أتابع هذه الأيام صفحة أبناء الأنبا ميخائيل كأحد الصفحات المهتمة بترتيب الكنيسة من الداخل، الصفحة نفسها ليست جديدة بل تضم 23 ألف متابع وقت كتابتي هذا المقال، وكان اسمها سابقا “إيبارشيّة أسيوط” ثم عقب مناقشة قرروا تحويلها لاسمها الحالي لفض أيّ ارتباط أو تداخل مع ال. الصفحة مسيحية عَلمانية وتدار من أسيوط ونتمنى لها كل التوفيق في التعامل مع ملفات الإصلاح الكنسي.

لمن لا يعلم، فنيافة ، أسقف مغاغة والعدوة، هو بالأصل من أسيوط، ساحل سليم. وربما لهذا السبب تم اختيارهم لهذه الواقعة مع أنّ أحداثها في محافظة المنيا.

تناولت الصفحة بيان حديث صدر منذ بضعة أيام عن المتحدث الإعلامي لمطرانية مغاغة والعدوة، (هو لم يوقّع باسمه، لكن في العادة هو أستاذ بيتر إلهامي، الشماس الإعلامي للأنبا أغاثون) واعتبرت بيان المطرانية عملية “تشهير” متعمدة للإضرار بسمعة أنثى، خاصة إن البيان تعمد ذكر الاسمين العلماني واسم التكريس، واسم الأب بالكامل والعنوان والرقم القومي. هذا كله بخلاف المفردات التحقيرية المستخدمة، وسوف أسلط بعض الضوء عليها. الصفحة عتمت على البيانات الشخصية للفتاة، كسلوك محترم (ومهني) ولهذا السبب سنعيد النشر من خلال نسختهم المعمّاة وليس من خلال الانتهاك والسلوك اللا أخلاقي للبيان المنسوب للمطرانية والمنشور على صفحتها.

يعني إيه تكريس؟

التكريس هو ابتكار حديث نسبيًا وليس له تأسيس كنسي. الأصل في بيوت التكريس أنها حركات عَلمانية فردانية تعتمد أخلاقيا على “نذر النفس للرب”، ويمكنك اعتبارها نوعًا من الرهبنة داخل العالم، مع التعهد الضميري بأن تكون في خدمة الكنيسة ولست حرًا في قراراتك الشخصيّة.

التكريس في عالم الرجال له رموز كبيرة وناجحة في الدراسات. مثلا كان له دور ضخم فيمَا يُعرف باسم بحلوان في الستينيات والسبعينيات، لكن في عالم النساء فهو حقير جدًا وﻻ يتعدى “استخدام المرأة” في أعمال منزلية بدون مقابل تقريبًا (شغالات منخفضة الكلفة).

أنظر للبيان الصادر عن مطرانية مغاغة والعدوة، وستجد أنه ﻻ يتعامل مع “إنسانه” تقريبًا وإنما شيء، أو طرد، أو سلعة، خصوصًا في مفردات الاستلام والتسليم كما البضائع. فكل المكرسات هكذا.. الأمر أشبه بتطور الجواري وملك اليمين وحركات العبودية، لكن بأدوات دينية ومسحة قداسة حول مسألة “اﻹخلاص لله” في حين واقعيًا هذه البنات تم تعريضهن لمعسكرات “غسيل مخ” في مراحل مبكرة، وتم تدجينهن وعزلهن مجتمعيًا وأسريًا في معسكرات دينية تحت إشراف أساقفة طبعًا، صورة الله على الأرض!

القصة في تنشئتها التربوية تستلهم بشكل كبير نظام معسكرات المماليك في الدولة الأيوبيّة، فالمماليك في أصولهم هم مخطوفين بعيدًا عن أهاليهم وأسرهم وتم تربيتهم في معسكرات معزولة على شيئين: الدين والسلاح. الفرق هنا إنه مع انتشار الفقر ومن ثم ضعف المؤهلات والتعليم، وعدم وجود مستقبل لهؤلاء البنات في الزواج. سلمهن أهاليهن للكنيسة في معسكرات مغلقة ومعزولة على شيئين: الدين وشغل المنزل..!

الأمر يبدو للعقلاء أشبه بنوع متخفي من الاتجار في البشر، لكن بعد تثقيف البشر بثقافة العبيد فيصبح هو نفسه “عبدًا سعيد بعبوديته”. الفتيات الشغالات المكرسات ليس لهن نِقابة تراعي مصالحهن كعاملات، وﻻ أهل يسألون عليهن بعدما تُركن للكنيسة، وﻻ منظمات عمل وﻻ منظمات حقوقية تستطيع الوصول إليهن أو حتى التدخل لمساعدتهن ثقافيًا أو توعويًا وإﻻ سيحدث تصادم مع المؤسسة الكنسية كصاحبة مصلحة من الإتجار في النساء المستخدمات في الأعمال الدنيا كالتنظيف والطبخ والكنس والمسح وغسيل الملابس الداخلية للأساقفة.. و”ببلاش”، مقابل إنها تأكل وتشرب و”بس”!

هؤلاء النساء هن ضحايا “العطاء دون مقابل” عندما رخّصن من مجهودهن وقيمة عملهن فصار الجميع يتعامل معهن كـ”حق مكتسب”. وكما علّمونا أنّ الأسقف “متزوج الإيبارشية”، فالأسقف المتكبر المتعجرف “الدكر”، عادي كدا إنه -بدون سبب وبدون معيار وبدون رقيب عليه- يرجّع المكرسة لبيت أبوها “يستلمها” زي أي حد خد بضاعة ومعجبتوش وبيرجعها!

أكبر مصانع الشغالات المسيحية منخفضة الكلفة هي من إنتاج طما، محافظة سوهاج، المحافظة الأكثر فقرا في مصر، التي تُصدر بضاعتها من “المكرسات” الصيني منخفضة الكلفة والعقل لكل الجمهورية.

أتمنى، في عيد العمال، إن العاملات المحتقرات المكرسات، يحصلوا على بعض الاهتمام.

كيف تقيّم هذا المقال؟

← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←

المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء

كن أوّل من يقيّم هذا المقال

بما أن المقال أعجبك..

ربما اﻷفضل مشاركته مع دوائرك كي يحظى بانتشار أوسع

من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا

دعنا نعمل على تحسين ذلك

أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟

باسم الجنوبي
[ + مقالات ]