الله سبحانه ليس هو علِّة الوجود فقط، بل هو علِّة الحياة في هذا الوجود.

هذا مشروح في مقدمة الإصحاح الأول في إنجيل يوحنا حيث يقدم لنا شخص الله أنه ”الله الكائن“، و ”الله الحي“، ”في البَدْء كان الكلمة، والكلمة كان عند الله، وكان الكلمة الله. هذا كان في البَدْء عند الله”،  = الله هو الكينونة ذاتها.

”كل شيء به كان، وبغيره لم يكن شيء مما كان“ = الله هو مصدر كينونة كل الكائنات.

”فيه كانت الحياة، والحياة كانت نور الناس“ = هو ”الله الحي“.

فإن أهم إعلانات الله لنا عن ذاته: إنه الوجود والحياة وأنه يعطينا الوجود والحياة، ثم يضيف إنجيل يوحنا في إعلانه عن إيجابية وجود الله وحياته أنها لا تقتصر فقط علي نعمة الخلق، التي بها يعطينا مِن وجوده و حياته، بل أن الله لا يمكن أن يقف من خليقته موقفًا سلبيًا، لذلك يقول إنجيل يوحنا: ”والنور يضيء في الظلمة، والظلمة لم تدركه“، فالله يعلن تدخله في الكون بوجوده وحياته، ليصلحه ويعلن سيادته بأنه ضابط الكل. فالقوة الإلهية هي مظهر لوجود الله وحياته، والاعتراف بالقوة الإلهية هو اعتراف بوجود الله وحياته.

لذلك امتلأ الكتاب المقدس بالتعبير عن وجود الله الحي بتشبيه الله بالصفات الإنسانية (النظر، الشم، له يدين وقدمين، يفتح ويغلق، يتكلم ويفرح.. الخ). ولكن تلك التعبيرات ليست تحديدًا لطبيعة الله الحي. بل علينا أن نرى في كل هذه الأوصاف ديناميكية الحياة التي لله الحي، وليس تحوّل الطبيعة الإلهية إلى مستوي الطبيعة الإنسانية.

إن نزول المن والسلوي لبني إسرائيل في البرية ليأكلوا، يمكن أن يدخل ضمن استعلان الله لذاته أنه ”الله الحي“ من خلال تدخله بقدرته في استمرار هذه الآية الخارقة على مدى سنوات التيه في البرية التي أعطت الوجود والحياة لبني إسرائيل في الصحراء أربعين سنة. والتجسد الإلهي ليس ببعيد عن إعلان الله لذاته أنه ”الله الحي الموجود“، ليس فقط بآيات خارقة في الطبيعة، ولكن الإعلان كان هذه المرة في صميم طبيعة الإنسان بأن ”الكلمة صار جسداً وحلَّ بيننا“.

فكل التشبيهات التي أعلن الله عن ذاته بها في تاريخه الطويل مع الإنسان ربما جدير بنا أن نرى أستمرارها متجسدة في يسوع المسيح ”الله الظاهر في الجسد“.

ومرة أخرى نؤكد أن التجسد الإلهي ليس تحديدًا لطبيعة الله الحي، أو أن الطبيعة الإلهية تحولت أو انحصرت في الطبيعة الإنسانية. فالكتاب يؤكد أن ”ليس أحد صعد إلى السماء إلا الذي نزل من السماء ابن الإنسان (ابن الله) الذي هو في السماء“ (يوحنا 3: 13).

ولكن التجسد الإلهي هو استمرار لتأكيد الإعلان عن تدخل ”الله الحي“ في الكون ومصير خليقته وإعلان سيادته.

وهكذا ”كما كان هكذا يكون“ في كل عصر وآوان يُظهِر الله أنه ”الضابط الكل/ البانتوكراتور“، ذلك من خلال عمله في الوجود سواء في عناصر الطبيعة أو المخلوقات لكي تؤدي عملًا معينٍا أو تكف عن أداء وظيفة معينة وذلك تحقيقًا لتدبير الله السرمدي.

وبناءً على ذلك رأينا تدخل الله بالتجسد الإلهي لينهي موت الإنسان الخاطئ ويبدد ظلمته، ثم يجدد خليقة الإنسان بأن يسكب فيها حياته: “الشعب الجالس في ظلمة أبصر نورا عظيمًا، والجالسون في كورة الموت وظلاله أشرق عليهم نور».”. (إنجيل متي 4:  16)، ”فإن الحياة أُظهِرت، وقد رأينا ونشهد ونخبركم بالحياة الأبدية التي كانت عند الآب وأُظهِرت لنا“.

كيف تقيّم هذا المقال؟

← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←

المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء

كن أوّل من يقيّم هذا المقال

بما أن المقال أعجبك..

ربما اﻷفضل مشاركته مع دوائرك كي يحظى بانتشار أوسع

من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا

دعنا نعمل على تحسين ذلك

أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟

التجسد الإلهي.. لماذا يستغربه البعض؟ 1
[ + مقالات ]