- ضد التهود: الآباء الرسوليون
- ☑ ضد التهود: الآباء المدافعون
- ضد التهود: الآباء اليونانيون
نستعرض بداية وتطور حركة التهود التي أزعجت الكنيسة في القرون الأولى لأنها كانت رافضة لرسالة الإيمان المسيحيّ، في كتابات الآباء المدافعين في القرون الأولى للمسيحية.
ق. يوستينوس الشهيد
إبطال العهد الجديد للعهد القديم
يُؤكِّد ق. يوستينوس الشهيد في القرن الثاني على رفض الكنيسة للتهود والمتهودين، بل ويشير إلى أن ناموس المسيح قد أبطل الناموس الموسويّ وفرائضه ووصاياه، وأن المقصود منه كان اليهود فقط وليس المؤمنين المسيحيين. بل ويُصرِّح ق. يوستينوس الشهيد تصريحًا، قد يبدو للمتهودين في أيامنا هذه تصريحًا صادمًا، وهو أن العهد الجديد قد أبطل العهد القديم، وأنه حلَّ محله، ولا يُفرَض علينا أيً من فرائضه أو وصاياه. فهل كان ق. يوستينوس الشهيد بهذا التصريح ماركيونيًا كما يدَّعي البعض كذبًا في هذه الأيام على الناطقين بالحق الأرثوذكسيّ بأنهم ماركيونيون؟ فيقول التالي: [1]
غير أن رجاءنا ليس بموسى أو الناموس، وإلا صارت عاداتنا كعاداتكم. وقد قرأت أنه ينبغي أن يكون هناك ناموسًا حاسمًا وعهدًا مُلزِمًا أكثر من العهود الأخرى، يحترمه جميع الذين يسعون إلى ميراث الله. فإن الناموس الذي أُعطِيَ على جبل حوريب قد أُبطِلَ وكان المقصود به اليهود فقط. بينما الناموس الذي أتحدَّث عنه أنا هو ببساطة لجميع الناس. وكما أن أيّ قانون جديد إذَا تعارض مع قانون القديم، فهو يُبطِل القديم، فهكذا العهد الجديد يحل محل القديم. لقد أُعطِيَنا ناموسًا أبديًا كاملًا، وهو المسيح ذاته، وأخذنا عهدًا جديرًا بالثقة لن يكون بعده أيّ ناموس أو فريضة أو وصية.(يوستينوس، الدفاعان والحوار مع تريفون ونصوص أخرى)
ق. إيرينيؤس أسقف ليون
رفض التهود والارتداد إلى الناموس
يُوضِّح ق. إيرينيؤس في صراعه مع التهود أن الرب لا يريد للمؤمنين المسيحيين أن يرتدوا إلى ناموس موسى، لأن الناموس قد تحقَّق بالمسيح، وأننا نخلُص بواسطة الإيمان والمحبة نحو ابن الله وبجدة الحياة بمعونة الكلمة كالتالي: [2]
وأيضًا يُعرِّفنا إشعياء أن الرب لا يريد للمؤمنين أن يرتدوا إلى ناموس موسى، لأن الناموس قد تحقَّق بالمسيح، لكن بواسطة الإيمان والمحبة نحو ابن الله نخلُص بجدة الحياة بمعونة الكلمة، بقوله:لا تذكروا الأوليات والقديمات لا تتأملوا بها. هأنذا صانع أمرًا جديدًا. الآن ينبت. ألا تعرفونه. اجعل في البرية طريقًا في القفر أنهارًا. يُمجِّدني حيوان الصحراء الذئاب وبنات النعام لأني جعلت في البرية ماء أنهارًا في القفر لأسقي شعبي مختاري. هذا الشعب جبلته لنفسي، يُحدِّث بفضائلي[3](إيرينيؤس، برهان الكرازة الرسولية)
التهود ورفض التجسُّد الإلهي
يتحدَّث ق. إيرينيؤس عن شيعة الأبيونيين، وهم فرقة مسيحية مُتهودة كانت تُحافِظ على التقاليد والتفاسير اليهودية جنبًا إلى جنب مع التفاسير المسيحية، وكانوا يُوؤِّلون نصوص العهد الجديد في ضوء نصوص العهد القديم، حيث يرفضون عقيدة التجسُّد الإلهيّ واتحاد الله بالإنسان في المسيح كالتالي: [4]
باطلون أيضًا هم الأبيونيون، الذين لا يقبلون الإيمان في نفوسهم بالاتحاد بين الله والإنسان، بل يظلون في الخميرة القديمة التي للميلاد الطبيعيّ، ولا يريدون أن يفهموا أنالروح القدس حلَّ على مريم، وقوة العلي ظلَّلتها[5]، لذلك، فالذي وُلِدَ منها قدوس وابن العلي، الله آب الكل، الذي تمَّم تجسُّد هذا الكائن، وأظهر نوعًا جديدًا من الولادة، حتى أنه كما بالولادة السابقة ورثنا الموت، هكذا بهذه الولادة الجديدة نرث الحياة. لذلك، هؤلاء الناس يرفضون مزج الخمر السمائيّ، ويريدون أن يكون ماء العالم فقط، فلا يقبلون الله لكي يكون لهم اتحاد معه، بل يظلون في ذلك الآدم، الذي انهزم وطُرِدَ من الفردوس، غير مُقدِّرين أنه كما في بداية خلقتنا في آدم أن نسمة الحياة التي صدرت من الله إذ اتَّحدت بما كان قد شُكِّلَ قبلاً، فإنها أحيت الإنسان، وأظهرته ككائن مُنِحَ له عقل، هكذا أيضًا في أزمنة النهاية، فإن كلمة الآب وروح الله، إذ قد صارا مُتَّحِدين بالجوهر القديم لخلقة وتكوين آدم، جعلا الإنسان حيًا كاملاً، ومستعدًا لتقبل الآب الكامل، حتى كما في آدم الطبيعيّ، كُنا جميعًا مائتين، هكذا في الروحانيّ نصير كُلنا أحياء.(إيرينيؤس، ضد الهرطقات)
ق. ميلتيوس أسقف ساردس
الناموس العتيق ووقتية المثال
يشير ق. ميلتيوس أسقف ساردس إلى سر الفصح بأنه كان قديمًا حسب الناموس، ولكنه جديدًا حسب الكلمة نفسه، وأنه كان مؤقتًا حسب المثال، ولكنه خالدًا حسب النعمة كالتالي: [6]
فافهموا، إذًا، يا أحبائي، كيف يكون سر الفصح: جديدًا وقديمًا، أبديًا ومؤقتًا، قابل للفساد وغير قابل للفساد، زائلًا وخالدًا. قديمًا حسب الناموس ولكنه جديدًا حسب الكلمة. مؤقتًا حسب المثال، لكنه خالدًا حسب النعمة. قابل للفساد بذبح الحمل، وغير قابل للفساد بحياة الرب. زائلًا بدفنه في الأرض، وخالدًا بقيامته من بين الأموات. قديم هو الناموس، ولكن جديد هو الكلمة. مؤقت هو المثال، أبدية هي النعمة […] ففي الخروف كان المثال، وفي الرب ظهرت الحقيقة.(ميلتيوس أسقف ساردس، رحلة عبورنا إلى القيامة [العظة الفصحية])
إبطال مثال الناموس بحقيقة الإنجيل
يعقد ق. ميلتيوس مقارنة بين الناموس والإنجيل، وبين الشعب الإسرائيليّ والكنيسة، ويُؤكِّد على أن الناموس هو كتاب الأمثال والرموز، ولكن الإنجيل هو شرح الناموس وكماله، وليس العكس كما يدَّعي المتهودون الجدد ذلك، ويُحاولون تفسير العهد الجديد في ضوء العهد القديم. كما يشير ق. ميلتيوس إلى إبطال مثال الناموس مانحًا صورته للإنجيل الذي هو حقيقيّ بالطبيعة، وهكذا بطُل الشعب الإسرائيليّ لمَّا قامت الكنيسة كالتالي: [7]
فشعب إسرائيل كان مثال الصورة الأولية، والناموس كان كتاب الأمثال؛ والإنجيل كان شرح الناموس وكماله، والكنيسة هي مستودع الحق. وهكذا، فالمثال كان مُكرَّمًا قبل الحقيقة، والرمز كان عجيبًا قبل التفسير؛ أعني أن الشعب كان مُكرَّمًا قبل أن تُشيَّد الكنيسة، والناموس كان عجيبًا قبل أن يُنير الإنجيل. ولكن، لمَّا شُيَّدت الكنيسة، وظهر الإنجيل، بطُلَ المثال مانحًا قوته إلى ما هو حقيقيّ، وأُكمل الناموس مُسلِّمًا قوته للإنجيل. وبنفس الطريقة، حين بطُلَ المثال مانحًا صورته لِما هو حقيقيّ بالطبيعة، وحين أُكمِلَ الرمز مُستنيرًا بالتفسير، هكذا، أُكمِلَ الناموس لمَّا أضاء الإنجيل، وبطُلَ الشعب لمَّا قامت الكنيسة؛ ونحلَّ المثال بظهور الرب. واليوم، ما كان مُكرَّمًا مرةً بات مُحتقرًا، بعد أن ظهر ما هو مُكرَّمًا بالطبيعة.(ميلتيوس أسقف ساردس، رحلة عبورنا إلى القيامة [العظة الفصحية])
كيف تقيّم هذا المقال؟
← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←
المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء
كن أوّل من يقيّم هذا المقال
من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا
دعنا نعمل على تحسين ذلك
أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟
صدر للكاتب:
كتاب: عظات القديس غريغوريوس النيسي على سفر الجامعة
ترجمة كتاب: "الثالوث"، للقديس أوغسطينوس أسقف هيبو
ترجمة كتاب: "ضد أبوليناريوس"، للقديس غريغوريوس النيسي