انتظر الأقباط الأرثوذكس -على سطح صفيح ساخن- ردة فعل البطريركية المرقسية على البلبلة الشديدة التي حدثت بشأن ردود الأفعال العنيفة حول انعقاد السيمينار السنوي العاشر في نوفمبر القادم.
أيامًا بدت كأنها دهرًا، حتى صدر البيان البطريركي المرفق ليطرح حلًا توافقيًا، يخمد الفتنة الصاعدة، للمصيبة الانقسامية التناحرية الأخيرة، التي شاعت تحت عنوان عريض: أزمة المحاضرين العلمانيين لتثقيف المطارنة/ الأساقفة بالمجمع.
وهذا الحل التوافقي؛ لم يتعد تأجيل التصادم إلى أجل غير معلوم لمزيد من الدراسة والإعداد
، وفقًا للبيان البطريركي.
يداري البيان علي الحقائق -كما هي، وكما حدثت، وكما يعرفها الجميع- علي نحو يغمرنا بالخجل الدائم المرتبط بالبيانات البطريكية؛ التي تتسم على طول الخط بانعدام الصراحة، والانكفاء على الأحداث لتغطيتها، بمداراة واهية مكشوفة، مهما تأججت ألسنة اللهب المتصاعدة من تحت الغطاء.
فالادعاء الذي يريد البيان أن يوحي به ويرسخه لوظيفة السيمينار، بوصفه مؤتمرًا دراسيًا حول أحد موضوعات الخدمة والرعاية
، يناقض الثوابت الذائعة والمعروفة لهدف تأسيس السيمينار وانعقاده السنوي كمنصة تخصصية لمناقشة الموضوعات الخلافية التي تحتاج إلى تحديد مفاهيمي، وتأصيل كتابي أو لاهوتي، بغرض التوافق عليها بين الإكليروس، وعدم التناحر بشأنها في خطاب المطارنة/ الأساقفة والكهنة، تفاديًا للبلبلة التي يحدثونها في خدمتهم لكنيسة الله على النحو المؤسف المشين الذي تمت معايشته في السنوات الأخيرة، من تضاربات حادة بين الأساقفة والكهنة على تفسير التاريخ الكتابي، أو الشرح اللاهوتي، أو النكوصيات اللفظية الصاعدة بشدة بين كل الوعاظ والمتكلمين، بشأن أركان الإيمان الصحيح للمسيحية بحق الإنجيل، والأرثوذكسية بصحيح الاعتقاد.
فإذا تحول السيمينار -كما يريد البيان أن يصوره- إلى مجرد اجتماع سنوي لمناقشة موضوعات الخدمة والرعاية، فوجوده كعدمه، لا نفع فيه ولا جدوى، لأن موضوعات الخدمة والرعاية هي ذاتها العمل اليومي للكهنوت كله، ومناقشتها قائمة دائمة طوال العام؛ التي رغم وفرة كل الفرص لتطويرها، لا تزل حافلة بالمثالب والأغلاط والعيّ والقصور والضعف والنسبية، تنتظر قيامًا جذريًا من سكونها الآسن، وذلك حديث آخر ذو شجون.
فإذا سألنا بحرقة وانزعاج: لماذا لا تكون البيانات البطريركية أكثر صراحة في مخاطبة شعبها الذي يقف خلفها، ويدعمها، بقلبه وروحه وأمانته وصلواته؟ الذي لا شك يساندها أكثر وأكثر لو خوطب بالحقيقة المجردة؟
لا نجد إجابة سوي أن الحل الوحيد الذي تلجأ إليه البطريركية في كل الإشكاليات مهما كان حجمها، ومهما كانت عواقبها؛ لا يعدو إهالة التراب على الحقائق وإخفائها، فتعصب الجرح على القيح الذي قد يبلغ الغرغرينا
، حيث انفجار السم في الجسد لن يبقى عليه ولن يذر.
وإذا كان المجلس القانوني للمجمع هو المنوط به مناقشة اللاهوتيات والعقيدة؛ لماذا ترك هذا المجلس المبجل البلبلة في مفاهيم اللاهوتيات والعقيدة تتصاعد حاليًا إلى حد الفتنة؟ لماذا وهو الحارس على المفاهيم والحقائق؟
أليس السبب هو حاجة المجلس الشديدة للتثقف العميق في موضوعات اللاهوت والعقيدة حتي يمكنه البت بالقول القاطع في كل القضايا الخلافية بشدة الآن، التي يتعين أن تكون واحدة موحدة في التعليم والتوجيه الروحي والعقلي والإيماني في الكنيسة القبطية الأرثوذكسية؟!
هذه البيانات الفاجعة المغيبة للوعي لا تطرح حلا بقدر ما تزيد النار اشتعالًا من تحت غطاء المحبة لا تسقط أبدًا
، والذي لا يثبّت المحبة بقدر ما يضيعها.
كيف تقيّم هذا المقال؟
← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←
المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء
كن أوّل من يقيّم هذا المقال
من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا
دعنا نعمل على تحسين ذلك
أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟