Search
Close this search box.

لطالما سمعنا الكثير من هذه التعاليم التي تقول بإن الكاهن وكيل، أو نائب عن المسيح، ووسيط بين الله والناس، وهو أيضًا السبيل إلى الملكوت؛ فمع إنه يخطئ ويتوب مثله مثل باقي البشر، هو يستطيع أن يصل بك إلى السماء، وبدونه لن تصل. نعم، وإن وجدت في هذا تناقض، اعلم أنك غير مؤمن، ولا تسأل لماذا!

في هذا المقال، لا أريد أن أتحدث كثيرًا، سأترك الحديث لبعض النصوص الكتابية والآبائية لتوضح كيف فهم الآباء الكهنوت وكيف تعاملوا معه باعتباره خدمة، ورعاية، لا سلطان أو وكالة، أو وساطة. فالمسيح ليس بحاجة لمن ينوب عنه.

فَلاَ يَكُونُ هكَذَا فِيكُمْ. بَلْ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ فِيكُمْ عَظِيمًا فَلْيَكُنْ لَكُمْ خَادِمًا

(إنجيل متى 20: 26)

يتضح لنا من مشاهدة حياة المسيح، وقراءة تعاليمه أن فكرة السلطان أو التسلط على البشر لا توجد في قاموسنا كمسيحيين. فكيف يعلم المسيح برفض السلطة، ثم نقول نحن أن هناك رتب، على غرار رتب الجيش في الكنيسة، ونقول إن الكاهن رئيس على الشعب؟

وعلى الرغم من تعاليم بولس الواضحة بعدم صلاحية كهنوت لاوي بعد واضمحلاله، تجد من يقول إن المسيح يكمل ما بدئه في العهد القديم بتعيين الكهنة على غرار كهنة لاوي قديمًا! ألم ندرك بعد أن كهنوت لاوي كان ضمن أحكام وفرائضه التي أبطلت في العهد الجديد؟ هل لا يفهم من يعلمون هذا التعليم أن الناموس كان تمهيدًا ورمزًا للمسيح (الكاهن الحقيقي)؟

فَلَوْ كَانَ بِالْكَهَنُوتِ الّلاَوِيِّ كَمَالٌ – إِذِ الشَّعْبُ أَخَذَ النَّامُوسَ عَلَيْهِ – مَاذَا كَانَتِ الْحَاجَةُ بَعْدُ إِلَى أَنْ يَقُومَ كَاهِنٌ آخَرُ عَلَى رُتْبَةِ مَلْكِي صَادَقَ؟ وَلاَ يُقَالُ عَلَى رُتْبَةِ هَارُونَ.

(عبرانيين 7: 11)

لأَنَّهُ كَانَ يَلِيقُ بِنَا رَئِيسُ كَهَنَةٍ مِثْلُ هذَا، قُدُّوسٌ بِلاَ شَرّ وَلاَ دَنَسٍ، قَدِ انْفَصَلَ عَنِ الْخُطَاةِ وَصَارَ أَعْلَى مِنَ السَّمَاوَاتِ

(عبرانيين 7: 26)

وكيف يشير بولس إلى أحكام الناموس باعتبارها ظل، وصورة وضعت ليفهم الشعب حاجته إلى الكاهن الحقيقي، ثم نجد من يشير إلى الظل باعتباره المدخل إلى الملكوت؟

فإن هذا الأمر كانت له ظلال في القديم، فإن ما حققه المخلص في مجيئه هو ما كان هارون رمزًا له بحسب الناموس. فقد كان هارون هو نفسه ولم يتغير بارتدائه ثياب الكهنة، بل ظل كما هو.  إنما قد ارتدى الثياب فقط

(ال، المقالة الثانية للرد على الأريوسيين 8)

من غفرتم خطاياهم

في كتاب شرح انجيل يوحنا لكيرلس ، نجد شرحًا للمقطع الذي يستخدمه محبي السلطة لمنح سلطة خاصة لأنفسهم، وهو:

مَنْ غَفَرْتُمْ خَطَايَاهُ تُغْفَرُ لَهُ، وَمَنْ أَمْسَكْتُمْ خَطَايَاهُ أُمْسِكَتْ.

(يوحنا 20: 23)

يقول عمود الدين إن النص يجب أن يفهم بالمقارنة بالأمور البشرية، ويتعجب قائلًا:

إن الله وحده القادر على منح البشر غفران الخطايا… وبأي كيفية وبأي معنى يعطى المخلص لرسله الكرامة اللائقة بالله وحده؟

(القديس كيرلس عمود الدين، شرح إنجيل يوحنا، ص510)

ويشرح قائلًا إن غفران الخطايا يتم من خلال الروح القدس الساكن في الكنيسة، ويحدد كيرلس نقطتين فقط لهذا الدور – الأول هو دورهم عند دعوة الناس للمعمودية، لدعوة الناس إلى التوبة قبل نوال المعمودية، ومنع من لم يقدم توبة عن حياته السابقة منها. وثانيهم هو انتهار أبناء الكنيسة حين يتمادوا في شرورهم. (شرح إنجيل يوحنا للقديس كيرلس عمود الدين ص 510).

ولا نجد أي ذكر عن دورهم في إدخال الناس للسماء أو التسلط عليهم، فقط حث الناس على التوبة، ومنع من يتمسكون بأسلوب الحياة الوثني من العماد، وقطع الأشرار عن الشركة. وهذا مطلوب بشدة، كمنع خادم متحرش عن الخدمة على سبيل المثال، أو قطع من يظن أنه سيخلص بالشركة الكنيسة دون توبة حقيقية شخصية مثل الخادم الذي سلمه بولس لهلاك الجسد.

ويستطرد القديس كيرلس قائلًا إنه حينما نفخ المسيح في وجه الرسل قائلًا: اقبلوا الروح القدس لم يكن يعطيهم شيئًا مختلفًا أو زائدًا عن الروح المعطى لكل شعب الكنيسة، الذي تم استعلانه في يوم الخمسين، وتم التنبؤ به قبلا  “على كل بشر.” لكن، المسيح فقط كان يعطي عربونًا لهم كباكورة (أول) الممتلئين من الروح، ولا يوجد أي تميز بين الروح المعطى لهم والمعطى للكنيسة.

وهكذا رغم أنه قد حدد وقتًا معينًا لتحقيق كل شيء، الإ أنه كان يعطي بشكل جزئي وفي نطاق محدود كعربون، وتذوق مسبق لما هو متوقع أن يحدث للخليقة كلها.

(القديس كيرلس عمود الدين، شرح إنجيل يوحنا، ص507)

والغريب أن نسمع أن الكاهن ممتلئ أكثر من الشعب، وكأن الأمر يتعلق بكمية شيء ما، أو كأننا لا نتحدث عن عِلاقة بشخص!

كاهن واحد وكنيسة واحدة

يتحدث البعض عن الكهنوت والكنيسة قائلين إن هناك كهنة متعددين ورئيسهم الأسقف، ورئيس الأسقف هو البابا، ورئيس البابا هو المسيح، وأن هناك  كنيستان — كنيسة أرضية، مجاهدة رئيسها البابا وكنيسة سماوية منتصرة رئيسها المسيح، ورجوعًا إلى كتابات الآباء، نجد أن تلك التعاليم مرفوضة تمامًا عند آباء كثيرين قديمًا وحتى حديثًا، ف على سبيل المثال، قد قال إن التعليم بتلك الرئاسة التراتبية أو الرتب والرياسات هرطقة وإهانة للمسيح. وعلى الرغم من رفض حبيب جرجس لعقيدة كهنوت جميع المؤمنين، فإنه قد رفض فكرة الرئاسة والسلطان مطلقًا، وخصص عدة فصول في كتابه الصخرة الأرثوذكسية (وهو كتاب للرد على الهرطقات) لشرح خطورة الفكرة.

 لم توجد في الكنيسة رتبة خاصة تسمى الرئاسة، فإن هذه الروح مضادة تماما لتعاليم الكتاب المقدس، وقد أوضحنا أن جميع الرسل متساوون في الحقوق وأنه لا يوجد بينهم رئيس ولا مرؤوس، بل كلهم إخوة.

(حبيب جرجس، الصخرة الأرثوذكسية، ص٣٥)

ويحث حبيب جرجس الأرثوذكس على عدم التأثر بتلك العقائد القادمة من كنيسة روما في العصر الوسيط، قائلًا:

ومن غريب فلسفتهم [فلسفة كنيسة روما] أنهم يقولون إن السيد المسيح رئيس الكنيسة غير المنظورة وأما البابا فهو رأس الكنيسة المنظورة، ولم يدروا أنهم بفلسفتهم الباطلة يتبنون العجز والضعف للسيد له المجد، كأنما هو لا يقدر أن يسود الكنيستين في وقت واحد.

(حبيب جرجس، الصخرة اﻷرثوذكسية، ص٢٣)

ويقول إن فكرة الفصل في الكنيسة خاطئة من الأساس لأن الكنيسة السمائية لا تتكون إلا من جماعة المجاهدين على الأرض. (الصخرة اﻷرثوذكسية، ص٢٣)

أما فكرة كهنوت جميع المؤمنين التي رفضها حبيب جرجس هي عقيدة تقول إن جميع المؤمنين كهنة لأنهم جميعاً قادرين على إيصال كلمة الله وحضوره للجميع، ويقوم هذا الاعتقاد على عدة نصوص كتابية، منها دعوة الله في العهد القديم للشعب كله ليصعد إلى الجبل حين قال لهم:

فالآن إن سمعتم لصوتي، وحفظتم عهدي تكونون لي خاصة من بين جميع الشعوب. فإن لي كل الأرض  وأنتم تكونون لي مملكة كهنة وأمة مقدسة. هذه هي الكلمات التي تكلم بها بني إسرائيل.

(خروج 19)

لكن الشعب أبى وقال لموسى إنهم لا يريدون أن يتحدثوا مع الله، فأقام الله عليهم كهنوت لاوي كوسيط وكنوع من النير للتأديب لكي يعلموا أنهم بحاجة إلى عِلاقة شخصية مباشرة مع الله. ونجد الرسالة تتكرر مرة أخرى إلى الشعب في العهد الجديد:

وَأَمَّا أَنْتُمْ فَجِنْسٌ مُخْتَارٌ، وَكَهَنُوتٌ مُلُوكِيٌّ، أُمَّةٌ مُقَدَّسَةٌ، شَعْبُ اقْتِنَاءٍ، لِكَيْ تُخْبِرُوا بِفَضَائِلِ الَّذِي دَعَاكُمْ مِنَ الظُّلْمَةِ إِلَى نُورِهِ الْعَجِيبِ. 10 الَّذِينَ قَبْلًا لَمْ تَكُونُوا شَعْبًا، وَأَمَّا الآنَ فَأَنْتُمْ شَعْبُ اللهِ. الَّذِينَ كُنْتُمْ غَيْرَ مَرْحُومِينَ، وَأَمَّا الآنَ فَمَرْحُومُونَ.

(1 بطرس 2: 9، 10)

وكما قلت، يمكنك أن تقبل هذه الفكرة أو ترفضها، لكن قضيتي هي دحض فكرة السلطان الكهنوتي. فحتى من يؤمن أن الكهنة هم من يعينون بوضع اليد —مثل حبيب جرجس— قد رفض فكرة السلطان وعرف الكهنوت على أنه خدمة ومسئولية، لا كرامة أو سلطة روحية أو درجة من درجات النمو الروحي.

أما ، فقد قال إن الكاهن في القداس هو الذبيحة (جسد المسيح ودمه)، وليس الكاهن البشري:

من هو الكاهن إلا الكاهن الواحد الذي دخل قدس الأقداس؟ ومن هو الكاهن إلا الذي هو نفسه الذبيحة والكاهن في وقت واحد؟

(القديس أوغسطينوس، تفسير مزمور ١٣٢، ٦)

 

ما جئت لأنقض

لاَ تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لأَنْقُضَ النَّامُوسَ أَوِ الأَنْبِيَاءَ. مَا جِئْتُ لأَنْقُضَ بَلْ لأُكَمِّلَ

(متى 5: 17)

يستعمل البعض ذلك النص للادعاء أن المسيح لم ينقض فرائض الناموس بل جاء ليكملها! مع إن المسيح قال هذا النص في متى ٥، الذي تحدث فيه عن الوصايا العشر، فمن يقرأ النص يجد المسيح يسرد الوصايا ويؤكد عليها، ويعلم الشعب كيف يحققونها بالتمام.

قَدْ سَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ لِلْقُدَمَاءِ … وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ

فالزنى لم يصبح فعلًا فقط بل بالفكر أيضا، والقتل لم يصبح ماديًا فقط بل معنويًا أيضًا، وهكذا. وبذلك فالحديث لا يدور حول فرائض أو طقوس أو أحكام، بل عن الناموس الأخلاقي الأصلي المكتوب بأصبع الله. فالعهد القديم ليس ناموسًا واحدًا، بل به عدة نواميس – الناموس الأخلاقي (وصايا الله العشرة)، والفرائض الدينية (مثل السبت، والذبائح، والخضوع للكاهن الوسيط)، واللوائح والقوانين التشريعية (مثل عين بعين وسن بسن). وكلمة ناموس عمومًا تعني في اللغة قانون أو إلزام.

اهتم المسيح بالقانون الأخلاقي وأكمله، لكنه أزال الفرائض بل ودعى الشعب للتفكير فيها بشكل نقدي، وكسرها أمامهم. لأن قصد الله لم يكن فرائض دينية بل علاقة مع الله.

فحين يفشل الدين، وكهنوت لاوي، والسبت، والذبائح في تغيير حياة الناس، حينها يفهم الناس ما يحتاجون إليه فعلًا. لأن الوقوع تحت رحمة إنسان يدعي أنه الوسيط، ووكيل الله، والممتلئ، وشيخ المنصر صاحب السيف الموضوع على الرقاب، هو ما جعل اليهود يتلفون حول المسيح، وهم يتوقون للحرية التي أدركوا قيمتها وكأن لسان حالهم يقول كيف رفضنا أن نصعد للجبل بأنفسنا؟

قال “” أنه لم يدرك القيمة الحقيقية للوطن والحرية، إلا بعد أن أمضى سنوات عدة داخل السجن، وهذا ما أراده الله من خلال تلك الفرائض الجامدة. فهل سنتعلم الدرس؟

إِذًا قَدْ كَانَ النَّامُوسُ مُؤَدِّبَنَا إِلَى الْمَسِيحِ، لِكَيْ نَتَبَرَّرَ بِالإِيمَانِ. وَلكِنْ بَعْدَ مَا جَاءَ الإِيمَانُ، لَسْنَا بَعْدُ تَحْتَ مُؤَدِّبٍ. لأَنَّكُمْ جَمِيعًا أَبْنَاءُ اللهِ بِالإِيمَانِ بِالْمَسِيحِ يَسُوعَ

(غلاطية 3: 24-26)

كيف تقيّم هذا المقال؟

← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←

المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء

كن أوّل من يقيّم هذا المقال

بما أن المقال أعجبك..

ربما اﻷفضل مشاركته مع دوائرك كي يحظى بانتشار أوسع

من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا

دعنا نعمل على تحسين ذلك

أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟

الكهنوت: خدمة أم سلطان؟ 1
[ + مقالات ]