المقال رقم 1 من 3 في سلسلة تناول يهوذا

نحاول في هذا البحث توضيح الإشارات إلى تناول يهوذا الإسخريوطيّ، أحد تلاميذ السيد المسيح الأثنى عشر، من سر ال في ، الذي أقامه الربُّ يسوع مع تلاميذه ليلة آلامه وصلبه.

ونستعرض الإشارات إلى تناول يهوذا الإسخريوطيّ من سر الإفخارستيا في العهدين القديم والجديد، ثم الإشارات إلى هذا الحدث في كتابات آباء شرقًا وغربًا في مختلف الكنائس ومن مختلف التقاليد الكنسية، سواء إسكندريّ، أنطاكيّ، أورشليميّ، سريانيّ، كبادوكيّ، لاتينيّ، وذلك لتقديم صورة كاملة وشاملة عن تأكيدات آباء الكنيسة الجامعة من مختلف الكنائس والتقاليد المختلفة عبر العصور والأزمنة على حدث تناول يهوذا الإسخريوطيّ من سر الإفخارستيا. حيث كان يستخدم آباء الكنيسة شرقًا وغربًا هذه الحادثة للتأكيد على ضرورة تناول الخاطئ المتقدِّم إلى سر الإفخارستيا، مهما كانت حالته، كفرصة للتوبة والرجوع عن خطاياه، ولذا كان آباء الكنيسة يستشهدون عادةً بحادثة تناول يهوذا الإسخريوطيّ، تلميذ المسيح الخائن، الذي خانه وسلَّمه إلى اليهود والرومان بقبلةٍ في بستان جثسيماني ليلة خميس العهد، في مقابل ثلاثين من الفضة كثمن الخيانة.

يرى آباء الكنيسة الجامعة أن السيد المسيح كان طويل الأناة ورحوم على يهوذا الإسخريوطيّ إلى أخر فرصة، ولم ييأس أبدًا في رجوعه حتى وهو عازم على تسليمه إلى قادة اليهود والرومان، حتى وهو عازم على خيانته وقد قبض ثمن خيانته، بل منحه الرب سر الإفخارستيا في العشاء الأخير لعله يتراجع عن خيانته، وهكذا منحه فرصة للتوبة والرجوع عن خطيته لأخر وقت ولأخر فرصة، لكي يؤكد على أنه يستمر إلى أخر وقت يطلب خلاص الخاطئ ولا يسرُّ أبدًا بهلاكه وفنائه حتى لو أراد هو نفسه ذلك.

ولكن للأسف لم يستفد يهوذا الإسخريوطيّ من هذه المحاولة وغيرها من المحاولات السابقة من قِبَل الرب يسوع لكي يتوب ويرجع عن خطيئته، وأسلَّم عقله وقلبه وفكره وإرادته للشيطان وصمَّم على خيانة سيده وتسليمه إلى اليهود والرومان مقابل ثلاثين من الفضة.

نستعرض في هذا الجزء الإشارات إلى تناول يهوذا الإسخريوطيّ، من سر الإفخارستيا في العشاء الأخير، في العهدين القديم والجديد، للتأكيد على أن هذه الحادثة لها جذور في نبوات العهد القديم تحقَّقت في العهد الجديد كما سنرى.

العهد القديم

هناك إشارة واضحة إلى تناول يهوذا من خبز الإفخارستيا في نبوة (مزمور 41: 9)، وااستخدم آباء الكنيسة هذا الشاهد في التأكيد على تناول يهوذا الإسخريوطيّ من سر الإفخارستيا

رَجُلُ سَلاَمَتِي، الَّذِي وَثِقْتُ بِهِ، آكِلُ خُبْزِي، رَفَعَ عَلَيَّ عَقِبَهُ!

(مز مور 41: 9 )

العهد الجديد

رواية إنجيل لوقا

نجد إشارة واضحة إلى تناول يهوذا من سر الإفخارستيا في العشاء الأخير بعد أن أسَّس السيد المسيح سر الإفخارستيا حين وَأَخَذَ خُبْزًا وَشَكَرَ وَكَسَّرَ وَأَعْطَاهُمْ قَائِلاً: 'هذَا هُوَ جَسَدِي الَّذِي يُبْذَلُ عَنْكُمْ. اِصْنَعُوا هذَا لِذِكْرِي [1]. وَكَذلِكَ الْكَأْسَ أَيْضًا بَعْدَ الْعَشَاءِ قَائِلاً: 'هذِهِ الْكَأْسُ هِيَ الْعَهْدُ الْجَدِيدُ بِدَمِي الَّذِي يُسْفَكُ عَنْكُمْ [2].

يشير لوقا البشير إلى حضور يهوذا الإسخريوطيّ في أثناء تأسيس السيد المسيح لسر الإفخارستيا حيث يقول المسيح نفسه إن يد مُسلِّمه هي معه على المائدة كالتالي: وَلكِنْ هُوَذَا يَدُ الَّذِي يُسَلِّمُنِي هِيَ مَعِي عَلَى الْمَائِدَةِ [3]، ويستطرد السيد المسيح مؤكدًا على حضور يهوذا لسر الإفخارستيا وتحدَّث عن يهوذا الإنسان الذي سوف يُسلِّمه قائلاً: وَابْنُ الإِنْسَانِ مَاضٍ كَمَا هُوَ مَحْتُومٌ، وَلكِنْ وَيْلٌ لِذلِكَ الإِنْسَانِ الَّذِي يُسَلِّمُهُ! [4].

هنا يروي البشير لوقا حَيْرَة التلاميذ وتساؤلهم فيمَا بينهم حول مَن هو هذا الإنسان الذي أخبر السيد المسيح أنه سوف يُسلِّمه، مما يؤكد أن يهوذا كان لا يزال موجودًا وحضر تأسيس سر الإفخارستيا وتناول من السرِّ كالتالي: فَابْتَدَأُوا يَتَسَاءَلُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ: 'مَنْ تَرَى مِنْهُمْ هُوَ الْمُزْمِعُ أَنْ يَفْعَلَ هذَا؟ [5].

رواية إنجيل يوحنا

ويستخدم البشير يوحنا نبوة (مز 41: 9) في التأكيد على أن يهوذا قد حضر تأسيس سر الإفخارستيا، وهي النبوة التي أعتمد عليها آباء الكنيسة فيما بعد للتأكيد على تناول يهوذا من سر الإفخارستيا، حيث يقول المسيح نفسه التالي: لَسْتُ أَقُولُ عَنْ جَمِيعِكُمْ. أَنَا أَعْلَمُ الَّذِينَ اخْتَرْتُهُمْ. لكِنْ لِيَتِمَّ الْكِتَابُ: اَلَّذِي يَأْكُلُ مَعِي الْخُبْزَ رَفَعَ عَلَيَّ عَقِبَهُ [6].

هنا تساءل التلاميذ فيمت بينهم وهم متحيرون عن هُوِيَّة الخائن مُسلِّم المسيح كالتالي: فَكَانَ التَّلاَمِيذُ يَنْظُرُونَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ وَهُمْ مُحْتَارُونَ فِي مَنْ قَالَ عَنْهُ [7]. وكان البشير يوحنا صاحب الرواية الإنجيلية شاهد عِيان على الحدث وَكَانَ مُتَّكِئًا فِي حِضْنِ يَسُوعَ وَاحِدٌ مِنْ تَلاَمِيذِهِ، كَانَ يَسُوعُ يُحِبُّهُ [8].

وهنا أشار ق. بطرس إليه أن يسأل المسيح عن هُوِيَّة الخائن كالتالي: فَأَوْمَأَ إِلَيْهِ سِمْعَانُ بُطْرُسُ أَنْ يَسْأَلَ مَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ الَّذِي قَالَ عَنْهُ [9]. وسأل ق. المسيح عن هُوِيَّة الخائن قائلًا: فَاتَّكَأَ ذَاكَ عَلَى صَدْرِ يَسُوعَ وَقَالَ لَهُ: 'يَا سَيِّدُ، مَنْ هُوَ؟ [10]، فكانت إجابة المسيح وإشارته إلى الشخص الذي سوف يغمس اللقمة ويعطيه إياها كالتالي: أَجَابَ يَسُوعُ: 'هُوَ ذَاكَ الَّذِي أَغْمِسُ أَنَا اللُّقْمَةَ وَأُعْطِيهِ!‘. فَغَمَسَ اللُّقْمَةَ وَأَعْطَاهَا لِيَهُوذَا سِمْعَانَ الإِسْخَرْيُوطِيِّ [11].

ويلفت البشير يوحنا إلى تناول يهوذا من سر الإفخارستيا، وهكذا بعدما تناول يهوذا من السر دخله وذهب ليسلِّم المخلص كالتالي: فَبَعْدَ اللُّقْمَةِ دَخَلَهُ الشَّيْطَانُ. فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: 'مَا أَنْتَ تَعْمَلُهُ فَاعْمَلْهُ بِأَكْثَرِ سُرْعَةٍ [12]. ويُقرِّر البشير يوحنا أن التلاميذ لم يفهموا ما حدث بين المسيح ويهوذا في وقتها، واعتقدوا أن المسيح أرسله  ليشتري حاجة العيد ويعطيها للفقراء، لأن يهوذا كان معه صندوق المال المدخَر لمثل هذه الأمور كالتالي: وَأَمَّا هذَا فَلَمْ يَفْهَمْ أَحَدٌ مِنَ الْمُتَّكِئِينَ لِمَاذَا كَلَّمَهُ بِه، لأَنَّ قَوْمًا، إِذْ كَانَ الصُّنْدُوقُ مَعَ يَهُوذَا، ظَنُّوا أَنَّ يَسُوعَ قَالَ لَهُ: اشْتَرِ مَا نَحْتَاجُ إِلَيْهِ لِلْعِيدِ، أَوْ أَنْ يُعْطِيَ شَيْئًا لِلْفُقَرَاءِ [13].

هوامش ومصادر:
  1. إنجيل لوقا 22: 19 فاندايك [🡁]
  2. إنجيل لو 22: 20 فاندايك [🡁]
  3. إنجيل لوقا 22: 21 فاندايك [🡁]
  4. إنجيل لو 22: 22 فاندايك [🡁]
  5. إنجيل لوقا 22: 23 فاندايك [🡁]
  6. إنجيل يوحنا 13: 18 فاندايك). ثم أعلن السيد المسيح أن هناك واحد من التلاميذ سوف يسليمه كالتالي: لَمَّا قَالَ يَسُوعُ هذَا اضْطَرَبَ بِالرُّوحِ، وَشَهِدَ وَقَالَ: 'الْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ وَاحِدًا مِنْكُمْ سَيُسَلِّمُنِي! ((إنجيل يوحنا 13: 21 فاندايك [🡁]
  7. إنجيل يوحنا 13: 22 فاندايك [🡁]
  8. إنجيل يوحنا 13: 23 فاندايك [🡁]
  9. إنجيل يوحنا 13: 24 فاندايك [🡁]
  10. إنجيل يوحنا 13: 25 فاندايك [🡁]
  11. إنجيل يوحنا 13: 26 فاندايك [🡁]
  12. إنجيل يوحنا 13: 27 فاندايك [🡁]
  13. إنجيل يوحنا 13: 28، 29 فاندايك [🡁]

كيف تقيّم هذا المقال؟

← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←

المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء

كن أوّل من يقيّم هذا المقال

بما أن المقال أعجبك..

ربما اﻷفضل مشاركته مع دوائرك كي يحظى بانتشار أوسع

من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا

دعنا نعمل على تحسين ذلك

أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟

جزء من سلسلة: تناول يهوذا[الجزء التالي] 🠼 إشارات التقليد الإسكندري
أنطون جرجس
بكالوريوس اللاهوت اﻷرثوذكسي في   [ + مقالات ]

صدر للكاتب:
كتاب: عظات القديس على سفر الجامعة
ترجمة كتاب: "الثالوث"، للقديس أوغسطينوس
ترجمة كتاب: "ضد "، للقديس غريغوريوس النيسي