الأمثال التي نتداولها في مصر، صاغها القدماء بمنتهى الإبداع والعبقرية، ودائمًا ما تكون معبرة عن الواقع ومنها:

“زي القرع بيمد لبره” 

مثل مصري 

ويطلق هذا المثل دائمًا على الشخص الذي لا يهتم بأموره الخاصة ويهتم بأمور الآخرين، أو يترك رعاية شؤون بيته ويسعى لرعاية شؤون الآخرين، ويطلقه عليه المقربون للسخرية منه ومن ترتيب أولوياته، ويمكن أن يطلق هذا المثل على مفهوم الهُوِيَّة عند قطاع كبير من المواطنين المصريين.

فكثير من المواطنين المصريين قد لا ينتبهون لمصر ومصالح مصر، أو القضايا التي تخص وطنهم بقدر الاهتمام بقضايا تخص شعوب أخرى، وهذا الطرح لا يعني عدم التضامن مع الآخرين، لكن هذا الطرح يعني أنه لن تستطع أن تتضامن مع غيرك وأنت لا تتضامن مع نفسك، ولا يمكن أن تساعد غيرك وأنت لا تستطع أن تساعد نفسك.

فكيف يمكن لمواطن مصري أن يحب فلسطين وهو لا يعرف كيفية حب مصر؟ والسؤال الآخر: كيف يمكن لإنسان أن يساعد غيره على حساب بيته وأسرته وأولاده؟ فالمثل يقول:

اللي يعوزه البيت يحرم على الجامع

مثل مصري

السؤال هنا إلى المواطن/ة الذين هللوا لمغامرة حركة المقاومة الاسلامية حماس يوم 7 أكتوبر الماضي، هل لازالتم مستمرون في التهليل والضحايا من الشعب الفلسطيني في قطاع غزة تجاوز عددهم 20 ألف قتيل وقتيلة، بينهم أكثر من 8 آلاف طفلًا، وأكثر من 6 آلاف امرأة، إضافة لتهدم المنازل والمباني المختلفة وتشريد غالبية سكان قطاع غزة؟ هل لازالتم تهللون ونحن نعاني من تراجع السياحة في منتجعات البحر الأحمر بسبب ذلك الحرب؟

هل لازالتم تهللون وصواريخ الحوثيين التي تستهدف إسرائيل كما يدعون تسقط في سيناء؟ هل لازالتم تهللون لحماس والبحر الأحمر على صفيح ساخن خاصة مضيق باب المندب مدخل السفن لقناة السويس، حيث يعتدي الحوثيين على السفن التجارية بدعوى مقاومة إسرائيل، والنتيجة تغيير 4 من أكبر شركات الشحن الأوربية لمسار سفنها من البحر الأحمر وقناة السويس إلى طريق رأس الرجاء الصالح وأثر ذلك على اقتصادنا الذي يعاني ولا يحتمل أي معاناة جديدة؟

حرفيًا لم أجد شعبًا يهلل للإضرار بمصالحه مثلما يفعل قطاع واسع من الشعب المصري، بدعم حركة طائفية وإرهابية، كانت سببًا في قتل خيرة شباب مصر منذ سنوات، بارتكاب أعمال إرهابية داخل سيناء. واليوم في مغامرة غير محسوبة يدفع الشعب الفلسطيني في قطاع غزة الفاتورة نيابة عنها، ويتم المزايدة على مصر، بأنها لا تهب للحرب، مع أنه في السابق تورطت مصر في حرب 1948م لأجل فلسطين وبعدها فُتحت أبواب الحرب بحروب 1956، 1967 ومعها ضاعت سيناء، واستردتها مصر مرة أخرى بعد حرب 1973، ومفاوضات السلام التي تلتها، كما ذهبنا للتحكيم الدولي للحصول على طابا وقد كان، والدرس المستفاد إن الحروب وحدها لا تحقق الانتصار، ولكن يمكن أن يحدث ذلك عن طريق المقاومة السلمية والدبلوماسية والمفاوضات.

نعود للمواطن “اللي زي القرع” وفي رأيي الشخصي هو معذور لأنه نتاج بيئة عامة ومنظومة تعليم وثقافة وإعلام وخطاب ديني، شكلوا وعيه وهويته على هذا المنوال، وهو يعبر حاليًا عما نشأ، فهذه المنظومة لم تجعل المواطن المصري والمواطنة المصرية منذ نعومة أظافرهم ينتمون لمصر، بل تخفت مصر في الخلفية لمصلحة هويّات أخرى، وفي رأيي هي هويّات فرعية، والانتماء لمصر يجب أن يسبقهم جميعًا، وهو ما لم يحدث، حيث ذهبنا بالمواطن المصري في مشروعات أخرى تكون فيها مصر جزء وليست الكل، مثل الخلافة أو ، بالتالي لا تهمه مصر من أجل حلم أكبر  هو من ضروب الخيال والبكاء على ماضٍ لن يعود أبدًا.

حتى في مساندة فلسطين والشعب الفلسطيني، نفعل ذلك بشكل خاطئ، فالموضوع لدينا محمل دينيًا، وليس إنسانيًا، فعموم المواطنين كما تربوا وتعلموا وشربوا من ، القضية بالنسبة لهم دينية بحته، وليست قضية إنسانية، لمساندة شعب يعاني من الاحتلال والتهجير والقتل.

كل الدعم للشعب الفلسطيني في نضاله لاسترداد حقوقه وأرضه، وكل التضامن مع ضحايا القصف الغاشم، ولكن لا يمكن دعم من سرق قضية وطن وشعب بِرُمَّته، ليحولها لنزاع ديني وطائفي مقيت لن يربح منه أحد، ولا يمكن الخضوع لهذا النوع من الابتزاز.

كيف تقيّم هذا المقال؟

← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←

المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء

كن أوّل من يقيّم هذا المقال

بما أن المقال أعجبك..

ربما اﻷفضل مشاركته مع دوائرك كي يحظى بانتشار أوسع

من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا

دعنا نعمل على تحسين ذلك

أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟

بيتر مجدي
[ + مقالات ]

باحث وكاتب صحفي متابع للشأن الكنسي وشؤون الأقليات.
زميل برنامج زمالة الأقليات- مكتب المفوض السامي لحقوق لإنسان- الأمم المتحدة، جنيف/ ستراسبرج 2023.
زميل برنامج "" () لشبونة 2022.