ما زالت حرية الفكر والتعبير، بل والمناقشة الحرة، في مصر، تعاني بشدة، ومع الوقت تزيد وتتطور، لدرجة أصبح من الصعب تصديقها.
طالما كنا نسمع عن معاناة الأقباط في مصر والتمييز ضدهم، واستخدام ما يسمي بقانون “ازدراء الأديان”، ضد أي مفكّر يناقش أو يعترض علميًا أو عقيديًا مع الأصوليّة الإسلاميّة، وكثيرًا ما تكلم الأقباط والمسلمين المنفتحين ضد هذا القانون، وأيضا وقف كثيرون من القضاة الشرفاء ضده.
قانون ازدراء الأديان: هو قانون ينتمي لعصور الإمبراطوريات الدينية الثيوقراطية وليس للحكم المدني، وهو شبيه بقانون التجديف في محاكم التفتيش في العصور الوسطي، أو قانون التجديف الذي نستخدمه حكومة طالبان في أفغانستان ضد كل من يعترض على فاشيتهم الدينية.
قانون أزدراء الأديان شاع استخدامه ضد مسيحيين بتهمة ازدراء الدين الإسلامي خلال مناظرات دينية مع أطراف أصوليّة، وعادة ما يتم غض الطرف عن تطاول المسلمين على العقائد المسيحية والتي تصل حتي وصفها ب “الكفر”
عادة ما تستخدم تهمة ازدراء الأديان أيضا ضد العلمانيين المسلمين عند توجيههم انتقادات أو أسئلة بخصوص الدين الإسلامي.
نادرًا ما يتم تسجيل حالة إدانة بتهمة ازدراء الدين المسيحي. وهو قانون لقمع الحرية الفكرية، وللتمييز الديني.
عقوبة “أزدراء الأديان” هي الحبس، وقد وصل الأمر لسجن أطفال مسيحيين بتهمة ازدراء الدين الإسلامي [1].
ولكن ما حدث مؤخرًا في مصر وبالتحديد يوم الأربعاء 3 يناير 2024، يصعب تصديقه، إذ أنه، ولأول مرة، يري الأقباط قضية مشابهة، ولكن هذه المرة تم توجيه التهمة من الكنيسة متمثلة في شخص مطران إحدى المحافظات الكبري، ضد أحد أبناء الكنيسة المتعلمين، وهو الشاب كيرلس رفعت ناشد، والذي يشغل وظيفة مدرس بالجامعة، بكلية الهندسة.
كان كيرلس قد قدم العديد من التساؤلات في الدين، في مسائل فرعيّة لا تعدّ من أساسيات الإيمان المسيحي، والتي فشل الكهنة والمطران من الإجابة المنطقية عليها، وأتهموه جزافًا بعدم استقامة الإيمان على خلاف القانون الكنسي، فهاجمهم الشاب بأسلوب عنيف جدا، قد تتفق أو تختلف مع أسلوبه، لكن لا يمكن تصنيفه في خانة ازدراء الأديان.
لم يصدق الأقباط ما يرون وما يسمعون لأوّل مرة في تاريخهم، و أعربوا عن استيائهم وشجبهم واستنكارهم لأفعال المطران، وبدؤوا حملة ضد المطران علي صفحات التواصل الاجتماعي، يطالبون فيها بالتنازل عن القضية ضد المهندس الشاب، خاصة وأنّه تم القبض عليه وحبسه احتياطيًا علي ذمة القضية وذلك قبل ليلة عيد الميلاد بيومين.
لم يكن رد فعل المطران غير متوقع، فقد رفض توسل عائلة الشاب وسخر من أمه العجوز الأرملة، حين رجته أن يتحنن عليهم ويطلق ابنها قبل ليلة الميلاد.
لقد وقف المطران يصلّي ويحتفل بالعيد بينما قضي الشاب ليلته خلف القضبان، وعائلته تفترش الشارع في مدينة غريبة، ليس لهم فيها مكان، ولا قريب، لقد شاركوا المسيح بالحق والحقيقة في ميلاده العجيب، إذ لم يكن هناك من يعرفهم ليأخذهم إلي بيته، فهم غرباء، كما كان المسيح غريبًا.
كيف لكنيسة تستخدم هذا القانون المعيب مع أولادها، أن تطالب الدولة بعدم استخدامه مع المسيحيين؟
نحن نطالب بشدة بإلغاء هذا القانون الفاشي، وندعو إلى مواجهة الفكر بالفكر وليس بالسجن.
د. وديع منصور
ألمانيا ٨/ ١/ ٢٠٢٤
كيف تقيّم هذا المقال؟
← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←
المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء
كن أوّل من يقيّم هذا المقال
من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا
دعنا نعمل على تحسين ذلك
أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟