بيان الكردينال فريدولان امبونجو، رئيس رابطة المجالس الأسقفية لأفريقيا ومدغشقر.
ترجمة الأب ميلاد صدقي زخاري اللعازري.

أصدر الكردينال Fridolin AMBONGO [فريدولان أمبونجو]، رئيس رابطة رؤساء المجالس الأسقفية لأفريقيا ومدغشقر [SECAM]، ورئيس أساقفة ومتروبوليت كينشاسا، البيان التالي يوم الخميس 11 يناير 2024، وذلك باسم رابطة المجالس الأسقفية لأفريقيا ومدغشقر، وأصدره باللغة الفرنسية الأكثر انتشارا في أفريقيا.

ونظرا لأهمية هذا البيان، في خضم الجدال المثار، استصوبنا فكرة تعريبه، بعد أن تم نشر النص الفرنسي الأصلي الوارد على عدة مواقع على الشبكة العنكبوتية، وخصوصا في مجلة “حامل الرسالة”، العدد 3371، بتاريخ 24 مارس 2024.

الأخوة والأخوات الأعزاء في الرب: سلامٌ ونعمةٌ.

الرسالة التي أنقلها إليكم اليوم قد حظت بموافقة الأب الأقدس، البابا فرنسيس، والكاردينال ، عميد لجنة العقيدة والإيمان، وهي تقدم ملخصًا مدعومًا للمواقف التي اعتمدتها مختلف المجالس الأسقفية، الوطنية والإقليمية، في جميع أنحاء القارة الأفريقية، ردًا على نشر لجنة العقيدة والإيمان لإعلان Fiducia Supplicans الصادرة في ١٨ ديسمبر ٢٠٢٣.

لقد أثار هذا الإعلان موجة صادمة داخل الكنيسة، عائلة الله في أفريقيا، وزرع الكثير من البلبلة والاضطراب في أذهان العديد من المؤمنين العلمانيين والمكرسين وحتى الرعاة، وأثار ردود فعل قوية.إن مجمل أجوبة مؤتمرات الأساقفة الأفارقة يسلط الضوء على الفهم والمقاربة المُشْتَرَكِين من جانبهم. وهو يشمل وجهات نظرهم حول التعليم الثابت عن الزواج داخل الكنيسة، وتفانيهم في العناية الرعويّة التي تطال جميع أعضاء الكنيسة، وموقفهم الموحّد بشأن الاتحادات مثلية الجنس.

عن التعليم الثابت في شان الزواج والحياة الجنسية في مختلف رسائلها: تؤكد المؤتمرات الأسقفية للكنيسة، عائلة الله في أفريقيا، بالتأكيد، ومجددًا، على ارتباطها الراسخ بخليفة مار بطرس، وشراكتها معه، وأمانتها للإنجيل. وهم يعترفون، بشكل جماعيّ، بأن تعليم الكنيسة بشأن الزواج والعائلة يظل ثابتا. وقد لاحظوا جميعًا المقاطع التي أكد فيها إعلان “انعتاق المتوسلون” هذا الموقف التقليدي للكنيسة، واستبعاده صراحة الاعتراف بزواج مثليي الجنس.

هذا الموقف المتأصل في الكتاب المقدس، تم تعليمه دون انقطاع من قِبل السلطة التعليمية الشاملة للكنيسة. ومن ثمّ، فإن الرتب والصلوات التي يمكن أن تطمس تعريف الزواج -باعتباره اتحادًا حصريًا وثابتًا وغير قابل للانفصال بين رجل وامرأة ومنفتح على الإنجاب- تعتبر غير مقبولة.

إن التمييز الذي قام به إعلان “انعتاق المتوسلون” بين البركات ال أو الطقوس الرسمية، والبركات العفوية، لا يقصد فرض تبريكات لغير المتزوجين أسراريًا، أو للثنائيات مثليي الجنس [1]، حتى ولو نصت الوثيقة على أنها “يجب أن تتم خارج الأطر الليتورجية” [2].

عن الرعاية والتوجيه الرعويان من خلال إعلانات المجالس الأسقفية: تؤكد الكنيسة في أفريقيا، كعائلة الله، التزامها مجددًا بمواصلة المساعدة الرعوية لجميع أعضائها. يتم تشجيع ال على تقديم عناية رعوية ذات حفاوة ومساندة، وخاصة للأزواج الذين يعيشون في أوضاع غير أسرارية. كما تؤكد مجالس الأساقفة الأفريقية على أن الأشخاص ذوي الميول مثليّة الجنس يجب أن يعاملوا باحترام وكرامة، في حين نذكّرهم بأن الاتحادات بين الأشخاص من نفس الجنس تتعارض مع إرادة الله، وبالتالي لا يمكنهم الحصول على بركة الكنيسة.

عن الموقف من الاتحادات المثلية والثنائيات من نفس الجنس بصفة عامة: تفضل المجالس الأسقفية -مع الحفاظ على حرية كل أسقف في أيبارشيته- عدم منح البركات للثنائيات من نفس الجنس.

ينبع هذا القرار من انشغال البال بشأن احتمال حدوث البلبلة الكامنة وحصول العثرة داخل جماعة الكنيسة. يصف التعليم الثابت للكنيسة الأفعال مثلية الجنس بأنها “منحرفة في حد ذاتها” [3] ومخالفة للشريعة الطبيعية. هذه الأفعال، بما أنها تقصي عطاء الحياة، وتفتقر إلى التكامل العاطفي والجنسي الحقيقي، يجب ألا تتم الموافقة عليها تحت أي ظرف من الظروف [4].

لدعم هذا الموقف، تعتمد الغالبية العظمى من مداخلات الأساقفة الأفارقة قبل كل شيء على كلمة الله. يستشهدون بالمقاطع التي تدين اللواط، ولا سيما سفر اللاويين [5] حيث يُحظر بشكل صريح ويعتبر رجسًا. يشهد هذا النص التشريعي على هذه الممارسات في بيئة إسرائيل، كما على ممارسات أخرى يحرمها الله، مثل وأد الأطفال [6].

وأضاف أحد المؤتمرات الأسقفية فضيحة لواطيو سدوم [7]. في رواية هذا النص، اللواط ممقوت لدرجة أنه سيؤدي إلى تدمير المدينة.

في العهد الجديد، يدين القديس بولس أيضًا، في رسالته إلى أهل رومية، ما يسميه الوصال المخالف للطبيعة [8] أو الأخلاق سيئة السمعة [9].

علاوة على هذه الأسباب الكتابية، فإن السياق الثقافي في أفريقيا، المتجذر بعمق في قيم الشريعة الطبيعية فيما يتعلق بالزواج والأسرة، يزيد من تعقيد قبول اتحادات أشخاص من نفس الجنس، حيث يُنظر إليها على أنها تتعارض مع المعايير الثقافية، وسيئة في ذاتها.

الإعلان الختامي باختصار: إنّ المجالس الأسقفية في جميع أنحاء أفريقيا، والتي أعادت التأكيد بقوة على شراكتها مع البابا فرنسيس، تعتقد أن البركات غير الليتورجية المقترحة في إعلان “انعتاق المتوسلون”، لا يمكن تنفيذها في أفريقيا دون التعرض للفضائح.

إنهم يذكرون، كما يفعل إعلان “انعتاق المتوسلون” بوضوح، الإكليروس والجماعات الرهبانية وجميع المؤمنين والأشخاص ذوي الإرادة الصالحة، أن تعليم الكنيسة بشأن الزواج المسيحي والحياة الجنسية يبقى دون تغيير.

لهذا السبب، نحن، الأساقفة الأفارقة، لا نعتبر أنه من المناسب لأفريقيا أن يُمنح التبريك للاتحادات أو للثنائيات من نفس الجنس، لأن هذا، في سياقنا، من شأنه أن يسبب بلبلة، وسيكون متعارضًا بشكل مباشر مع القيم الثقافية للجماعات الأفريقية.

إن لغة إعلان “انعتاق المتوسلون” دقيقة جدًا بحيث يستعصي فهمها على البسطاء. علاوة على ذلك، يظل من الصعب جدًا إقناع الأشخاص من نفس الجنس، الذين يعيشون في اتحاد مستقر، بألا يطالبوا بتقنين وضعهم الخاص.

نحن، الأساقفة الأفارقة، نشدد على دعوة الجميع إلى التوبة. بطريقة هوشع، جاء يسوع ليشهد لحنان الله: لم يأتِ ليدعو الأبرار، بل الخطاة [10]. هذا مما لا شك فيه. ولكن يسوع يمد أيضا يده إلى الخاطئ لكي ينهض ويتوب [11]. وبعد أن أظهر الكثير من الرأفة تجاه المرأة الزانية، قال لها: اذهبي ولا تخطئي أيضًا [12]. باعتبارها ملح الأرض ونور العالم [13]، فإن الرسالة الرحيمة للكنيسة هي أن تسير ضد تيار روح العالم [14]، وأن تقدم له الأفضل، حتى ولو كان متطلبًا.

تفضّل بعض الدول مزيدًا من الوقت للتعمق في الإعلان الذي هو، في الحقيقة، يقترح إمكانية هذه التبريكات ولكنه لا يفرضها.

على أية حال، سنظل نفكر في قيمة الموضوع العام لهذه الوثيقة الذي يتجاوز مجرد البركات للأزواج الذين هم في وضع غير أسراري، أي نفكر في غنى البركات العفوية في الرعويات الشعبية.

نعمة وسلام:
نعمة وسلام، بهذه الكلمات المأخوذة عن القديس بولس، بالشركة مع قداسة البابا فرنسيس وجميع الأساقفة الأفارقة، كرئيس لرابطة المؤتمرات الأسقفية في أفريقيا ومدغشقر [SECAM]، أختتم هذه الرسالة داعيًا المجتمعات المسيحية ألا تترك نفسها تتزعزع.

إن قداسة البابا فرانسيس، الذي يعارض بشدة أي شكل من أشكال الاستعمار الثقافي في أفريقيا، يبارك الشعب الأفريقي من كل قلبه ويشجعهم على البقاء مخلصين، كما هو الحال دائمًا، دفاعًا عن القيم المسيحية.

(فريدولان أمبونجو، رئيس رابطة المجالس الأسقفية لأفريقيا ومدغشقر)

هوامش ومصادر:
  1. راجع فقرة 31. [🡁]
  2. راجع الفقرات 31 و 38. [🡁]
  3. مجمع عقيدة الإيمان، رسالة الفرح المسيحي. [🡁]
  4. التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية، رقم 2357. [🡁]
  5. راجع لاويين 18: 22-23. [🡁]
  6. راجع ذبيحة . [🡁]
  7. راجع تكوين 19: 4-11. [🡁]
  8. راجع رومية 1: 26-33. [🡁]
  9. راجع كورنثوس الأولى 6: 9-10. [🡁]
  10. راجع متى 9 : 3. [🡁]
  11. راجع مرقس 1: 5. [🡁]
  12. راجع يوحنا 8 :11. [🡁]
  13. راجع متى 5 : 13- 14. [🡁]
  14. راجع رومية 12: 2. [🡁]

كيف تقيّم هذا المقال؟

← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←

المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء

كن أوّل من يقيّم هذا المقال

بما أن المقال أعجبك..

ربما اﻷفضل مشاركته مع دوائرك كي يحظى بانتشار أوسع

من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا

دعنا نعمل على تحسين ذلك

أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟

كمال زاخر
كاتب ومفكر قبطي في التيار العلماني المصري  [ + مقالات ]

صدر للكاتب:
كتاب: : صراعات وتحالفات ٢٠٠٩
كتاب: قراءة في واقعنا الكنسي ٢٠١٥
كتاب: الكنيسة.. صراع أم مخاض ميلاد ٢٠١٨