المقال رقم 2 من 5 في سلسلة تاريخية إعادة المعمودية
المجمع المسكوني الأول 325م

في المجمع المسكوني الأول جاء قانونين للتعامل مع أزمة قبول الهراطقة والمنشقين في الكنيسة. انتشرت النوفاتية في أرجاء الكنيسة بسبب الاختلاف على توبة المرتدين منذ عام 251 م. ونظرًا لأن الاختلاف في مسألة رعوية وليست مسألة لاهوتية، فتم التعامل معها بلين شديد. فبعد قبول وضع الأيادي والاعتراف كتابةً بتعاليم الكنيسة تقرر أن يتناولوا مع الخطاة والتائبين من المرتدين (اعتبر النوفاتيين هؤلاء غير طاهرين وغير مستحقين للشركة حتى بعد توبتهم)، ويُعادوا مرة أخرى ك في الرتبة التي كانوا عليها كنوفاتيين. أما بالنسبة للمواضع التي كان فيها أسقف من فكان الأسقف النوفاتي الذي يعود للشركة الكنسية يصير خوري ابسكوبوس (أي أسقف قرى). أما الشيعة الأخرى فكانت أتباع بولس الساموساطي الذي تم إدانة هرطقته في 268 م. رأى الأساقفة أن هرطقته ضد لاهوت الكلمة جاعلة صيغة المعمودية غير مقبولة نظرًا لخطأ مفهومها وبالتالي فمعموديتهم غير مقبولة وكذلك سياماتهم في الكهنوت وصار المستقر أن يعاد معموديتهم وسيامتهم. وهنا نرى التمييز بين التعامل مع المنشق على أمور ثانوية والمهرطق فيما يخص طبيعة الله ذاته. ويعتبر البعض هذا تعبير عن الوضع السائد في الإسكندرية آنذاك وهو قبول المنشق وإعادة معمودية المهرطق فيما يخص لاهوت الكلمة مثل أتباع بولس الساموساطي أو من يعمد بصيغة خاطئة مثل الأريوسيين الذين عمدوا في اسم الخالق والمخلوق بدل الصيغة الثالوثية المعتادة.

اتخذ ق. كيرلس الأورشليمي (313-386) طريقة أكثر تشددًا إذ أقر بإعادة معمودية الهراطقة اللذين لا تعتبر معموديتهم الأولى معمودية في عظاته التعليمية عن الأسرار الكنسية.

أما ق. أثناسيوس (298-373) فقال إن معمودية الأريوسيين غير مقبولة لأنهم وإن عمدوا بالصيغة الصحيحة إلا أنهم يضيفوا عليها أن الابن مخلوق والروح خادم للآب والابن وإن لم يضيفوا شيئًا فلازال إيمانهم بالابن انه مخلوق وبالتالي لا يعمدوا في اسم الله ولكن في اسم من يعتبروه مخلوق. بالتالي تُعتبر مياه معموديتهم غير نافعة. وعلى الرغم من الترابط بين كرسي الإسكندرية و في مواجهة الأريوسية إلا أن قبل أن يمر أربعين سنة على نياحة ق. أثناسيوس، كانت روما بقيادة البابا انوسنت الأول (401-417) تقر بأن القادمين من الأريوسية والهرطقات الشبيهة، لا تعاد معموديتهم ويقبلوا بالتوبة وتقديس الروح القدس بوضع اليد. وتعد معموديتهم مقبولة بناءً على أنها معمودية على اسم الثالوث وليس في ذلك إقرارًا بأن الروح القدس لا يزال بينهم وفي أسرارهم. بل وفي الإسكندرية نفسها وبعد نياحة ق. أثناسيوس، أقر ق. تيموثاوس الأول (381-384) بابا الإسكندرية بعدم إعادة معمودية الأريوسيين لأنه رأى أنهم لو رأوا أن عودتهم للكنيسة مرتبطة بإعادة التعميد سيرفضوا العودة على سبيل الحرج لذلك سمح بكسبهم للكنيسة بواسطة وضع اليد فقط (الطريقة الأولى قبل استخدام زيت الميرون).

فعلى الرغم من رأي ق. وق. كيرلس الأورشليمي المتشدد إلا أن كل كنيسة محلية احتفظت بطريقتها في قبول المعمودية أو الالتزام بإعادتها حتى في كنيسة اسكندرية.

قوانين ق. باسيليوس:

لم تسد طريقة ستيفن بابا روما من ناحية ولا طريقة ق. كيرلس الأورشليمي أو ق. من الناحية الأخرى بل أصبح رأي ق. هو السائد بأن كل كنيسة محلية يحق لها أن تتبع طريقتها الخاصة في قبول الهراطقة والمنشقين. يتبين هذا من رد ق. (330-379) على أمفلوخيوس في الرسائل التالية:

“الإنكراتيين والساكوفوري والأبوتاكتيتيين لا يتم اعتبارهم على نفس مستوى النوفاتيين حيث إن هناك قانون مختلف يخصهم [أي النوفاتيين]، بينما الفئات الأولى لم يُذكر عنهم شيء. كل هؤلاء [أي كل السالف ذكرهم باستثناء النوفاتيين] أقوم بإعادة معموديتهم. وإن كان بينكم من منع إعادة المعمودية لأجل تدبير ما، ينبغي أن يسود الأساس الذي وضعته. فهرطقتهم تعتبر تفرع من الية فيمنعون الزواج وشرب الخمر داعين خليقة الله ملوثة. لهذا لا نقبلهم في الكنيسة إلا إذا اعتمدوا بمعموديتنا. فلا تصغ لقولهم إنهم اعتمدوا باسم الآب والابن والروح القدس، لأنهم يجعلوا من الله خالقًا للشر كمثال ماركيون وباقي المهرطقين…”
رسالة 199 لأمفلوخيوس

هذا الاقتباس يوضح أن باسيليوس قام بإعادة معمودية من كان إيمانهم بالله أنه صانع للشر أو كانوا متأثرين بأفكار ماركيون ال وأنه ينصح بأن يكون هذا هو النظام السائد إلا أن هذا لا يعد كل ما قاله باسيليوس.
قبل الرسالة السابقة، جاء في القانون الأول للقديس باسيليوس في رسالة أمفلوخيوس رقم 188 ما يلي:

“أما بخصوص سؤالك عن الكاثاري [طائفة غنوسية]، فهناك وثيقة موجودة بالفعل وقد ذكرتني أنه من الصحيح أن يتم أتباع الطريقة المتبعة في كل منطقة لأن هؤلاء اللذين في وقت ما أعطوا قراراتهم في هذه الأمور، كان لهم أراء مختلفة فيما يخص المعمودية. أما معمودية البيبوزيني [طائفة موناتينية]، فيبدو أن ليس لها سلطان؛ فأنا متعجب كيف غاب هذا الأمر عن ديونيسيوس، الذي كان عالمًا بقوانين الكنيسة. السلطات القديمة قررت قبول المعمودية التي لا خطأ في الإيمان المرتبط بها. لهذا ميزوا بين الهراطقة والمنشقين وغير القانونيين. بـ”المهرطقين”، عنوا هؤلاء الذين انفصلوا تمامًا واغتربوا في الأمور الخاصة بصلب العقيدة. بـ”المنشقين”، عنوا من انفصلوا بسبب مسائل كنسية وأسئلة يمكن إيجاد حل مشترك لها. بالجماعات غير القانونية، عنوا التجمعات التي يقودها أساقفة أو كهنة مخلين بالنظام [الكنسي] أو علمانيين غير متعلمين. فعلى سبيل المثال، إن ثبت اتهام شخص بجريمة وحُرم من القيام بواجبات الخدمة ثم رفض المثول للقانون، وبدأ يتغطرس أخذًا لنفسه حقوق الخدمة والأسقفية، فيترك البعض الكنيسة الجامعة ويشاركوه، فهؤلاء يعتبروا جماعة غير قانونية. الاختلاف مع أعضاء الكنيسة فيما يخص التوبة، يعد انشقاق [يبدوا أنه يقصد هنا النوفاتيين]. حالات الهرطقة تخص المانويين والفالنتيين والماركيونيين والبيبوزينيين؛ هؤلاء يأتي معهم الاختلاف بخصوص الإيمان بالله. لهذا يتبين لنا أن السلطات القديمة كانت على حق في رفض معمودية الهراطقة بالكلية، بينما تقبل المنشقين [حسب تفسيره السابق] على أساس أنهم لا زالوا جزءًا من الكنيسة”.

مما سبق يتضح أن ق. باسيليوس كان يُفضل إعادة معمودية الهراطقة ممن مست هرطقاتهم طبيعة الله واعتبر عدم إعادة المعمودية أمرًا جائزًا في بعض الأحوال لتسهيل عملية الانضمام للكنيسة الجامعة في حالة المنشقين والجماعات غير القانونية. في مقالة عن قبول غير الأرثوذكس، يُقر ديف هيث ستايد أنه على الرغم من اعتراف باسيليوس بعدم فاعلية معمودية الهراطقة إلا أنه يعترف بالسماح التدبيري بقبول معموديتهم في أسيا حيث قُبلت معمودية من اعتمدوا باسم الثالوث وسبب هذا التدبير كان التشجيع على الانضمام للكنيسة ولكن الأنكراتيين قد غيروا في ترتيب المعمودية فلم ينطبق عليهم هذا السماح. ثم يعود ق. باسيليوس مرة أخرى فيقول إنه لو جاءت نصيحته بإعادة المعمودية في طريق السماح لهم بالانضمام للكنيسة، فليرجعوا مرة أخرى حسب السماح الذي وضعه الآباء السابقين (يبدو هنا أن ق. باسيليوس يعتمد على مجمع أرلِس الذي أقر فيه الاباء بقبول معمودية الهراطقة). إلا أن ق. باسيليوس يقول إنه في حالة قبول معموديتهم لا بد من رشمهم بالميرون في حضور المؤمنين قبل شركتهم في الأسرار. بعد الاقتباس الوارد سابقًا من رسالة رقم 199 حيث أبدى رأيه في إعادة المعمودية، يرجع فيقول إنه يتمنى أن يجتمع عددًا من الأساقفة ويأتوا بقانون يخص هذه الشيع لتجنب الالتباس. فعلى الرغم من توصيات باسيليوس إلا أنه لم يخف حقائق زمنه حيث اختلفت طرق القبول في الشركة بين أفريقيا حيث ساد المنهج الكبرياني لزمن طويل أو أسيا التي أقرت بلزوم إعادة المعمودية ثم عادت مرة أخرى وقبلتها (كما هو واضح في كتابات ق. باسيليوس) أو روما التي قبلت المعمودية منذ بداية الصراع أو منهج مجمع أرلِس الذي أمر بعدم إعادة المعمودية ولم يتبعه الكل. وهذا يوضح أن طرق القبول في الشركة اختلفت منذ البداية وحتى زمن باسيليوس على الرغم مما جاء في الذي أقر بإعادة المعمودية أو أرلِس الذي أقر بقبول معمودية الهراطقة أو الذي ميز بين النوفاتيين كمنشقين تُقبل معموديتهم من ناحية والمهرطقين من الناحية الأخرى مثل أتباع بولس الساموساطي أو الأريوسيين الذين لم يعتمدوا بالصيغة الصحيحة. فحتى المجامع المحلية والمسكونية لم تحسم الأمر بالقدر الكافي آنذاك.

المجمع المسكوني الثاني 381م

ورد في المجمع المسكوني الثاني المُجتمع بالقسطنطينية في القانون السابع ما يلي:

“من يأتوا للأرثوذكسية ويشاركوا هؤلاء اللذين خلصوا من المهرطقين، نقبلهم بالطريقة المعتادة التالية: الأريوسيين والماكدونيين والساباتيان والنوفاتيينن ومن يدعو أنفسهم الكاثاري والأريستاي والمنشقين بسبب الاحتفال بالقيامة في 14 نيسان والتيتراديين والأبوليناريين، فإننا نقبلهم إذا أقروا كتابةً برفضهم للهرطقات التي ليست حسب كنيسة الله المقدسة الجامعة الرسولية. هؤلاء يدهنوا بالميرون على جباههم وعيونهم وأنفهم وفمهم وأذنيهم. وحين ندهنهم نقول “ختم موهبة الروح القدس” أما أتباع الذين اعتمدوا بالتغطيس مرة واحدة [بدل من ثلاثة] والموناتيين والسابليانيين اللذين علموا أن الابن والآب متطابقين [من حيث الأقنوم] والكثير من الأمور الصعبة وباقي الشيع… نقبلهم كما نقبل اليونانيين. في اليوم الأول نعتبرهم مسيحيين [أي قابلين للإيمان المسيحي] وفي الثاني نعتبرهم موعوظين ثم في اليوم الثالث نصلي عليهم صلاة إخراج الروح النجس بالنفخ 3 مرات في وجوههم وأذانهم وبهذا نعظهم ونجعلهم يقضون وقتًا في الكنيسة ليسمعوا الكتب المقدسة ثم نعمدهم”.

هناك جدل حول القانون السالف ذكره، حيث إنه غير موجود في المخطوطات القديمة حتى أن يوحنا الأنطاكي في أحد رسائله يقر بوجود ستة قوانين لمجمع القسطنطينية ولا يذكر سابع لهم.

ورد القانون في رسالة مارتيريوس (460-470) أسقف أنطاكية الخلقيدوني، الذي عزله الإمبراطور زينون وتعين مكانه ق. بطرس القصار، بعد حوالي ثمانين عام من انعقاد المجمع. ويظن بعض العلماء أن القانون السابع جاء كإضافة متأخرة مبنية على هذه الرسالة. ولكن من الواضح أنه تم الاعتداد بهذا القانون في الشرق سواء جاء في مجمع القسطنطينية أم لا حيث اعتمده مجمع ترلو الخلقيدوني في القرن السابع الميلادي. لا توجد مصادر واضحة عما إذا اعتمدت كنيسة اسكندرية أو إنطاكية على هذا القانون الوارد في رسالة مارتيريوس الخلقيدوني إلا أن ق. كما سنرى فيما بعد يقر أن الاباء بعد مجمع قرطاجنة ميزوا بين الهراطقة والمنشقين وبين من ينبغي إعادة معموديتهم أو إعادة دهنهم بالميرون أو الاكتفاء بالاعتراف بالإيمان ولكنه لا يذكر كل الطوائف التي تندرج تحت كل فئة.

المجمع المسكوني الثالث 431م

انعقد مجمع أفسس عام 431 م ولم يقبله الأنطاكيين حتى عام 433 م حين أعاد ق. (376-444) ويوحنا الأنطاكي (429-441) الشركة مرة أخرى على الرغم من أن الأنطاكيين آنذاك كانوا لا يزالوا معترفين بطوباوية ثيؤدور المبسويسطي وكانوا يقيمون تذكار سنوي له على الرغم من أن ته تعد أساس خريستولوجي . كان قبول ق. كيرلس لهم قائم على صيغة الاتحاد ولم يتطلب الأمر إعادة معمودية أو إعادة رشم بالميرون. سنعود لهذه النقطة بأكثر توسع عند ق. ساويرس الأنطاكي إلا أنه لا يذكر يوحنا الأنطاكي بالاسم ويذكر عوضًا عنه بولس أسقف إيميسا الذي ذهب للاسكندرية للعمل على إعادة الوحدة مع الإسكندرية والتأكيد على شجب كنيسة أنطاكية للنسطورية.

كيف تقيّم هذا المقال؟

← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←

المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء

كن أوّل من يقيّم هذا المقال

بما أن المقال أعجبك..

ربما اﻷفضل مشاركته مع دوائرك كي يحظى بانتشار أوسع

من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا

دعنا نعمل على تحسين ذلك

أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟

جزء من سلسلة: تاريخية إعادة المعمودية[الجزء السابق] 🠼 [1] ما قبل نيقية[الجزء التالي] 🠼 [3] ما بعد خلقيدونية
[2] من نيقية إلى خلقدونية 1
معيد بكلية الثالوث، تورونتو في الأكاديمية البطريركية، تورونتو  [ + مقالات ]

كاتب وباحث دكتوراه اللاهوت اﻷرثوذكسي بكلية الثالوث، تورونتو - بكالوريوس الدراسات الدينية، ماكماستر