في هذا الموسم من كل سنة، أي موسم الصوم الذي يطلق عليه بين العامة “صوم القديسة العذراء مريم”، وهي بالطبع تسمية خاطئة كغيرها من المسميات الكثيرة في الكنيسة التي تحتاج إلى مراجعة وتثقيف الناس. لكن دعونا من المسميات والتعريفات التي تنم عن جهل صارخ بين الشعب القبطي الذي يصر على تجهيل نفسه، إذ يصر على عدم القراءة والبحث وراء الموروثات الشعبية بدعوى البساطة.
ولقد كتبت عدة مقالات عن هذا الأمر، ولكن هيهات أن يقرأ أو يسمع أحد. لدرجة أنني شخصيًا فقدت الشغف بالكتابة، إذ وجدت أنه لا جدوى من الكتابة، مع أن ما أقوله الآن ضد كلمة الله، إذ يقول الكتاب المقدس: اِرْمِ خُبْزَكَ عَلَى وَجْهِ الْمِيَاهِ فَإِنَّكَ تَجِدُهُ بَعْدَ أَيَّامٍ كَثِيرَةٍ
[1].
وأيضا في العهد الجديد يقول: إِذًا لَيْسَ الْغَارِسُ شَيْئًا وَلاَ السَّاقِي، بَلِ اللهُ الَّذِي يُنْمِي. وَالْغَارِسُ وَالسَّاقِي هُمَا وَاحِدٌ، وَلكِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ سَيَأْخُذُ أُجْرَتَهُ بِحَسَبِ تَعَبِهِ
[2]إذ لستُ أنا المسؤول عن الثمر، ولا أنا المسؤول عن جهل الناس، لأنني ببساطة لستُ في وضع مسؤولية. ولكنني أتكلم من وضع المسؤولية التي وضعها الرب يسوع على عاتق كل مؤمن أو ابن له، وأيضًا من منطلق الحق الكتابي، لأن من أخذ شيئًا من الروح القدس لابد أن يعطي، وإلا توقف النبع الإلهي عن أن يعطي ما لم تعطِ ما أخذت.
الآيات في هذا الصدد كثيرة جدًا، فإذا أردتَ، عزيزي القارئ، يا من تقرأ هذه السطور، أن تقرأ عن هذا الأمر، فاقرأ ما كتبه الوحي المقدس عن عمل الروح القدس في إنجيل يوحنا: مَنْ آمَنَ بِي، كَمَا قَالَ الْكِتَابُ، «تَجْرِي مِنْ بَطْنِهِ أَنْهَارُ مَاءٍ حَيٍّ». قَالَ هذَا عَنِ الرُّوحِ الَّذِي كَانَ الْمُؤْمِنُونَ بِهِ مُزْمِعِينَ أَنْ يَقْبَلُوهُ، لأَنَّ الرُّوحَ الْقُدُسَ لَمْ يَكُنْ قَدْ أُعْطِيَ بَعْدُ، لأَنَّ يَسُوعَ لَمْ يَكُنْ قَدْ مُجِّدَ بَعْدُ
[3] و أيضا إصحاحات ١٤، ١٥، ١٦ من نفس الإنجيل.
لكن إذ أردت عن تعرف من هم المسؤولين عن تجهيل الشعب القبطي، اسأل نفسك أولا، رجوعًا إلى مقدمة مقالي هذا عن نهضة السيدة العذراء في كنيسة العذراء مريم بمدينة مسيساجا كندا 🇨🇦،
في هذا الموسم، تجد الكنيسة عن بكرة أبيها مزدحمة، وتعج بالشعب. وهذا بالطبع يعتمد على الضيف المتكلم، ويا حبذا لو كان من الأسماء اللامعة في سماء الوعظ المسيحي، ومن الأسماء التي تجذب الناس وتصنع رواجًا تجاريًا. وهم معروفون سواء هنا في كندا أو في المجتمع الكنسي في مصر. وكما يقولون، إنه موسم والكل يستفيد، سواء ببيع منتجات من صور أو أيقونات أو هدايا، وما إلى ذلك.
بالطبع، الكتب تأتي في مؤخرة المبيعات. شاء الرب أن أذهب يومًا إلى ذلك الحفل الكنسي، ولم أجد مكانًا للسيارة إذ كان المكان مزدحمًا جدًا. كما قلت، إنه موسم، فالناس تحب أن تحضر نهضة العذراء – لأن هذه عادة، وربنا ما يقطع لك عادة كالعادة-. دخلت الكنيسة وكانت فترة الأسئلة قبل العظة، وأنا لست من مستمعي الضيف ولا تستهويني طريقته في العظات، ولكن فترة الأسئلة كانت كافية جدًا لكي أتشبع وأدرك تمام الإدراك أنه كما قال سعد زغلول المقولة المشهورة على لسان المصريين: “مفيش فايدة”. كم الأسئلة ونوعيتها ينم عن أكثر من نقطة، سوف ألخصهم في نقاط كالتالي:
١- الوعي بين المسيحيين لا يختلف عن الوعي الإسلامي من حيث الإيمان بالقضاء والقدر والحظ وأعمال السحر والعكوسات وغيرها.
٢- لا يوجد من يهتم ويسأل سؤالًا روحيًا، سواء لاهوتيًا أو غير ذلك، فكل الأسئلة تندرج تحت عنوان الأمور الاجتماعية والزواج والمشاكل الزوجية والطلاق وزواج الأبناء والخلافات بين أفراد الأسرة والعقائد وغيرها.
٣- من نوعية الأسئلة، تكتشف أن هنالك فجوة واسعة بين الكهنة والشعب؛ إما أن الشعب لا يثق في كهنته وآرائهم في حل المشاكل السابق ذكرها، أو أنه لا يوجد اتصال مباشر أو افتقاد للمعنى المتعارف عليه، فالكل مشغول بمشغولياته.
٤- المستوى الذي وصل إليه شعبنا القبطي من التجهيل يحتاج إلى سنوات لمحو هذا الذنب بالتعليم، كما كان يقول البابا شنودة الثالث. إذ سألت نفسي هذا السؤال وأنا خارج من الكنيسة: إذا قمت بدعوة إلى اجتماع لدراسة الكتاب المقدس أو اجتماع تعليم، فكم من هؤلاء سيبدي استعداده للحضور؟
اترك الإجابة لكم!
