الأسقف إرميا الذي أُلحق بسكرتارية البابا الراحل بتخطيط من المطران بيشوي، مطران دمياط وكفر الشيخ السابق، في زمن صراع الأخير مع الأسقف يوأنس، سكرتير البابا الأثير. وكان تنافسهما حول من يستأثر برضا البابا شنودة الثالث، تمهيدًا لخلافته، وصار السكرتير الجديد عين وأذن ويد المطران.
قُدر للغريمان، بيشوي ويوأنس، أن يكونا على رأس قائمة المرشحين لشغل الكرسي البابوي بعد رحيل البابا، ولولا حُنْكَة القائمقام الذي اجتمع بهما وآخرين، وواجههم بوقائع جاءته وثائقها، لتغير مصير الكنيسة.
انتهى الاجتماع وتوالت انسحاباتهم من الترشح. لعل القائمقام يفتح صندوقه الأسود ويكشف عنها.
كان المركز الثقافي القبطي تحت رئاسة البابا شنودة الثالث حينها، وقد أُسند للأسقف الناعم إدارته بصفته أسقفًا عامًا.
وحين رحل البابا شنودة، أعلن نفسه، في انقلاب قصر، رئيسًا للمركز!
وحين تم إعلان قيام هيئة “بيت العائلة”، تم اختياره أمينا عامًا مساعدًا، وعبر خبرات عميقة، قرأنا عنها في تاريخ الكنيسة، أقتنع بأن هذا البيت بابه الملكي للقفز على السدة البابوية، لو قدر لجهد حراس المعبد أن تنجح في إزاحة البابا الحالي، البابا تواضروس الثاني.
وتتشابك الخطوط -والمصالح- بين أطراف عديدة محلها المختار قاعات المركز وإمكاناته اللوجستية الإلكترونية، ولم تتوقف موجات الهجوم على البابا الحالي، عبر لجانهم الإلكترونية، لعل وعسى.
وقبل عامين كنت مدعوًا من مملكة البحرين لحضور اللقاء بين بابا الفاتيكان، البابا فرانسيس، والإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب (نوفمبر 2022)، وهناك وجدت الأسقف إرميا مشاركًا، ليس بصفته أسقفًا قبطيًا، بل ضمن الفريق المرافق لفضيلة الإمام. وهي حكاية تحمل مدلولات سنفرد لها طرحًا مستقلًا.
منذ أيام، أصدر الأسقف إرميا منشورًا يعلن فيه تضامنه مع الشيخ الدكتور اسأمه الأزهري، في صدامه مع مؤسسة “تكوين الفكر العربي”، وقد توقفت أمام فقرة تقول:
نعلن:
أننا نسعى جميعًا للحفاظ على الثوابت الدينية كما تسلمناها، دون أي تغيير، ونرفض بشدة ولا نقبل إنكار السنة المشرفة والتقليد الكنسي السابق للكتاب بعهديه القديم والجديد الذي نقل لنا كل ما يحدث في المسيحية من شعائر وصلوات… الخ.
وهي فقرة ملغومة تربط قسرًا بين أمرين لا علاقة بينهما، وتلوي عنق التقليد ليخدم رؤيته، ومن السياق نفهم أنّ هذا المنشور نُشر دون عرضه على الكنيسة والبابا، ومن ثم لا يعد ما جاء به موقفًا للكنيسة، فهو اختار أنّ يكون أقرب إلى بيت العائلة وفي حضنه عسى أن ينال ما يحقق طموحاته.
وهو في منشوره المتعلق بالمواجهات الدائرة بين فرقاء “تكوين”، يورط الكنيسة في غير معركتها، وأظنه أحد مؤشرات صراعه الصامت غير المعلن مع البابا، والجناح الإصلاحي داخل مجمع الأساقفة.
الأمر يوجب على الكنيسة والبابا إعمال القانون الكنسي الذي يمنع الكنيسة من التورط في الشؤون السياسية، فهي وجِدت لتعمل فيما هو لله، وتترك ما لقيصر لأبنائها المدنيين باختلاف توجهاتهم، وقدراتهم، كمواطنين يتوجب عليهم المشاركة ودعم حرية التعبير والحق في الحياة الطبيعية بعيدًا عن التمايزات الدينية.
ويتطلب الأمر إعادة صياغة لائحة المجمع (المقدس):
* لتعيد للكنيسة توازنها ووحدتها، وتراتبيتها.
* وخضوع الأسقف لرئاسته الدينية.
* وتحديد آليات إبداء الرأي الكنسي بشكل مؤسسي بما لا يورط الكنيسة ويعرض الوطن لمشاكل لا نعرف إلى أين تذهب به.
وأعكف قبل تريند الأسقف، على تحليل هذه اللائحة وثغراتها وارتباكاتها، سأطرحه حال الانتهاء منه.
كيف تقيّم هذا المقال؟
← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←
المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء
كن أوّل من يقيّم هذا المقال
من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا
دعنا نعمل على تحسين ذلك
أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟
صدر للكاتب:
كتاب: العلمانيون والكنيسة: صراعات وتحالفات ٢٠٠٩
كتاب: قراءة في واقعنا الكنسي ٢٠١٥
كتاب: الكنيسة.. صراع أم مخاض ميلاد ٢٠١٨