في كبسولات الـ"تيك أوي" التي يكلمنا فيها الأنبا بنيامين مطران المنوفية، في كنيسة الإسكندرية القبطية الأرثوذكسية، يقول إنّ الأسقف "يمثل الله أمام الشعب، ويمثل الشعب أمام الله"، لكن، شتان الفارق بين الوسيط بين الله والناس، "المسيح"، وبين من يدعي أنه يمثله. فالمسيح احتوى ضعفات الناس، وانتهر بطرس الذي قطع أذن عبد رئيس الكهنة عند القبض عليه وشفاه، في حين، الأنبا بنيامين يُدخل مخدوميه إلى أققاص الاتهام، ويتعامل مع الناس بفوقيّة وبسلطان الغطرسة بدلًا من أن يقدم لهم نموذج الأبوّة والرعاية، حيث تقدم المحامي الخاص به وبعض كهنة المنوفية ببلاغ ضد المهندس كيرلس رفعت ناشد المعيد بكلية الهندسة جامعة المنوفية، بخمس اتهامات منها التعدي على المبادئ والقيم الأسرية وازدراء المسيحية.
اللافت للنظر هنا، أنّ الأنبا بنيامين قد عانى بنفسه من الاعتقال وسلب الحرية في أيام الرئيس السادات، أيضا عانى كثير من المستنيرين استغلال بعض المحامون المتطرفون للمادة (98و) من قانون العقوبات، وتم اتهامهم بازدراء الدين الإسلامي، وها هو الأنبا بنيامين يتخندق معهم ويستغل نفس المادة في تقديم اتهام مماثل ضد أحد المصلّين في كنيسته، وهو محبوس الآن على ذمة التحقيقات منذ يوم 3 يناير الجاري.
كيرلس ليس الحالة الأولى التي تصطدم بمطران المنوفية وسياسة الحديد والنار التي يتبعها مع أبناء الكنيسة في الإيبارشية، فقد سبقه كثيرين، خاصة مع القرارات المتعسفة التي تتدخل في فرحة الناس في الاحتفال بالزفاف، حيث يمنع إقامة صلوات الإكليل “الفرح” لمن يلجأون في بيوتهم للاحتفال بالأغاني والموسيقى، ويتوسع في استخدام سلطان باطل بحرمان الناس من الاتحاد بالمسيح [أي “الحرمان من التناول”]، لمن يعصى أوامره، كما يتدخل في ملابس الفتيات، حيث يركز على ظواهر الأمور، ولا تقدم الكنيسة في المنوفية الرعاية اللازمة لأبنائها، ولا معرفة المسيح فتتخلى عن دورها الحقيقي في العبادة وتمارس التسلط والاستعباد.
“ظاهرة صحية” كانت هذه إجابة الأنبا بنيامين في حوار صحفي سابق مع الزميل ريمون ناجي في جريدة البوابة، حين سُئل عن مجموعات من يسمون أنفسهم “حماة الإيمان” الذين يتعدون بالقول على البابا تواضروس الثاني، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، والذين وصفوا الأسقف المقتول غدرًا، الأنبا إبيفانيوس، رئيس دير الأنبا مقار، بـ”المهرطق”، ونفس الأمر مع أي شخص يرون أنه “مستنير” سواء كان من الأساقفة أو الكهنة أو العلمانيين، فلماذا لم يفرح بهذه الظاهرة الصحية، ويحتمل انتقادات كيرلس الذي لم يختلف في طريقة التعبير كثيرًا عن حماة الإيمان، بل ربما أقل منهم، وعلى العكس كيرلس لديه مواقف مباشرة مع الأنبا بنيامين وبعض الكهنة، في حين مجموعات ادعاء حماية الإيمان لا توجد مواقف شخصية بينهم وبين البابا، ولم يمارس عليهم سلطان الحرمان، بل يصمت ويتسامح مع التعدي عليه بالقول، ولم يتخذ موقف واحد قانوني تجاه أي منهم.
الواقعة الحالية هي الأولى من نوعها، فكرة أن يتسبب أسقف من الكنيسة في حبس أحد أبناء الإيبارشية المسؤول عنها، تفتح الباب حول دور العلمانيين المسيحيين [أي شخص ليس من الإكليروس وليس لديه رتبة كهنوتية يطلق عليه لفظة علماني] في الرقابة الجماهيرية على الكنيسة، وفي محاسبة الإكليروس الذين يتصرفون باعتبارهم مُلاّك الكنيسة، حيث يُعطى لهم سلطان مطلق دون أيّ رِقابة عليهم، ويتصرفون كيفما يشأون ولا يسمحون لأحد أن يعارضهم أو يسألهم بدعوى أنهم وكلاء المسيح، حتى أفقنا من نومنا ونحن نرى كل أسقف يتعامل على أن الإيبارشية المسؤول عنها مجرد أبعادية، أو عزبة، أو مملكة خاصة، لا يمكن أن يتدخل أحد ويتجرأ ويسأله عما يفعل، فلا توجد مجالس رقابية من العلمانيين الذين من المفترض لهم دور في إدارة شئون الكنيسة مع الإكليروس، ولا يوجد سن للتقاعد، ولا تسمح قوانين الكنيسة باستبدال الأسقف، ودرزينة إدارية متهالكة توقف تطويرها منذ مجمع نيقية.
الآن هل يمكن أن يتدخل البابا ومجمع الأساقفة للفصل بين مطران المنوفية وكيرلس الذي أصبح مستقبله المهني كمعيد بكلية الهندسة على المحك، أم أن مطران المنوفية لا يمكن محاسبته من مجمع الأساقفة على تصرفاته تجاه رعيته التي تئن من ممارسة السلطوية في المنوفية؟
فإن كان لكم محاكم في أمور هذه الحياة، فأجلسوا المحتقرين في الكنيسة قضاة!
لتخجيلكم أقول. أهكذا ليس بينكم حكيم، ولا واحد يقدر أن يقضي بين إخوته؟(رسالة بولس الرسول الأولى إلى أهل كورنثوس 6: 4-5)
كيف تقيّم هذا المقال؟
← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←
المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء
كن أوّل من يقيّم هذا المقال
من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا
دعنا نعمل على تحسين ذلك
أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟
باحث وكاتب صحفي متابع للشأن الكنسي وشؤون الأقليات.
زميل برنامج زمالة الأقليات- مكتب المفوض السامي لحقوق لإنسان- الأمم المتحدة، جنيف/ ستراسبرج 2023.
زميل برنامج "الصحافة للحوار" مركز الحوار العالمي (كايسيد) لشبونة 2022.