المقال رقم 3 من 4 في سلسلة الكتاب المقدس والعلم

بعض المتابعين طلبوا مني حلقة عن حرفية المذكورة في تكوين 1. لكن للأمانة، فهذه الحلقة هي للإجابة فقط عن السؤال الذي يطرح دائمًا بعد النقاش في نظرية الانفجار العظيم، والتي أنتجنا حلقة عنها منذ وقت قريب. لكن، أنا أؤمن بشدة أن التعامل بشكل علمي مع تكوين 1 هو خطأ في حق الرسالة الأساسية التي أرادها الكاتب. لغة الإصحاح الأول في التكوين هي لغة شبه شعرية. ولا ينبغي أن تُقرأ من منظور علمي. ففي هذه الحلقة سنقدم كيف على المسيحية أن يتعامل مع تكوين 1، وفي نفس الوقت سأجيب على حرفية الأيام لأجيب على من يريدوا إجابة على هذا السؤال.

التفسير الحرفي

كما تعرفون، فاليوم المكون من أربعة وعشرين ساعة هو دوران الأرض دورة كاملة حول نفسها في حضور الشمس. فمن يقرروا أن يتعاملوا مع النص بشكل حرفي، دون فهم لمعناه وطبيعته الشعرية، يستخدموا عادةً الترجمات الشهيرة المتاحة والتي تترجم الكلمة العبرية “توهو” بمعنى “بلا شكل”. وإذا اتبعنا آلية تفسيرهم، فالنتيجة الوحيدة التي سنصل لها هي أن الأرض كانت بلا شكل. وبالتالي، لم تكن الأرض كروية. ولو أن الأرض لم تكن بعد كروية، فكيف تدور حول نفسها؟ أكرر هنا أني فقط أجيب السؤال من منظور من يصمموا على التعامل مع النص بطريقة حرفية دون تقدير لطبيعة النص الشعرية. أنا أفضل ترجمة الكلمة العبرية “توهو” بكلمة “خربة” أو “غير مستخدمة”. لكن، من منظورهم، الأرض بلا شكل، وبالتالي ليست كروية. بالإضافة إلى ذلك، الشمس لم تُخلق إلا في اليوم الرابع. كيف إذن للأرض أن تدور حول نفسها دون وجود الشمس؟

التفسير الرمزي

العلامة (من القرن الثالث الميلادي) بحث في هذا الموضوع ثم قال:

“فمن يكن ذو فهم ويتخيل أن اليوم الأول والثاني والثالث والمساء والصباح تتابعوا دون وجود للشمس أو القمر أو النجوم؟ وأن اليوم الأول كان كما لو كان بدون سماء؟ … لا أظن أن يوجد من يتشكك في رمزية هذه الأمور والتي تخفي ورائها ثمة سر أعمق…”

(أوريجينوس السكندري)

كذلك مثلث الرحمات قداسة البابا شنوده الثالث يتفق على أن هذه الأيام لا ينبغي أن تؤخذ باعتبارها أيام مكونة من أربعة وعشرين ساعة. فمن الواضح إذن أن على الأقل من اليوم الأول إلى اليوم الثالث لا تعتبر أيام حرفية. بالإضافة إلى ذلك، النص لا يوضح متى تحولت الأرض إلى شكل كروي. وهذا ببساطة لأن هذا ليس من هدف النص على الإطلاق كما سنرى في الحلقة القادمة على هذا الموضوع.

نقطة أخرى ينبغي أن نأخذها بعين الاعتبار هي أن النص لا يفرق بين الثلاث أيام الأولى والأيام التالية، باستثناء والذي سنبحث فيما يخصه بعد قليل. وبشكل آخر، يمكننا أن نقول أن النص هو نص نظامي جدًا في طبيعته حيث يقدم الستة أيام الأولى. فمثلًا، كل يوم يبدأ بـ”وقال الله” وينتهي بـ”وكان مساء وكان صباح يومًا كذا وكذا”. ولكن لا يوجد في النص ما يوحي بأننا لا بد أن نتعامل مع الثلاثة أيام الأخيرة بشكل مختلف عن الأيام الثلاثة الأولى.

وعلى هذا، يكون طبيعيًا أن نتعامل مع اليوم الرابع حتى السادس بنفس طريقة تعاملنا مع الأيام الثلاثة الأولى، وبالتالي لا يمكن أن يكونوا أيام مدارها أربعة وعشرين ساعة فقط. واليوم السابع هو اليوم الوحيد المختلف في طبيعته حيث إنه يوم مستمر. وهذا يرجع لغياب الجملة “وكان مساء وكان صباح يومًا سابعًا” من النص مما يدل على استمرارية هذا اليوم. لذا فاليوم السابع لا يعد أربعة وعشرين ساعة أيضًا.

بالإضافة إلى ذلك، تكوين 2: 4 ينص على الآتي: “هذا هو تاريخ السماوات والأرض حيث خُلقا يوم خلق الله السماوات والأرض“. وهذه هي نفس السماوات والأرض التي تم الإشارة لها في تكوين 1: 1، والتي تم خلقها على مدار سبعة أيام. فما خُلق على مدار سبعة أيام في تكوين 1: 1، يشار إليه في تكوين 2: 4 على أنه تم خلقته في يوم واحد. من الواضح إذن أن معنى كلمة يوم هنا ليس حرفي.

المعنى العبري لكلمة “يوم”

الأمر الثاني الذي ينبغي أن نأخذه بعين الاعتبار هو أن كلمة “يوم” العبرية، والتي تتكرر في تكوين 1، لها معاني عديدة في العهد القديم.

على سبيل المثال، تكوين 4: 3 استخدم كلمة “يوم” للتعبير عن كلمة “وقت” وليس بمعنى يوم. في ملوك أول 1: 1، تترجم كلمة “يوم” بمعنى سنين. وفي تكوين 40: 4، تستخدم نفس الكلمة للتعبير عن فترة زمنية.

بالإضافة إلى ذلك، فكلمة “يوم” في باقي العهد القديم، تأتي بمعاني مثل “منذ” أو “دومًا” أو “الأبد” أو “العصر” إلى أخره من المعاني. لكن الاختلاف الذي نراه في تكوين 1 هو أن ستة أيام الخليقة ينتهوا بـ”وكان مساء وكان صباح اليوم الفلاني” والذي قد يجعلنا نتخيل أن المعنى المقصود هنا هو يوم مكون من أربعة وعشرين ساعة حيث هناك مساء وصباح. لكن هذه الجملة استُخدمت بسبب الطبيعة الشعرية للنص والتي لها معنى أخر أبعد مما يمكن أن نغطيه في هذه الحلقة. هذا المعنى ينبغي أن يُفهم في إطار ثقافة هذا العصر. ومرة أخرى، على المستوى العلمي، هذه الأيام لا يُمكن أن تؤخذ بشكل حرفي حيث لم تكن الشمس قد خلقت.

“كيف يكون هناك مساء وصباح دون شمس؟”

(أوريجينوس السكندري)

الحجج المضادة لأصحاب المدرسة الحرفية والرد عليها

كرد فعل على الأدلة التي سبق وأتينا بها، فسنجد أن من يختاروا يستخدموا خروج 20: 11 كحجة مضادة. يقول الكتاب المقدس في خروج 20: “لأن في ستة أيام خلق الرب السماوات والأرض والبحر وكل ما فيها واستراح في اليوم السابع. لذا قدس الرب اليوم السابع وباركه“. ولكن هذا يصل بنا إلى إشكالية متعددة الجوانب.

أولًا، لو كان هذا هو الحال، فهناك أسئلة لا بد من إجابتها ولكن لم يتم الإجابة عليها كما سبق وأوضحنا.

ثانيًا، هناك افتراضية موضوعة أمامنا هنا وهي أن الوقت المقضي في تذكار الحدث يتوافق دائمًا مع الوقت المقضي في الحدث نفسه الذي يتم تذكاره. إذن فلو حفظ السبت يتم على مدار أربعة وعشرين ساعة يكون من اللازم أن يكون اليوم السابع في التكوين مدته أربعة وعشرين ساعة. ولكن هذا يعد افتراض غير صحيح كما سبق وأوضحنا. على سبيل المثال، هناك فرق رهيب بين مدة تيه الشعب الإسرائيلي على مدار أربعين عام وعيد المظال الذي يهدف لتذكار هذا التيه والذي يُحتفل به على مدار ثمانية أيام فقط. فالوقت المقضي في الاحتفال بحدث ما لا يعني بالضرورة أن هذا الحدث قضى نفس المدة. كل ما هنالك أن خروج 20 يوجه عيوننا نحو التشابه بين سبعة أيام الخليقة وحفظ السبت…

أخيرًا، ينبغي أن أؤكد مرة أخرى أن أي تحليل علمي لتكوين 1 هو طريقة خاطئة في فهم نص الكتاب المقدس.
إن شاء الرب وعشنا، سنقدم الطريقة الصحيحة في الحلقة القادمة.

هذه المقالة ترجمة لحلقة من سلسلة عن الكتاب المقدس والعلم من تحضير وإلقاء كاهن قبطي أرثوذكسي بشمال أمريكا طلب عدم ذكر اسمه إلا أنه سمح بنشر هذه الترجمات بمعرفتي.

كيف تقيّم هذا المقال؟

← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←

المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء

كن أوّل من يقيّم هذا المقال

بما أن المقال أعجبك..

ربما اﻷفضل مشاركته مع دوائرك كي يحظى بانتشار أوسع

من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا

دعنا نعمل على تحسين ذلك

أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟

‎ ‎ جزء من سلسلة: ‎ ‎ الكتاب المقدس والعلم[الجزء السابق] 🠼 ما هو المعنى الحقيقي لتكوين1؟[الجزء التالي] 🠼 لماذا سبعة أيام؟ ولماذا يستريح؟
أندرو يوسف
معيد بكلية الثالوث، تورونتو في الأكاديمية البطريركية، تورونتو   [ + مقالات ]

كاتب وباحث دكتوراه اللاهوت اﻷرثوذكسي بكلية الثالوث، تورونتو - بكالوريوس الدراسات الدينية، ماكماستر

‎ ‎ نحاول تخمين اهتمامك… ربما يهمك أن تقرأ أيضًا: ‎ ‎