نميل نحن مجتمع الأقباط  الأرثوذكس دائمًا إلى تجنّب المواجهة، وهي حقيقية واقعة يحاول البعض التقليل من أهميتها بحجة البساطة في التعليم، أو اهتم بخلاص نفسك، وعبارات أخرى من هذا القبيل!! نحن نتردد في التعامل مع أولئك الذين يحملون معتقدات مختلفة، حتى فيما يتعلق بالجوانب الأساسية لإيماننا، وعلى الرغم أن لدينا الكثير من ثوابت وأصول نرتكز عليها في مناقشة الآخرين لكن لم نتعلم في كنائسنا الأرثوذكسية إدارة هذا الاختلاف.

غالبًا ما تغرس تربيتنا فينا الاعتقاد بأن أي شخص خارج تقاليد ديننا هو أقل شأنًا إلى حد ما، دون أن نفهم حقًا وجهة نظره. بل لقد تربينا علي أن من يختلف معي في العقيدة سواء ي أو كاثوليكي فهو في الآخرة من الخاسرين، لأنة ببساطة لا يتبع الإيمان المستقيم الذي نتبعه نحن. لقد أعاقت هذه العقلية الضيقة قدرتنا على الدخول في حوار هادف واستكشاف أعماق إيماننا، وإذا سألت هذا الشخص ما هو الإيمان المستقيم ستجد قشور  وسطحية في الكلام، وإذا كان من المثقفين أو من الخدام في الصف الأول قد يذكر لك   التي لا يكاد يعرف تاريخ أسرار الكنيسة في أيّ قرن من القرون الـ21 تم اعتماد أسرار  الكنيسة  السبعة، وهل كانت سبعة أسرار أم اكثر؟!

ليس لدي أي رغبة في الخوض في تاريخ الكنيسة المعقد في هذه اللحظة. بدلًا من ذلك، دعونا نعيد التركيز على جوهر المسألة المطروحة ألا وهو نقاش المتعلمين، أو المستنيرين المحنكين الناضجين بالأحرى، لابد من مواجهة أنفسنا نحن الأقباط  الأرثوذكس أننا لا نقبل الرأي الآخر و لا نحب أن نسمع رأي مخالف لنا. نحن في كثير من الأحيان نقاوم وجهات النظر البديلة ونشعر بعدم الارتياح تجاه الآراء المخالفة، ونعتبر أي اعتبار لها بمثابة مساومة على إيماننا. نحن نميل إلى النظر إلى وجهات النظر المختلفة على أنها معيبة بطبيعتها، بينما نتمسك بقناعاتنا الخاصة باعتبارها صحيحة بلا شك. إذ نعتبر حتي سماع الرأي الآخر هو نوع من مشاركة الآخر في إيمانه أو عقيدته، ونعتبر أن الآخر هو خطأ مطلق ونحن هو الأصح المطلق!

في كلمات إنجيل يوحنا الخالدة، سأل يسوع: ما هو الحق؟ [1]. لم يكن بيلاطس يعلم أن يسوع قد أجاب بالفعل على هذا السؤال قبل أن يطرحه عليه بيلاطس، إذ في الآية التي تسبق هذا السؤال سأله بيلاطس أفأنت إذا ملك؟ أجاب يسوع قائلًا: لهذا قد ولدت أنا، ولهذا أتيت إلى العالم لأشهد للحق. كل من هو من الحق يسمع صوتي. [2]. الحقيقة، كما كشف الرب يسوع، ليست مفهومًا أو مجموعة من القواعد، الحق ليس وصية أو عقيدة أو شرائع وأحكام بل هي حضور حي، الحق هو شخص. أولئك الذين يتناغمون مع الحق سوف يسمعون صوت يسوع، لأن الحق متجسد في شخص. ومع ذلك، مثل بيلاطس وقيافا، كثيرًا ما نفشل في إدراك الحق الذي يقف أمامنا، ونختار بدلًا من ذلك التشبث بمفاهيمنا الخاطئة.

وهكذا نحن لا نعطي مجال  للمناقشة والانصات ونظن إننا نحتكر كل الحق المطلق، رغم أنه في إيماننا الراسخ بالله اللامتناهي، يجب علينا أن نعترف بكل تواضع بحدودنا ونقاوم إغراء المطالبة بالملكية الحصرية للحقيقة المطلقة. عندما نتأمل في عمق واتساع قوة الله وحضوره، نتذكر عدم أهميتنا بالمقارنة. لأن الله فوق كل الحدود، محيط بالسماوات والأرض، وجلاله يفوق فهمنا [3].

أإلى عمق الله تتصل، أم إلى نهاية القدير تنتهي؟ هو أعلى من السماوات، فماذا عساك أن تفعل؟ أعمق من الهاوية، فماذا تدري؟ أطول من الأرض طوله، وأعرض من البحر.

(سفر أيوب ١١ : ٧-٩)

وكما أن السموات والأرض له [4]، كذلك نحن له، خالقنا وحافظنا. وهو في عظمته يزين نفسه بالنور [5]، ويتحكم في العناصر، ويتحرك مع الريح. والحقيقة أننا ما نحن إلا جزء صغير من خلقه الواسع العجيب.

لك السماوات. لك أيضا الأرض. المسكونة وملؤها أنت أسستهما.

(سفر ٨٩ : ١١)

اللابس النور كثوب، الباسط السماوات كشقة. المُسقف علاليه بالمياه. الجاعل السحاب مركبته، الماشي على أجنحة الريح.

(المزامير ١٠٤ : ٢-٣)

 

هذا المقال بمثابة دعوة إلى الانفتاح الذهني، وبوق في أذن من يغلق أذنيه عن السمع لما يخالف رأيه وموروثاته، وهذا البوق ليس لنا نحن الأقباط الأرثوذكس فقط بل للجميع سواء كانوا إنجيليين أو كاثوليك أو حتي مسلمين، تذكير بأن الإيمان ليس شيئًا موروثًا، بل هو رحلة اكتشاف شخصية. إنه يتحدى القراء للتشكيك في مسلّماتهم الموروثة والنظر في الجوهر الحقيقي لكونك مسيحيًا، وكما يقول إذا الإيمان بالخبر، والخبر بكلمة الله. [6]،  فكل من ولد في بيت مسيحي ليس مسيحيًا بالوراثة، فإن لم تدرك إنك ولدت ثانية ولادة جديدة فأنت لست مسيحيًا، وإلا فأنت تسأل الرب يسوع نفس سؤال كان إنسان من الفريسيين اسمه نيقوديموس، رئيس لليهودقال له نيقوديموس: «كيف يمكن الإنسان أن يولد وهو شيخ؟ ألعله يقدر أن يدخل بطن أمه ثانية ويولد؟» [7].

هوامش ومصادر:
  1. يوحنا ١٨: ٣٨ [🡁]
  2. يوحنا ١٨: ٣٧ [🡁]
  3. سفر أيوب ١١ : ٧-٩ [🡁]
  4. سفر المزامير ٨٩: ١١ [🡁]
  5. سفر المزامير ١٠٤ : ٢-٣ [🡁]
  6. رومية ١٠ : ١٧ [🡁]
  7. يوحنا ٣ : ١-٤ [🡁]

كيف تقيّم هذا المقال؟

← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←

المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء

كن أوّل من يقيّم هذا المقال

بما أن المقال أعجبك..

ربما اﻷفضل مشاركته مع دوائرك كي يحظى بانتشار أوسع

من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا

دعنا نعمل على تحسين ذلك

أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟

عاطف حنا
[ + مقالات ]