سأناقش في هذه المقالة أحبائي ما يُعرف باسم نظرية ، وهي أن جسد المسيح له ٣ استخدامات، أو دلالات، وهم جسد المسيح الذي أتحد الكلمة به، وجسد المسيح أي الكنيسة، وجسد المسيح أي ال، وسوف نرى أحبائي أنه لم يقل أحد الآباء سواء شرقًا أو غربًا بهذه النظرية مطلقًا، بل للأسف مَن نادى بها هم الأفنوميون والنساطرة المهرطقين، ومن أجل دحض هذه النظرية سأستشهد بأقوال آباء الكنيسة الغربية اللاتينية أولًا، وفي مقال لاحق سوف أستشهد بأقوال آباء الكنيسة الشرقية اليونانية.

ابدأ بالقديس هيلاري الملقب ب الغرب، حيث يقول التالي داحضًا نظرية الأجساد الثلاثة مؤكدًا على وحدة الأجساد الثلاثة في المسيح:

“من ناحية أخرى، قد شهد هو نفسه عن كيف يكون اتحاده بالحقيقة فينا بهذه الطريقة: مَنْ يَأْكُلْ جَسَدِي وَيَشْرَبْ دَمِي يَثْبُتْ فِيَّ وَأَنَا فِيهِ. (يوحنا56:6) إذ لن يسكن فيه أحد سوى الذي يسكن فيه بنفسه، لأن الجسد الوحيد الذي قد أخذه لنفسه هو جسد هؤلاء الذين أخذوا جسده، لقد علّم بالفعل قبلاً عن سر تلك الوحدة الكاملة… هذا هو سبب حياتنا أننا لدينا المسيح يحيا في طبائعنا البشرية الجسدية بالجسد، وسوف نحيا به كما أنه يحيا بالآب”

(هيلاري أسقف بواتييه، عن الثالوث ٨: ١٦)

كما يتحدث ق. أمبروسيوس داحضًا نظرية الأجساد الثلاثة، مؤكدًا على وحدة الأجساد الثلاثة، مرددًا ما نصلي به في تسبحتنا القبطية الأرثوذكسية قائلين: هو أخذ الذي لنا وأعطانا الذي له، قائلًا:

“إذًا، فقد أخذ منا ما كان يجب أن يقدمه لنا، هكذا لكي يفيدنا مما يخصنا، وبعطيته الإلهية يقدم مما يخصه [أي لاهوته]، ما لم يكن خاصًا بنا، إذًا، بحسب طبيعتنا قدم ذاته، حتى بهذا يعمل عملاً أسمى من طبيعتنا. التقدمة هي مما يخصنا أما المكافأة فهي مما يخصه، وكثيرًا ما نجد فيه أيضًا أمور بحسب الطبيعة وأسمى من الطبيعة [البشرية]

(أمبروسيوس أسقف ميلان، تجسد الرب ٦: ٥٤)

يستطرد ق. أمبروسيوس داحضًا نظرية الأجساد الثلاثة قائلًا بكل وضوح:

“إذًا، بما أن جسد الكل أيضًا في المسيح خضع للجروح، كيف تقولون إن ذلك الجسد وتلك الألوهية لهما الطبيعة ذاتها؟”

(أمبروسيوس أسقف ميلان، تجسد الرب ٦: ٥٧)

ننتقل إلى ق. ولنا وقفة معه، لأن البعض يهاجم تعبير “جسد المسيح السري” معتقدين أنه تعبير حديث معاصر قاله أحد الآباء في العصر الحديث، ولكن المفاجأة الكبرى أنه تعبير أوغسطيني صرف تعلمه أوغسطينوس من قوانين تايكونيوس الدوناتي، واعتاد استخدامه كمفتاح لتفسير ، للتأكيد على أن مبدأ الكنيسة هو جسد المسيح السري، حيث يقول التالي في تفسيره لسفر المزامير:

“هذه النبوة تنطبق على وملائكته الذين يقاتلون، لا ضد جسد المسيح السري فحسب، بل ضد كل عضو من أعضائه، “قصمت أسنان الأثمة”، لكل منا أعداؤه الذين يلعنونه، فضلاً عن فاعلي الشر الذين يسعون إلى انتزاعنا من جسد يسوع المسيح، لكن للرب الخلاص”

(أوغسطينوس أسقف هيبو، عظات على المزامير ج١، ٣ : ١٠)

كما يؤكد ق. أوغسطينوس على حقيقة وحدة الأجساد الثلاثة في المسيح، وعبور المسيح بجسده الكامل أي الكنيسة من الموت إلى الحياة، قائلًا:

“هكذا أيضًا عبر المسيح بجسده الكامل من الموت إلى القيامة وجسده هو الكنيسة (كو١: ٢٤)

(أوغسطينوس أسقف هيبو، الثالوث ٣: ١٠: ٢٠)

ويستطرد في نفس السياق، مؤكدًا على اتحاد مثال بشريته بنا لإزالة مخالفة فسادنا بشركة موتنا من أجل أن يمنحنا شركة الطبيعة الإلهية و قائلًا:

“وبالتالي باتحاد مثال بشريته بنا، قد أزال مخالفة فسادنا، وبشركته لموتنا جعلنا شركاء طبيعته الإلهية”

(أوغسطينوس أسقف هيبو، الثالوث ٤: ٢: ٤)

ويستطرد شارحًا كيف يهب المسيح الرأس أعضاء جسده أي كنيسته ما يقبله هو ناسوتيًا من لاهوته المتحد به كالتالي:

“فإنه قَبِلَ بين الناس أيضًا كالرأس يعطي إلى أعضائه: وهو نفسه قد أعطى و قَبِلَ بين الناس وبدون شك كما في أعضائه الذين من أجلهم أي من أجل أعضائه صرخ من السماء قائلاً: شاول شاول لماذا تضطهدني؟ (أع٥ : ٤)، والذين من أجلهم أي أعضائه يقول: بما أنكم فعلتموه بأحد أخوتي هؤلاء الأصاغر فبي فعلتم (مت٢٥: ٤٠)، لذا قد أعطى المسيح نفسه من السماء [أي من لاهوته] وقَبِلَ على الأرض”

(أوغسطينوس أسقف هيبو، الثالوث ١٥: ١٩: ٣٤)

ثم يشرح أوغسطينوس كيفية الاتحاد بين المسيح وبيننا في الجسد الواحد مستخدمًا تعبيرات مثل: الانسجام، أو التوافق، أو التناغم، أو التآلف، أو الشركة، للتأكيد على وحدتنا الطبيعية في المسيح المغروسة فينا بصفة خاصة من خلال موته وقيامته بطبيعتنا البشرية كالتالي:

“بينما يواجه موته الواحد وقيامته الواحدة إزدواجية وثنائية موتنا وقيامتنا، لأنه بهذا الانسجام أو التوافق أو التناغم أو التآلف أو أي كلمة مناسبة أكثر يمكن التعبير بها، بحيث أن اتحاد الواحد بالأثنين له أهمية كبيرة جدًا في كل الاندماج والاتفاق أو بالحري شركة الخليقة، تمامًا مثلما يحدث لي وهو ما أقصده بدقة بالغة بالشركة التي يدعوها اليونانيون άρμονία أي الانسجام والتناغم، ومع ذلك فهذا ليس المكان لكي ما أستعرض قوة ذلك الانسجام والاتحاد بين الواحد والثنائي الموجود بصفة خاصة فينا والمغروس فينا بصورة طبيعية أيضًا [الذي لا يكون إلا بواسطة خالقنا]، الذي لا يفشل حتى الجاهل في إدراكه”

(أوغسطينوس أسقف هيبو، الثالوث ٤: ٢: ٤)

أخيرًا، أحبائي أود التنويه إلى أنه لا يوجد أخطر وأبشع من نظرية تقسيم جسد المسيح إلى ثلاث أجساد على العقيدة المسيحية و الذي لمخلصنا الصالح يسوع المسيح، لذا وجب دحضها ومحاربتها بكل قوة من كل إنسان مسيحي أرثوذكسي حقيقي غيور على عقيدته وخلاصه الأبدي.

كيف تقيّم هذا المقال؟

← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←

المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء

كن أوّل من يقيّم هذا المقال

بما أن المقال أعجبك..

ربما اﻷفضل مشاركته مع دوائرك كي يحظى بانتشار أوسع

من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا

دعنا نعمل على تحسين ذلك

أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟

أنطون جرجس
بكالوريوس اللاهوت اﻷرثوذكسي في   [ + مقالات ]

صدر للكاتب:
كتاب: عظات القديس على سفر الجامعة
ترجمة كتاب: "الثالوث"، للقديس أوغسطينوس أسقف هيبو
ترجمة كتاب: "ضد "، للقديس غريغوريوس النيسي