منذ اللحظات الأولى لمجزرة دير جنوب أفريقيا، تواصلت مع بعض الأصدقاء الموثوق فيهم وتواصل معي بعض الأصدقاء المحترمين ممن على صلة سابقة أو حالية بكل الأطراف (سواء المتهمين أو الضحايا) وبعد استئذان الكل، أضع بين أيديكم ما توصلت إليه من معلومات حتى هذه اللحظة، مع التعمية على المصادر التي فضلت عدم ذكر أسمائها.
كبداية، ليس كل الأقباط ذوي الصلة بالأطراف الضحايا يقولون نفس ما قاله قداسة البابا تواضروس الثاني، البعض فعلا يمدح الراهب القمص تكلا الصموئيلي، وكيل إيبارشية جنوب أفريقيا، ويشيد بخدمته ومآثره، لكن هناك ممن يذمون فيه ماليًا وسلطويًا ويصفونه بأبشع الأوصاف، ونحن هنا لسنا بصدد التقييم أو الإدانة (أو الإشادة) ولكني أسرد المعلومات التي حصلت عليها بشكل محايد قدر الإمكان!
دوافع الجريمة
المصري “سعيد”، المتهم بالقتل، هو طالب رهبنة تحت الاختبار، كان في الماضي مدرس لغة فرنسية، ومنذ 20 سنة وهو يتردد على عدد من الأديرة القبطية بغرض تقديم نفسه للرهبنة، وبعد كل فترة اختبار كان يتم رفضه لأسباب تتعلق بسوء السلوك.
ذهب سعيد إلى جنوب أفريقيا، وتقدم للرهبنة هناك [بعض المصادر قالت أن ذلك ربما حدث عن طريق تزكية من الضحية الثانية، الراهب مينا أفا ماركوس نفسه] ولكن كما كان متوقعًا حدثت مناوشات وصدامات كثيرة بينه وبين وكيل المطرانية، الراهب القمص تكلا الصموئيلي وبعض الرهبان الآخرين.
الصدام الأخير كان عندما قرر الراهب القمص تكلا الصموئيلي إخلاء طرفه من الدير وتسفيره [ترحيله] إلى مصر، فجن جنون “سعيد” الذي ارتكب المذبحة انتقامًا منهم! البعض يتوقع أن تم الضغط النفسي عليه من الوكيل والرهبان في أثناء اختبارات الرهبنة، الأمر الذي أوصله إلى حالة اليأس والانهيار تلك، أو ربما هو بالفعل مهتز نفسيًا يحتاج إلى علاج نفسي شامل وليس إلى دير ورهبنة تزيد حالته سوءًا!
وقائع الجريمة حسب المصادر
في حدود الساعة 3.00 إلى 5.00 صباحًا، هاجم “سعيد”، طالب الرهبنة تحت الاختبار، وكيل مطرانية جنوب أفريقيا الراهب تكلا الصموئيلي بسكاكين المطبخ أولًا، فطعنه حوالي 5 طعنات متفرقة في البطن والظهر والرقبة، سقط على أثرها قتيلًا في التو واللحظة دون أدنى مقاومة! وحسب المصادر، فإن الراهب تكلا كان متواجدًا بجوار الكاونتر خلف المائدة (غرفة طعام الرهبان).
بعدها، دخل “سعيد” غرفة الطعام ليجد الراهب الثاني، مينا أفا ماركوس، يعمل فيها، فبادر بمهاجمته وطعنه، لكنه تمكن من الفرار مثخنًا بالجراح، فلحقه في الطريق بين غرفة الطعام وقلالي (صوامع) الرهبان، وسدد له طعنات أخرى فسقط قتيلًا بالقرب من قلاية (صومعة) الراهب الثالث، يسطس أفا ماركوس، الذي ما أن سمع الصراخ صادرا من الضحية الثانية (مينا أفا ماركوس) خرج مهرولًا من قلايته مسرعًا ليجد “سعيد” الذي باغته بالهجوم، وحسب رواية المصادر فيبدو أن الراهب الثالث، “يسطس أفا ماركوس”، قد استطاع مقاومة “سعيد” لفترة، لكن “سعيد” تمكن منه وطعنه طعنات متعددة بكل غِلّ وكراهية حيث يبدو جسده وكأنه لم يبق فيه مكان آخر للطعن!
لا أحد يعلم على وجه التحديد أين كان الراهب الرابع، صموئيل أفا مرقس، لكنه صرح أنه كان ساهرًا لساعات متأخرة من الليل، وبعدما نام، استيقظ على أصوت صراخ بالخارج نحو الفجر، فأعتقد أنها الكلاب تنبح، فعاد إلى نومه مرة أخرى!
عندما حضر العمال إلى الدير في حدود الساعة الثامنة صباحًا، وجدوا المجزرة البشعة وجثث الضحايا، فابلغوا الشرطة على الفور!
عندما حضرت الشرطة، قابلهم “سعيد” بنفسه، وقال أن: اثنين من الأفارقة الملثمين هاجموا الرهبان وقتلوهم.
جدير بالذكر، أن القاتل أيًا من كان، قد ترك أدوات الجريمة “سكاكين المطبخ” بجانب جثث الضحايا، وهو ما كان مؤشرًا للشرطة أن القاتل لم يدخل الدير بغرض القتل وإلا لكان اصطحب معه الأدوات اللازمة لذلك، وتم ترجيح أنه من داخل الدير لطالما الأدوات موجودة بالداخل، بجانب عدم حدوث سرقة أو اختفاء مقتنيات، الأمر الذي يجعل القتل هو القصد الجنائي المباشر.!
ومن الجدير بالذكر أيضا، أن “سعيد” من معارف أو أقرباء الراهب الثاني، مينا أفا ماركوس، ومن نفس قريته بسوهاج، لكن لم يتسن لنا تحديد درجة القرابة بشكل أدق.
كان وكيل المطرانية، الراهب القمص تكلا الصموئيلي، قد حصل في حبرية الأنبا أنطونيوس مرقس، أسقف الكنيسة في إفريقيَا والمسؤول عن الدير، على تزكية برسامته أسقف عام مساعد.
ويعاني الأنبا أنطونيوس مرقس من المرض منذ فترة، وهو قعيد عاجز عن الحراك بعد تعرّضه لجلطة من سنتين أو ثلاثة، ويدير الراهب القمص تكلا الصموئيلي شؤون الدير والمطرانية بالكامل.
كان بعض الرهبان قد تركوا الدير خلال فترة إدارة الراهب القمص الذي صار أسقف عام مساعد، والبعض الأكبر كانت لديه نيّة المغادرة بسبب كثرة الخلافات والصراعات، لكن لسبب الخوف من وصمهم بالعار إذا ما تركوا الرهبنة، ظلوا هناك.
تم القبض على “سعيد” من خلال سير التحقيقات، حيث أشارت كل الاتهامات إليه، سواء من حيث الدوافع، أو تناقض قصته، وتم أيضًا القبض على الراهب الرابع الذي لم يخرج لنجدة زملائه، صموئيل أفا ماركوس، وظهر كلاهما في المحكمة يوم 14 مارس الجاري، والتحقيقات حتى الآن تتهم “سعيد” كمتهم رئيسي، والراهب “صموئيل أفا ماركوس” أيضاً متهم بالتعاون وليس كشاهد!
عند ظهورهما في المحكمة، قال الراهب صموئيل أفا ماركوس أنه لا يعرف لماذا هو ههنا، وأنه لا يعرف الإنجليزية.
أجلت المحكمة القضية إلى يوم 22 مارس الجاري، وذلك حتى يتم الترتيب لحضور المترجمين والمحامين واستكمال الإجراءات.
كيف تقيّم هذا المقال؟
← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←
المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء
كن أوّل من يقيّم هذا المقال
من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا
دعنا نعمل على تحسين ذلك
أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟
نحاول تخمين اهتماماتك… ربما يهمك أن تقرأ أيضا:
- الكنيسة بين “الأبعادية” و”المؤسسية” "مجمعية… مجمعية" شعار يرفعونه مكايدة في البابا الحالي، الأنبا تواضروس الثاني، لغل يده في إدارة الكنيسة، ذلك لأن شعار "مجمعية" تم دفنه وإهالة التراب عليه في عهد البابا شنودة، فكان الآمر الناهي ولا يجرؤ أحد على معارضة أيا من قراراته، ولنا مثال في قرار عزل أستاذ اللاهوت دكتور جورج حبيب بباوي الصادر دون محاكمة قانونية وبتوقيع نحو 66 أسقف من أساقفة الكنيسة وقتها...