضبط. وأرى أنه من المناسب إدخال التعديل الجريجوري على التقويم المصري ليتوافق مرة أخرى مع القواعد الفلكية التي بُني عليها، وأيضا ليتوحد موعد الاحتفال بالأعياد لكل المسيحيين في العالم.
- http://culturediff.org/english/index.htm
- https://www.timeanddate.com/calendar/march-equinox.html
- http://culturediff.org/english/index.htm
كيف تقيّم هذا المقال؟
← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←
المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء
كن أوّل من يقيّم هذا المقال
من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا
دعنا نعمل على تحسين ذلك
أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟
نحاول تخمين اهتماماتك… ربما يهمك أن تقرأ أيضا:
- المرحلة الأولى:
يسوع محكومًا عليه بالموت المرحلة الأولى: لنتأمّل يسوع محكومًا عليه بالموت. (متّى ٢٦: ٥٨-٦٧) الصوة التي يرسمها أغلب أنواع التديّن الشعبيّ المصريّ مع بعض العظات الخالية من الأسس الكتابيّة واللاهوتيّة والتاريخيّة والآبائيّة، تُظهر مسيحًا إلهًا بطلًا وصانع معجزات فقط. تظهره خارج إنسانيّته وتجسّده الحقيقيّ في داخل لحظة تاريخيّة محدّدة لها ظروفها الدينيّة والاقتصاديّة والسياسيّة. وتحصره في مجرّد شخصٍ إلهيّ......