أصبح البعض يسخر من النسوية، كما أصبح البعض الآخر يخشى المجاهرة بإيمانه بها؛ فبسبب ومن يتبعه من عرابيد، يتجنب كثير من الرجال والنساء الحديث عن حقوق المرأة، وحتى حين يتحدثون انطلاقًا من وخز ضمير، تجدهم يتبعون حديثهم أو يسبقونه بعبارة “أنا مش فيمنست”. فللأسف، نجح هؤلاء المرضى في تحويل حركة النسوية العظيمة إلى سُبة يسارع الناس بإنكارها. على الرغم من أن حركة النسوية التي يتنمر عليها هؤلاء كانت سببًا في حصول أمهاتهم على التعليم والعمل. فكل من عاش بسبب أموال أمه هو مَدِينٌ للنسوية والنسويين.

كما تسربت تلك المفاهيم ال إلى المجتمع المسيحي، فتجد كثيرًا من هؤلاء اللاهوتيين الصغار على الفيسبوك، وأصحاب الكتب المسيحية الصفراء يتمخضون ويصيحون غضبًا متى تحدث أحد عن حق المرأة في أن يتساوى دورها مع أقرانها من الرجال في الكنيسة، ساخرين من صاحب الرأي لأنه “فيمنست”. لكن، لا يعرف هؤلاء الصبية أن المسيح كان نسويًا شرسًا في زمنه، وربما كان أول النسويين. فدعونا اليوم نتحدث عن المسيح ال، النسوي، ومناصرته لحقوق المرأة، لندرك قيمة النسوية وما قدمته للبشرية، ولنعقد مقارنة بين نسوية المسيح وذكورية المؤسسة الكنسية التي استحت أن تسير على خُطا معلمها، وفضلت أن تخضع للنظام الأبوي العالمي.

١) نسوية يسوع

مقاطع من كتاب مقدمة توم رايت لإنجيل لوقا

أدهشني مدى تحدي يسوع للنظام الأبوي التقليدي لثقافته. اعتمد يسوع على خدمة النساء ولم يخجل من تلقي خدمتهن في الأماكن العامة. إن هؤلاء النساء: لقد فعلوا ما لا يمكن تصوره: لقد تركوا المساحة الاجتماعية المحددة جيدًا للبيت والأسرة، حيث كان لهم دور وواجب، واختاروا مرافقة يسوع وأتباعه على الطريق من مكان إلى آخر، ورعاية احتياجاتهم وعلاوة على ذلك، من أموالهم الخاصة.

(إن. تي. رايت)

كسر يسوع الحدود التقليدية لثقافته بإدراج النساء كمعلمات وتلاميذ. ففي لوقا ١٠:٣٩، أخذت مريم من بيت عنيا مكانها بين التلاميذ الآخرين حيث جلست عند قدمي يسوع واستمعت إلى تعليمه. والجلوس عند أقدام الحاخام هو ما كان يفعله اليهودي إذا أراد أن يكون حاخامًا بنفسه. ففكرة التعلم من أجل التعلم لم تكن معروفة حين ذاك. لقد اتخذت مريم مكانها بهدوء كمعلمة وواعظة لملكوت الله، لتكتسب لقب الحاخام.

(إن. تي. رايت)

من المهم ملاحظة أن للثقافة اليهودية القديمة لم يكن خاصًا بالثقافة اليهودية القديمة؛ كان النظام الأبوي منتشرًا في جميع أنحاء العالم القديم. وما يميز اليهودية القديمة هو أنها تحدت نظامها الأبوي. استكمل يسوع هذا الخيط الذي يضم نساء قويات مثل النبية خلدة، التي قدمت النصح للملوك والكهنة، والمحاربة والقاضية دبورة التي قادت اسرائيل ضد أعدائها. واستير التي أنقذت شعبها. يُظهر العهد الجديد أن الكنيسة الأولى ضمت النساء كمشاركات كاملات أيضًا. يشير أحد العلماء المعاصرين إلى “جونية” التي كانت ضمن السبعين رسولًا والمذكورة في روميا ١٦: ٧

(إن. تي. رايت)

٢) ذكورية الكنيسة

يسوع النسوي 1بسبب الاعتقاد بأن المرأة لا يمكنها أن تكون رسولة، حوّل مترجمو الكتاب المقدس في القرن ال١٢ اسم جونية المؤنث إلى يونياس (بالانجليزيه: جونياس) ليبدو الاسم مذكرًا. وفي أحيان أخرى، ترك المترجمون اسم جونية المؤنث كما هو، لكن أزالوا عنها لقب رسولة! وهناك عدة كتب وأبحاث كتبت عن الرسولة جونية التي أحدثت جدلا واسعًا في أوساط الأكاديميا المسيحية.

ميشيل غبريالفجر الكاتب “ميشيل غبريال” صاحب كتاب سيرة القديسة مهرائيل، أن الأنبا بيشوي سبق وحرف مخطوطة تعود للقرن الرابع الميلادي، لأنها تشير إلى أن القديسة كانت ترشم المرضى بالزيت، وبالطبع لم يرق ذلك للمطران لأن رشم الزيت عمل كهنوتي! فهل تتساوى تلك الفتاة بالكاهن؟ لذلك، قام بمسح كلمة بالزيت واستبدلها بعلامة الصليب! وذلك على الرغم من أن النساء شغلن منصب الشموسية بالفعل (إحدى رتب الكهنوت). وهنا صورة للمخطوطة كما أوردها الكاتب في الكتاب.

يسوع النسوي 4

كما نجد في مقاطع ذكورية بشعة للغاية عن المرأة تشبهها ب، منها على سبيل المثال لا الحصر:

وإذا اضطر أحد الرهبان الكلام مع النساء، فليدر وجهه عن نظرهن عند كلامه معهن، ليفر من لقاء الراهبات ومؤانستهن ونظرهن، كالهارب من فخ الشيطان، لئلا يتسخ بحمأة الأوجاع النجسة، حتى وإن كن أخواته بالطبيعة، فليحفظ نفسه منهن في كل شيء كالغرباء… والأصلح أن يأكل سم الموت ولا يأكل مع امرأة ولو كانت أمه أو أخته.

(نقلا عن: بستان الرهبان)

ونتذكر ذلك المقطع الشهير للأنبا إبيفانيوس الذي قال فيه بكل صدق إنه على الكنيسة أن تعترف أن ما يُذكر في طقس المعمودية عن المرأة فيه إهانة لها؛ فكيف نقول “وطهرها من دنسها” وهي لم تفعل شيئًا مشينًا؟! قال إبيفانيوس إن الإصلاح يبدأ بالاعتراف بالخطأ.

فالتاريخ الكنسي -مثله مثل أي تاريخ- يكتبه الذكور والمنتصرون، ويحدده النظام الأبوي البطريركي العالمي. لذلك، فمن العبث أن نقول: لو أراد المسيح للمرأة أن تتساوى مع الرجل في القيادة الكنسية لكنا رأينا ذلك عبر التاريخ. فهذا الطرح مبني على أن التاريخ مكتوب بطريقة منصفة، ويتجاهل وجود النظام العالمي القائم! وقد ذكر الأسقف الأرثوذكسي هذا الرأي في حوار له قائلًا:

طيلة الألفي سنة الماضية، كانت القيادة للرجل لكن هذا لا يعد حجة كافية لمنع المرأة من الحصول على الحق نفسه. كما أن الكهنوت هو الدخول بالناس إلى محضر الله، وبالطبع هناك نساء كثيرات دخلن بالناس إلى محضر الله.

(كاليستوس وير، متروبوليتان بطريركية القسطنطينية المسكوني)

فتخيل، عزيزي القارئ، لو أن كل شخص أراد فعل شيء جديد، انتظر شخصًا آخر ليفعله قبله! هل سيتحقق شيء؟ بالطبع لا. فأصحاب هذه الحُجة لم يستطيعوا دحض قيادة المرأة بشكل منطقي، لذلك يلجؤون لهذا الأسلوب؛ قائلين لم يفعلها أحد من قبلنا! ثم، كيف نتصور أن المرأة ستحصل على كامل حقوقها في الكنيسة في ظل ما تعرضت له من اضطهاد، لا في الشرق فقط بل في الغرب أيضًا! فأوروبا لم تعترف بالنساء إلا في  القرن العشرين بسبب حركة النسوية، وكاتبات الروايات الإنجليزية كنَّ يكتبن روايتهنّ تحت أسماء ذكور مستعارة، مثل الكاتبة “تشارلوت برونتيه” التي كتبت روايتها الشهيرة “جين إير” تحت اسم “سميث إلدر”. فهل من الممكن أن تدرسوا التاريخ أولًا قبل أن تقحموه في حواراتكم؟

وختامًا، نفخر أنا وكثيرون غيري بنسويتنا، بل ونعتبرها نتيجة طبيعية لمسيحيتنا؛ فكما لقب المؤرخون المسيح أنه نسوي، نريد نحن أن نلقب مثله، فكل إنسان سوي سيدافع عن حق المرأة كإنسانة كاملة كما يدافع عن حق الرجل،  ولا عزاء لأصحاب الذكورة المتورمة.

كيف تقيّم هذا المقال؟

← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←

المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء

كن أوّل من يقيّم هذا المقال

بما أن المقال أعجبك..

ربما اﻷفضل مشاركته مع دوائرك كي يحظى بانتشار أوسع

من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا

دعنا نعمل على تحسين ذلك

أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟

يسوع النسوي 6
[ + مقالات ]