موسى نبي… محمد نبي… وكل من له نبي يصلي عليه!  فماذا عن (عيسى) المسيح؟

يتشابه ال والنبي محمد تاريخيًا واجتماعيًا في عبقرية قيادة شعب بدائي غير متحضر عن طريق شريعة حاكمة ضابطة للإنسان والمجتمع بالحديد والنار وصلاحيتها لها صبغة سماوية.

فالشعب العبري كان مستعبدًا في مصر حسب العهد القديم، وشعوب شبه الجزيرة العربية كانت مثله مستعبدًة لحياة بدائية. ولم يكن متاحًا لهم نظام اجتماعي متحضر. ولم ينعموا بفرصة للتعليم والرقي والتفكير. 
افتقد الشعب وجود أجهزة قضائية لإصدار الأحكام وفض المنازعات وأجهزة شرطية لتنفيذ أحكام القانون، ولا سجون وما إلى غير ذلك.

ولقد تمخضت عبقرية النبيين موسى ومحمد في أن يجعلا من الشريعة نفسها أداة الحكم وإدانة الأخطاء والمخطئين، وأن يجعلا من المجتمع رقيبًا على تنفيذ الشريعة ومن الإنسان نفسه منفذًا للشريعة على غيره.

ومن أمثلة ذلك في شريعة موسى نبي اليهود أن الأخ يقتل أخيه المرتد بنفسه:

وَإِذَا أَغْوَاكَ سِرًّا أَخُوكَ ابْنُ أُمِّكَ، أَوِ ابْنُكَ أَوِ ابْنَتُكَ أَوِ امْرَأَةُ حِضْنِكَ، أَوْ صَاحِبُكَ الَّذِي مِثْلُ نَفْسِكَ قَائِلًا: نَذْهَبُ وَنَعْبُدُ آلِهَةً أُخْرَى لَمْ تَعْرِفْهَا أَنْتَ وَلاَ آبَاؤُكَ مِنْ آلِهَةِ الشُّعُوبِ الَّذِينَ حَوْلَكَ، الْقَرِيبِينَ مِنْكَ أَوِ الْبَعِيدِينَ عَنْكَ، مِنْ أَقْصَاءِ الأَرْضِ إِلَى أَقْصَائِهَا، فَلاَ تَرْضَ مِنْهُ وَلاَ تَسْمَعْ لَهُ وَلاَ تُشْفِقْ عَيْنُكَ عَلَيْهِ، وَلاَ تَرِقَّ لَهُ وَلاَ تَسْتُرْهُ،  بَلْ قَتْلًا تَقْتُلُهُ. يَدُكَ تَكُونُ عَلَيْهِ أَوَّلًا لِقَتْلِهِ، ثُمَّ أَيْدِي جَمِيعِ الشَّعْبِ أَخِيرًا. تَرْجُمُهُ بِالْحِجَارَةِ حَتَّى يَمُوتَ، لأَنَّهُ الْتَمَسَ أَنْ يُطَوِّحَكَ عَنِ الرَّبِّ إِلهِكَ الَّذِي أَخْرَجَكَ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ مِنْ بَيْتِ الْعُبُودِيَّةِ. فَيَسْمَعُ جَمِيعُ إِسْرَائِيلَ وَيَخَافُونَ، وَلاَ يَعُودُونَ يَعْمَلُونَ مِثْلَ هذَا الأَمْرِ الشِّرِّيرِ فِي وَسَطِكَ.

(سفر التثنية 13: 6-11)

وكذلك تأمر الجماعة برجم الزانية المتلبسة:

يُخْرِجُونَ الْفَتَاةَ إِلَى بَابِ بَيْتِ أَبِيهَا، وَيَرْجُمُهَا رِجَالُ مَدِينَتِهَا بِالْحِجَارَةِ حَتَّى تَمُوتَ، لأَنَّهَا عَمِلَتْ قَبَاحَةً فِي إِسْرَائِيلَ بِزِنَاهَا فِي بَيْتِ أَبِيهَا. فَتَنْزِعُ الشَّرَّ مِنْ وَسَطِكَ.

(سفر التثنية 22: 21)

و الابن العاق الذي يشهد عليه أبواه يرجمه كل أهل الحارة:

إِذَا كَانَ لِرَجُل ابْنٌ مُعَانِدٌ وَمَارِدٌ لاَ يَسْمَعُ لِقَوْلِ أَبِيهِ وَلاَ لِقَوْلِ أُمِّهِ، وَيُؤَدِّبَانِهِ فَلاَ يَسْمَعُ لَهُمَا. يُمْسِكُهُ أَبُوهُ وَأُمُّهُ وَيَأْتِيَانِ بِهِ إِلَى شُيُوخِ مَدِينَتِهِ وَإِلَى بَابِ مَكَانِهِ، وَيَقُولاَنِ لِشُيُوخِ مَدِينَتِهِ: ابْنُنَا هذَا مُعَانِدٌ وَمَارِدٌ لاَ يَسْمَعُ لِقَوْلِنَا، وَهُوَ مُسْرِفٌ وَسِكِّيرٌ. فَيَرْجُمُهُ جَمِيعُ رِجَالِ مَدِينَتِهِ بِحِجَارَةٍ حَتَّى يَمُوتَ. فَتَنْزِعُ الشَّرَّ مِنْ بَيْنِكُمْ، وَيَسْمَعُ كُلُّ إِسْرَائِيلَ وَيَخَافُونَ.

(سفر التثنية 21: 18- 21)

ولا يختلف الأمر كثيرًا في شريعة نبي العرب. ولن أطيل بأمثلة في ذلك.

وبهذا نجح النبيان موسى ومحمد في وضع إطار ضابط ومُحكَم ومخيف لتنفيذ الشريعة التي وضعها لشعبه، خاصةً أنها منسوبة إلى الله، فمن يعصى شريعة موسى أو محمد فهو يعصى الله نفسه. ومن ثمَّة فهو مستحق الرجم أو القطع أو أي عقوبة أخرى على الأرض، فضلًا على عقوبة نار جهنم في الأخرة. وبالإضافة إلى حاجز الخوف الذي وضعته شريعة موسى وشريعة محمد من انتقام الله من المخطئين، فقد جندت الشريعة المجتمع كله للحكم على بعضه وتنفيذ الشريعة، وهذا ما أوجد مجتمعًا مستغرقًا في الازدواجية والرياء.

فبينما الجميع مهزومين من أخطائهم وخطاياهم فإنهم في نفس الوقت لهم صورة التدين وطاعة الشريعة. وكل منهم يدين ويحكم على نقائص أخطاء غيره. بل وكلما بالغ في الحديث باسم الشريعة وإدانة الآخرين على مخالفاتهم، كلما يبدو في عين نفسه وربما غيره أنه أكثر تدينًا وبرًا وإكرامًا لشريعة الله ونبيه عبد الله ورسوله.

إن الموروث العبري والعربي بما تأسس عليه من شريعة أنشأ الإدانة والغضب والانتقام باسم التأديب والتقويم لأخطاء بعضنا وأبنائنا وزوجاتنا وأزواجنا. فتجد أن رد الفعل الأكثرين على أخطاء الآخرين بل والقريبين هو التنمر والغضب والانتقام والعقاب، 
هذه الحالة المجتمعية نقلها لنا بولس رسول المسيحية في رسالته إلى أهل غلاطية:

فَإِذَا كُنْتُمْ تَنْهَشُونَ وَتَأْكُلُونَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا، فَانْظُرُوا لِئَلاَّ تُفْنُوا بَعْضُكُمْ بَعْضًا

(رسالة بولس إلى غلاطية 5: 15)

إن أسلوب الأنبياء الدموي والإبادة الجماعية قبل مجيء المسيح كان مرجعه عجز الشريعة والقانون -أيًا كان النبي الذي أتي بها- عن تغيير الإنسان وشفائه بتجديد طبيعته البشرية. فكانت إبادة الشعوب هي الحل لديهم.

ففي الموروث اليهودي مثلًا: بدلًا من أن يقدموا أطفالهم ذبيحة للصنم ”مولك”، قام النبي والقائد ورجاله بذبح هؤلاء الأطفال مع أهاليهم في أريحا.

لا شك أن العدد الهائل من أحداث القتل والإهلاك والحروب التي امتلأ بها تاريخ الأنبياء بتطبيق الشريعة عند اليهود والعرب من أوامر النهب والقتل والحرق واسترقاق النساء والأطفال تؤكد حقيقة واحدة أن: الموت قد مَلَك على البشرية (رسالة بولس إلى رومية 5: 14)،  وبالموت مَلَكَ مَن له سلطان الموت أي إبليس:

فَإِذْ قَدْ تَشَارَكَ الأَوْلاَدُ فِي اللَّحْمِ وَالدَّمِ اشْتَرَكَ هُوَ أَيْضًا كَذلِكَ فِيهِمَا، لِكَيْ يُبِيدَ بِالْمَوْتِ ذَاكَ الَّذِي لَهُ سُلْطَانُ الْمَوْتِ، أَيْ إِبْلِيسَ

(رسالة بولس إلى العبرانيين 2: 14)

فَنَظَرْتُ وَإِذَا فَرَسٌ أَخْضَرُ، وَالْجَالِسُ عَلَيْهِ اسْمُهُ الْمَوْتُ، وَالْهَاوِيَةُ تَتْبَعُهُ، وَأُعْطِيَا سُلْطَانًا عَلَى رُبْعِ الأَرْضِ أَنْ يَقْتُلاَ بِالسَّيْفِ وَالْجُوعِ وَالْمَوْتِ وَبِوُحُوشِ الأَرْضِ

(سفر رؤيا يوحنا 6: 8) 


لأَنَّ رَئِيسَ هذَا الْعَالَمِ يَأْتِي وَلَيْسَ لَهُ فِيَّ شَيْءٌ.

(إنجيل يوحنا 14: 30)

نَعْلَمُ أَنَّنَا نَحْنُ مِنَ اللهِ، وَالْعَالَمَ كُلَّهُ قَدْ وُضِعَ فِي الشِّرِّيرِ

(رسالة يوحنا الأولى 5: 19) 

لقد أنبأ اللهُ َ أن بسقوطه قد تغرَّبَ عن حياة الله وبذلك صار عبدًا للشيطان الذي كان قتالًا للناس منذ البَدْء، وأن سوف يقتل نسل ”هو يسحق عقِبك“. وكشف الله من خلال شريعة موسى”أجرة الخطية موت“ أي إن الموت هو مصير الإنسان لأنه صار أسيرًا لإبليس بالخطية.

ولكي لا يظن البشر أن سلطان إبليس أي ”موت الخطية“ يجعل منه إلهًا موازيًا لله الواحد سبحانه، لذلك تحاشى موسى النبي أن ينسب إلى الشيطان أيًا من أعمال القدرة، حتى الشريرة منها مثل الموت بسبب الخطية. هكذا سجَّلت الشريعة ذلك المصير للإنسان وكأن الله هو المُنشِئ له، بينما الشريعة كانت كاشفة له فقط. وبذلك فإن الشيطان حتى في تسيّده على الإنسان بموت الخطية كان بسماح من الله عن طريق الشريعة.

وبهذا حافظت ال على عبادة الإله الواحد وكتبت أن الله هو الذي يميت ويحيي:

الرَّبُّ يُمِيتُ وَيُحْيِي. يُهْبِطُ إِلَى الْهَاوِيَةِ وَيُصْعِدُ

(سفر صموئيل الأول 2: 6)

هذا الفهم توضحه صلاة القداس المسيحي والموت الذي دخل إلى العالم بحسد إبليس قد هدمته بالظهور المحيي لأبنك الوحيد يسوع المسيح ربنا. وعلى العكس من ذلك نجد أن المسيح له المجد لم يقل في الأناجيل أن الله يقتل أو يهلك البشر. و في المرات التي ورد فيها أي من هذه التعبيرات في حديثه كان الفعل دائمًا مبنيًا للمجهول وغير منسوب إلى الله أبدًا. بخلاف الموروث اليهودي والإسلامي الذي ينسبها جميعًا إلى الله صانع الشرور والخيرات بآن واحد.

كيف تقيّم هذا المقال؟

← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←

المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء

كن أوّل من يقيّم هذا المقال

بما أن المقال أعجبك..

ربما اﻷفضل مشاركته مع دوائرك كي يحظى بانتشار أوسع

من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا

دعنا نعمل على تحسين ذلك

أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟

فماذا عن (عيسي) المسيح؟ 1
[ + مقالات ]