”أنا الكرمة الحقيقية وأبي الكرام

أنا الكرمة وأنتم الأغصان

(إنجيل يوحنا ١:١٥-٨)

يقول الرب يسوع المسيح له المجد أنا هو الكرمة الحقيقية التي غرسها الآب الكرام، لكي كل مَن يتحد بهذه الكرمة الحقيقية تمتد فيه طبيعتها وتجري فيه عصارة حياتها، فيصير غصنًا في الكرمة وامتدادًا لها ويأتي بثمر. فالكرمة تعطي ذاتها ممتدة في أغصانها]. إن عطية الله لنا هي ذاته. لكي ننال ” بالاتحاد به: ”ألم أقل لكم أنكم آلهة وبنو العلي تُدعَون؟

 ”أنتم الآن أنقياء لسبب الكلام الذي كلمتكم به

(يوحنا ٣:١٥)

فأنتم تصيرون أنقياء بسبب استعلان ”الحق“ فيكم من خلال كلمتي. أنا هو”الله الكلمة“. مَن يؤمن بي وبكلمتي تتجدد خليقته ويصير امتدادًا للكرمة وله شركة في حياة الكرمة ”نحن لحم من لحمه وعظم من عظامه“

بين “شجرة الحياة“ و”الكرمة الحقيقية“

لقد غرس الله ”“ في وسط الجنة لكي يأكل منها الإنسان ”ويحيا إلى الأبد“. هذا هو تدبير الله من جهة الإنسان الذي خلقه لكي يكون مستقبله هو الشركة في مجال حياة الله من خلال الاتحاد ببشرية المسيح ”شجرة الحياة“ الذي هو واحد في الطبيعة الإلهية لله. فبشرية المسيح ”أبن الإنسان“ هي الأصل الذي خلق الله عليه الإنسان لكي ما يتحد به. نقرأ هذا في المكتوب علي لسان ”ابن الله“ الأزلي عن بشريته المخلوقة قبل الزمان المخلوق ”الرب قنّاني / أنشأني أول أعماله” والمُشار إليها بشجرة الحياة “وغرس الرب الإله جنة وشجرة الحياة في وسط الجنة“

ف مخلوق علي صورة المسيح ”أبن الإنسان“ لكي يدخل في شركة مجال حياة الله بالاتحاد ”Theosis“ في أصل بشريتنا التي أنشأها / قنَّاها الله الثالوث في المسيح أبن الله الأزلي : مخلوقين في المسيح يسوع قبل الأزمنة الأزلية.

إن فشل آدم و لم يمنع أن يستمر ويتحقق تدبير الله من جهة اتحادنا وشركتنا في الله Theosis. لذلك كانت إرسالية وظهور الله بيننا بالتجسد الإلهي في يسوع المسيح. فبعد أن تغربنا عن شجرة الحياة منذ ، عاد الله وافتقدنا بها في وسطنا مرة أخري “أنا الكرمة الحقيقية وأبي الكرام“. إن من يأكل من شجرة الحياة الإلهية المتجسدة يتحد ببشرية المسيح أبن الله “مَن يغلب فسأعطيه أن يأكل مِن شجرة الحياة التي في وسط فردوس الله”، وتكون له شركة في حياة الثالوث الأبدية فيحيا إلي الأبد “مَن يأكلني يحيا بي … مَن يأكل جسدي ويشرب دمي يكون فيّ وأنا أكون فيه “.

”كما أحبني الآب كذلك أحببتكم أنا. اثبتوا في محبتي. إن حفظتم وصاياي تثبتون في محبتي، كما أني أنا قد حفظت وصايا أبي وأثبت في محبته. كلمتكم بهذا لكي يثبت فرحي فيكم ويكمل فرحكم“

(إنجيل يوحنا ٩:١٥-١١)

هنا يشرح الرب مثل ”الكرمة الحقيقية “. فقد أنتقل إلي أصوله اللاهوتية من جهة العلاقة بين الأقانيم الثلاثة في الله الواحد ، وبين علاقة الله الواحد وأقانيمه الثلاثة بالإنسان من جهة أخرى.

إن الأصل في مثل الكرمة الحقيقية هو أن ”الله محبة “. فالمحبة هي طبيعة الله وهي غير مخلوقة وغير متغيرة. لذلك هي لا تزول سواء كانت المحبة بين الأقانيم الثلاثة في الله الواحد ”كما أحبني الآب“عدد٩. أو محبة الله الواحد وأقانيمه الثلاثة للإنسان التي بسببها خَلق الله آدم الأول علي صورة الله في المسيح يسوع ”نخلق الإنسان علي صورتنا كشبهنا“ (تكوين). ”لأَنّنَا نَحْنُ عَمَلُهُ، مَخْلُوقِينَ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ“ (أفسس ٢)، ”الذي خلصَنا ودعانا دعوة مقدسة، لا بمقتضى أعمالنا، بل بمقتضى القصد والنعمة التي أعطيت لنا في المسيح يسوع قبل الأزمنة الأزلية، وإنما أظُهِرت الآن بظهور مخلصنا يسوع المسيح، الذي أبطل الموت وأنار الحياة والخلود بواسطة الإنجيل“ (تيموثاس الثانية: ١)

كان آدم الأول هو الغصن الذي قَطَع نفسه بتغربه عن الله. فإن محبة الله تنحجب بسبب عدم البر والشر. ولكن لأن المحبة هي طبيعة الله فهي لا تزول. لذلك أصلح الله التشويه الذي حدث بسبب سقوط آدم الأول، وذلك بالرجوع إلي الأصل الذي خلق الله الإنسان علي صورته، والذي هو يسوع المسيح أبن الله وأبن الإنسان ”ويخرج قضيب من جذع يسى، وينبت غصن من أصوله… ويحل عليه روح الرب… ولذته تكون في مخافة الرب… الأرض تمتلئ من معرفة الرب… ويكون في ذلك اليوم أن السيد يعيد يده ثانية ليقتني بقية شعبه“ (إشعياء ١١).

عندئذ انسكبت محبة الله الآب مرة أخري علي أصل الإنسان الذي هو يسوع المسيح ”هذا هو أبني الحبيب الذي به سررت“، بعد أن حجبها آدم الأول بتغربه عن الله، عاد روح الله الذي فارق آدم بسبب السقوط، ورأينا الروح ينزل في شكل حمامة علي آدم الثاني – المسيح يسوع – في نهر الأردن. إن المصالحة بين الله والإنسان في المسيح يسوع لم تكن فقط لأنه أبن الله ”الآب يحب الإبن“، ولكن لأنه أيضًا ”إبن الإنسان الذي أكمل كل بر“ باعتباره آدم الثاني والأصل، الذي علي صورته، خلق الله آدم الأول. هذا أعلنه مستيكيا / سريًا عندما رأي يسوع المسيح ”هذا صار قدامي لأنه كان قبلي

فإن يسوع المسيح -آدم الثاني- وأصل ذرية آدم الأول، لم يتغرب عن خالقه ”من منكم يبكتني علي خطية“ لذلك يحبه الآب . فقد إحتفظ – كإنسان – ببر الله المتحد به ”إني أنا قد حفظت وصايا أبي وأثبت في محبته

ومن خلال محبة الآب ليسوع المسيح ”أبن الله“ بالطبيعة ”هذا هو أبني الحبيب الذي به سررت“ ومحبته ليسوع المسيح ”ابن الإنسان“ الذي أكمل كل بر الله كإنسان ”ينبغي أن أكمل كل بر“، استطاع الرب يسوع المسيح أن يلغي ويشق الحجاب الذي يحجز محبة الآب عن ذرية آدم ”كما أحبني الآب كذلك أحببتكم أنا. أثبتوا في محبتي“ ع ٨. فبدون المسيح والحب المتبادل معه، نظل محجوبين عن محبة الآب. لكن في المسيح يسوع أزال الله الثالوث هذا الحاجز إلي الآبد.

يوحنا ١٢:١٥-١٧

ويستمر الرب له المجد في تفسير مَثل ”الكرمة الحقيقية“ قائلًا: ”هذه هي وصيتي أن تحبوا بعضكم بعضا كما أحببتكم“. فالرب يطلب منا أن نكون مِثله ولنا نفس حبه ”ليس لأحد حب أعظم من هذا: أن يضع أحد نفسه لأجل أحبائه“ ولكن هذا غير معقول لأنه خارج استطاعة بشر. من هذا نفهم أن وصية المحبة ليست جهاد بل نعمة ودعوة لدخول طبيعتنا البشرية في مجال الطبيعة الإلهية التي هي الحب بلا حدود. فاتحادنا كبشر بالطبيعة البشرية التي للمسيح يسوع الله الظاهر في الجسد يتيح لنا النمو إلي ”ملء قامة المسيح“. ولقد أوضح الرب عدم قدرة جهاد الإنسان علي بلوغ هذا ”الملء“ قائلًا: ”الغصن لا يقدر أن يأتي بثمر من ذاته إن لم يثبت في الكرمة، كذلك أنتم أيضا إن لم تثبتوا فيَّ. أنا الكرمة وأنتم الأغصان… لأنكم بدوني لا تقدرون أن تفعلوا شيئا

فالحب والمحبة الحقيقية هي طبيعة قبل أن تكون حالة وشعور وعمل . وهي لا تتفق مع طبيعة غريبة عن طبيعة الله. لذلك كشف الرب كيف أن الذي يؤمن به تتغير طبيعته ” تغيروا عن شكلكم“ وذلك عندما قال في عدد ١٥”لا أعود أسميكم عبيدا، لأن العبد لا يعلم ما يعمل سيده، لكني قد سميتكم أحباء لأني أعلمتكم بكل ما سمعته من أبي“. لأنه قد أدخلنا في شركة مجال حياة الله الواحد الثالوث. ”أني أنا في أبي وأنتم فيَّ وأنا فيكم“ (يوحنا ٢٠:١٤).

عند هذه النقطة نعود قليلًا ونتذكر كيف أن مَثل الكرمة الحقيقية كان يركز علي ضرورة الثمر  وأن الغصن الذي لا يأتي بثمر يقطعه، وأن الثمر يعتمد علي الثبات في الكرمة، وأن الغصن لا يقدر أن يأتي بثمر من ذاته. ثم يختم الرب كل هذا بالحديث عن محبته وكيف أنه يبذل ذاته عن الإنسان. ويطالبنا أن يكون لنا نفس الحب بعضنا لبعض وهذا مستحيل علي بشر.

فالذي ينصت لروح الله في تسلسل حديث الرب هذا، فإن روح الله يستعلن له أن وصية الرب الذي تكلم عنها هي ليست أعمال نعملها ، ولكن هي طبيعته الإلهية، يقدمها لنا لنتحد به من خلال أتحادنا في طبيعته البشرية. وبذلك نصير أغصانًا في الكرمة وامتدادًا لطبيعتها التي تستمر في النمو فينا وتشهد لذاتها بالثمر ”وكل ما يأتي بثمر ينقيه ليأتي بثمر أكثر“. وهو نفس المعنى الذي قاله في الرب في موضع آخر ”الذي له يُعطي ويُزاد“. وكل مَن لا يحمل طبيعة الكرمة فهو ليس غصنا ولا يأتي بثمر، لذلك يسقط ويجف ”ومن ليس له فالذي عنده يؤخذ منه

يوحنا١٨:١٥-٣٥

عبارة ”قوموا ننطلق من ههنا“ كانت آخر جملة بإصحاح ١٤. وكتبها القديس يوحنا عن لسان المسيح ليس إعتباطًا. ولكن لأنها لخَصت كل أقوال المسيح في أصحاحي ١٤ و١٥ التي تكلم فيها الرب عن الأساس لحياة الشركة بين المسيح والمؤمنين به في مثل الكرمة الحقيقية. وكيف أن هذا الأساس هو النعمة  وأن سببها هو أن ”الله محبة“، إذ تمتد طبيعته إلي أغصانه فتحيا وتثمر. وتكلَم الرب عن صعوده إلى الآب وإرساله الروح القدس ليملأنا نحن المؤمنين كتطبيق وتحقيق لهذا الأساس ”لأن محبة الله الآب قد أنسكبت في قلوبنا بالروح القدس

ولقد أكد الرب هذا الأساس بأن قارنه بمقابله العكسي في العالم (١٨:١٥-٣٥) : ”العالم يحب خاصته“ ولكن أنتم ”لستم من العالم بل أنا أخترتكم من العالم“، لذلك فإن ”العالم يبغضكم“. لكننا لا نستطيع أن نوصف ما يربط العالم بأنه حب مقابل ومساوي للحب الإلهي، ثم نقارنه بالحب الحقيقي الذي هو أساس حياة الشركة في المسيح التي تربطنا به ككنيسة ومن ثمَة بالثالوث القدوس.

والسبب بسيط، أن طبيعة الحب الحقيقي لا يمكن أن تمتزج أو تتحول إلي طبيعة عكسها وقوامها بغضة وكراهية. فرابطة العالم لا تخلو من هذا ”أبغضوني أنا وأبي“ (٣٥:١٥)

إن الحب الذي يربط العالم متغير. وكل ما هو متغير ليس حق. لذلك قال الرب أنه ”الكرمة الحقيقية“.  وقد أوضح الرب استحالة هذا التغيير أو الخلط بين الحب الحق والحب الزائف في جملتين متتابعتين ”لأن رئيس هذا العالم يأتي وليس له فيَّ شئ ، وليفهم العالم [السبب] أني أحب الآب“ (٣١:١٤) فالعالم ورئيسه ليس له هذا الحب الحقيقي الذي هو طبيعة الله الواحد الثالوث. وبعد هذه الجملة قال الرب ”قوموا ننطلق من ههنا“. فليس هناك أمل في هذا العالم الذي وَضع ذاته في قبضة شرير هو رئيس هذا العالم ”إنهم لا يجتنون من الشوك تينا، ولا يقطفون من العليق عنبًا“. هذا هو السبب أن الرب بدأ حديثه في أصحاح ١٤ ”لا تضطرب قلوبكم، أنتم تؤمنون بالله فآمنوا بي“. ثم ختمه في نهاية أصحاح ١٥ بوعد إرساله الروح القدس الذي يملأ الكنيسة ويحفظها في العالم ومِن العالم وكان قد طمأننا علي مصيرنا بقوله ”آتي أيضًا وآخذكم إليَّ حتي حيث أكون أنا تكونون أنتم أيضًا“ (٢:١٤).

هذا هو يسوع المسيح ”شجرة الحياة“ التي غرسها الآب في وسط الجنة لنأكل منها ونحيا إلي الأبد. هذا هو يسوع المسيح ”الغصن“ الذي غرسه الآب ليكون”الكرمة الحقيقية“ وفيها تتحقق كينونتنا في الله كأغصان هي أمتداد للكرمة الإلهية. هذا هو يسوع المسيح ”ابن الله / ابن الإنسان“. فسبحوه للأبد.

كيف تقيّم هذا المقال؟

← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←

المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء

كن أوّل من يقيّم هذا المقال

بما أن المقال أعجبك..

ربما اﻷفضل مشاركته مع دوائرك كي يحظى بانتشار أوسع

من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا

دعنا نعمل على تحسين ذلك

أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟

مثل ”الكرمة الحقيقية“ في يوحنا ١٥ 1
[ + مقالات ]