منذ حوالي شهرين انتهى عرض مسلسل "زينهم" على الشاشات، وللمصادفة العجيبة وجود رابط بين هذا المسلسل الذي تدور أحداثه في إطار اجتماعي والقضية التي ظهرت على السطح مطلع يناير الماضي بحبس المهندس كيرلس رفعت ناشد بسبب البلاغات بتهمة مثل ازدراء المسيحية المقدمة بحقه من قبل الأنبا بنيامين مطران المنوفية نتيجة خلافات بينهما، وانتهت أخيرًا في 6 فبراير الجاري بحكم 6 أشهر مع إيقاف التنفيذ بحق كيرلس وغرامة 100 ألف جنيهًا و20 ألف جنيهًا تعويض لصالح الأنبا بنيامين، وقدمت هيئة الدفاع عنه استئناف على الحكم وتحدد لها يوم 17 مارس المقبل للنظر أمام القضاء.
والسؤال ما هو الرابط بين مسلسل “زينهم” والطائفية وقضية كيرلس مع مطران المنوفية كما جاء في عنوان المقال؟
المسلسل من تأليف محمد سليمان عبد الملك، إخراج يحيى إسماعيل، بطولة أحمد داود وكريم قاسم وسلمى أبو ضيف، وناقش مجموعة من القضايا التي تمس مجتمعنا أبرزها، وكانت ركن رئيسي في المسلسل هي قضية تحقيق العدالة ومجموعة من القضايا مثل تجارة الأعضاء والتعدي على الأطفال، من خلال حوادث قتل مختلفة يقع على النيابة التحقيق فيها وتمر أغلبها على دكتور زينهم طبيب المشرحة، الذي يسعى من خلال الطب الشرعي معرفة ما حدث للضحايا لمساعدة منظومة العدالة في حل القضايا المختلفة.
قضية الطائفية كانت من ضمن ما ناقش المسلسل، وأحيي المؤلف محمد سليمان عبد الملك، ومشاركيه في الكتابة محمد فتحي عبد المقصود وعمرو مؤمن، فقد مرت بأحداث المسلسل واقعة قتل لشاب مسيحي خلال مشاجرة في “الجيم” مع 3 شباب آخرين، وتقف الأسرة ومعها أحد الكهنة على باب المشرحة في حالة من الغضب والغليان خوفًا من ضياع حق ابنهم لأنه مسيحي، والمتهمين مسلمين.
المسلسل عبر بامتياز عن شعور المواطنين المسيحيين في قضايا وأحداث عنف سابقة خاصة تلك التي وقعت قبل عام 2011م، حيث كان يفلت المجرمين من العقاب، وقدم أيضًا الحل لنزع فتيل احساس مجموعة من المواطنين المصريين بالتهميش والغبن بسبب ديانتهم عبر زينهم طبيب المشرحة الذي مارس عمله بمنتهى الاحترافية، لمعرفة ماذا حدث للشاب القتيل، وتقديم ذلك لهيئة المحكمة لحل القضية ومعاقبة الجاني، فمَا كان من الأسرة التي تغلي وتشكك في نزاهة أجهزة ومؤسسات الدولة المختلفة أن تقدم الشكر لطبيب المشرحة ووكيل النائب العام على تحقيق العدالة ومحاسبة المخطئ.
نعود لقضية كيرلس ومطران المنوفية وعلاقتها بالمسلسل، فهناك نزاع بين المهندس والمطران، وصل إلى أروقة القضاء عبر تقديم بنيامين لبلاغات ضد كيرلس كانت نتيجتها حبس شاب وتهديد مستقبله المهني بالفصل من عمله كمعيد في كلية الهندسة بجامعة المنوفية، ورغم وقوف المطران وراء كل تلك البلاغات إلا أنه عندما وجُه له سؤال يطالبه بحل القضية وديًا والتنازل تنصل من مسؤوليته عن البلاغات، ورمى الكرة في ملعب أجهزة الأمن وقال: “إن الأحباء في الأمن هم من حبسوا كيرلس وليس له يد في ذلك”، ومرة أخرى يخرج على الهواء في نفس توقيت عقد أول جلسة محاكمة لكيرلس ليتنصل أيضًا من مسؤوليته، ويعلن أن “المسؤولين يقدرونه فوزارة العدل أمرت النيابة بالقبض على كيرلس”، وأنه ليس له علاقة بالقضية، فيورط أجهزة الدولة مع كافة المواطنين المسيحيين، ويشعرهم أنهم مستباحين لأصحاب العلاقات والنفوذ.
لكن الواضح والجلي خلال تلك القضية أن الأجهزة الأمنية لم تقبض على كيرلس كما أشاع المطران بل عرف الشاب يوم 3 يناير الماضي في أثناء محاولته لعمل محضر لما حدث معه في الكنيسة أن هناك بلاغ مقدم ضده منذ شهر نوفمبر 2023 من قبل مطران المنوفية فسلم نفسه طواعية لجهات التحقيق، وبينما أشاع بنيامين أنه يستخدم نفوذه وعلاقاته بمؤسسات وقيادات الدولة المختلفة فيجاملونه لحبس خصومه الفكريين فإن حكم المحكمة بحق كيرلس مع إيقاف التنفيذ مع قبول الاستئناف يؤكد بأن ما روجه مطران المنوفية طوال الشهر الماضي عن مجاملة مؤسسات الدولة له غير صحيح وغير حقيقي، خاصة أنه خرج مرة أخرى للتلاعب بنا كمتابعين لتلك القضية بإصدار بيان بتاريخ 5 فبراير أي قبل جلسة النطق بالحكم بيومٍ واحدٍ، ليوحي بأنه تنازل، وهذا غير حقيقي أيضًا، لأن القضية كان تم حجزها للنطق بالحكم، وهو ما تم ولم يحدث تنازل أو مصالحة من المطران.
الأمر الأخير، هو إننا نشجع أجهزة ومؤسسات الدولة المختلفة على تطبيق القانون على الجميع دون النظر لأية اعتبارات أخرى، أو محاولة إحداث موائمات، فكما حدث من خلال أحداث المسلسل ومن خلال قضية الأنبا بنيامين ضد كيرلس، فإن تطبيق القانون هو الضامن الوحيد لنزع فتيل الطائفية من المجتمع، وأن يشعر المواطنين جميعًا بأنهم متساوون.
كيف تقيّم هذا المقال؟
← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←
المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء
كن أوّل من يقيّم هذا المقال
من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا
دعنا نعمل على تحسين ذلك
أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟
باحث وكاتب صحفي متابع للشأن الكنسي وشؤون الأقليات.
زميل برنامج زمالة الأقليات- مكتب المفوض السامي لحقوق لإنسان- الأمم المتحدة، جنيف/ ستراسبرج 2023.
زميل برنامج "الصحافة للحوار" مركز الحوار العالمي (كايسيد) لشبونة 2022.