
- هل يعادي الأقباط اليهود؟
- هل أخطأ السادات؟
- هل هي فلسطين فقط؟
- هل نحن نكره الاحتلال؟
- هل لأنها احتلت سيناء؟
- ☑ هل نحن نعادي السامية؟
- الأسئلة التي نهرب منها
البداية كانت عام 1948، حين قررت حكومة بريطانيا العظمى إنهاء الانتداب [الاحتلال] البريطاني لفلسطين، والتي كانت مُحتلة في السابق من الإمبراطورية العثمانية، والتي بدورها هي آخر نسخة من الخلافة الإسلامية. وبعد دقائق من إنهاء الانتداب البريطاني، كان المجلس الصهيوني يعلن قيام دولة إسرائيل، وبعد أيام قليلة كانت جيوش سبع دول [على رأسهم مصر المُحتلة عسكريًا من بريطانيا] تشن الحرب على العصابات الصهيونية التي نشأت بغرض الدفاع عن دولتهم الوليدية، في حرب دينية بالأساس وبالتفاصيل، يغلّفها الحكام العرب طيلة الوقت بأسباب سياسية وقومية.
كانت الفرصة الذهبية حتى تنسى شعوبهم المقهورة مشاكلها الداخلية، ويجعلون من تحرير فلسطين هدفًا بعيدًا، وفي مقدمتهم الملك فاروق، ملك مصر والسودان، الذي كانت دولته تعج بالمشاكل من كل صوب وجهة، ومحاط بأخبار التهكّم الاجتماعي على والدته، الملكة الأم: نازلي، والتي هربت لأمريكا مع أبنتها: فتحية، التي غيّرت دينها، وتزوجت من “رياض غالي”، الموظف المتواضع بوزارة الخارجية، ووصلت شعبية فاروق إلى أدنى مستوياتها، حتى خرجت المظاهرات في مصر هاتفة:
فاروق يا ويكا، هات أمك من أمريكا
وعلى مدى سنوات عدّة، جعل زعماء الدول العربية من مأساة الشعب الفلسطيني والكفاح ضد إسرائيل “القضية المقدسة للعالم العربي” حتى تناسى العرب كل شيء أخر، وتناسوا حقوقهم في بلادهم وجعلوا القضية الفلسطينية هي شغلهم الشاغل، والتقطت جماعة الإخوان المسلمين ومنظمات وأحزاب اليسار في الدول العربية طرف الخيط، وضخمته عدة مرات، حتى تناست حركات المعارضة في كل أنحاء الدول العربية قضايا أوطانها، وصارت المعارضة تتمحور حول تحرير فلسطين. بل صارت فلسطين: معيارًا تقاس به الوطنيّة. وإن تفوّهت بشيءٍ من الموضوعية عن حقوق الأعداء المطروحة على مائدة التفاوض السياسي، تم اتهامك بالخيانة والعمالة والصهيونية والماسونية وكل فظائع الأمور، منها قصصنا عليك ومنها لم نقصّ إرهابًا وتفزيعًا.
يستند العرب والمصريون على قناعات دينية بحتة لتبرير عدائهم التاريخي لإسرائيل، وبالرغم من كل محاولاتهم المستمرة لإنكار الأسباب الدينية الإسلامية ومحاولة تبرير العداء لأسباب سياسية، إلا أن كل الأدبيات والإنتاج الثقافي والأشعار التي نددت بالاحتلال وفي مقدمتها أشعار فؤاد حداد الذي نشأ وترعرع عليها أجيال، تنضح وتفضح الوازع الديني المبطن لهذا العداء لليهود واليهودية، والسخرية من أسمائهم وثقافتهم، بل أن الجماعات الإسلامية اغتالت السادات لأنه “عقد صلح مع اليهود” وليس إسرائيل بحسب تعبيراتهم.
على مدى عقود طويلة كان الهتاف المفضل لجماعة الإخوان المسلمين، وللمصريين عامة في مظاهراتهم المستمرة ضد إسرائيل، تحمل شعارًا واحد لا يتغير، هو:
خيبر خيبر يا يهود، جيش محمد سوف يعود
، تذكيرًا للمسلمين بالحرب التي شنها جيش المسلمين في عهد نبي الإسلام على اليهود في غزوة خيبر، وهي عبارة تنم عن عداوة إسلامية محضة ضد اليهود، أو نعت المصريين وفي مقدمتهم الإخوان والسلفيين لليهود بأنهم “أحفاد القردة والخنازير” في أحتقار ديني شديد لليهود، بالرغم من إدراكهم جيدًا إِنَّ اللهَ لَمْ يَجْعَلْ لِمَسْخٍ نَسْلًا وَلَا عَقِبًا
بحسب الحديث الشريف.
وما يؤكد الكراهية الدينية لليهود، هي استهانة العرب والإسلاميين بالهولوكوست الذي أقامته النازية لليهود، ورفض التضامن مع ضحاياها أو الاعتراف بها وإنكار حدوثها، بالرغم إن المذابح والمحارق النازية بحق اليهود حدثت قبل إقامة دولة إسرائيل، أي إن الكراهية دينية وضميرية بالأساس ضد اليهودية، وذلك لأن المحرقة النازية كانت أحد الأسباب الرئيسية لاعتراف دول العالم الكبرى بدولة إسرائيل وفي مقدمتهم الاتحاد السوفيتي ثم الولايات المتحدة الأمريكية.
كان الاتحاد السوفييتي هو أول دولة اعترفت بدولة إسرائيل اعترافًا قطعيًا بتاريخ 17 مايو 1948، بينما الولايات المتحدة غيرت حالة اعترافها القانوني بإسرائيل ليصبح اعترافًا قطعيًا بعد عقد الانتخابات الإسرائيلية الأولى، بتاريخ 31 يناير عام 1949. وعلى هذا، فالاتحاد السوفييتي هو أول دولة اعترفت رسميًا بقيام دولة إسرائيل وليس الولايات المتحدة كما هو شائع.
وبالرغم من التأكيدات المستمرة لقادة الدول العربية والإسلامية وقيادات جماعة الإخوان المسلمين، أن العداء المستمر لإسرائيل دافعه تحرير الأرض المحتلة، لكن بعض التصريحات للقادة الميدانيين، ومرشدي جماعة الإخوان تنم عن هُوِيَّة تلك الحرب وتُفصح أن هذا العداء ديني، وليس مسألة أرض. فما علاقة اليهود في مصر أو المغرب مثلا بقيام دولة قومية لم يذهبوا لها؟ وهل حقًا يريد المسلمين من العالم اعتبار “داعش” مثلًا منظّمة شاذة خارجة عن قواعد الدين في الوقت الذي ﻻ يفعلون هم المثل فيما يتعلق باليهود؟
في 20 يونيو 1948 فجر قسم الوحدات بالتنظيم الخاص لجماعة الإخوان المسلمين عربة يد محملة بالمتفجرات في حارة اليهود بالقاهرة وأحدثت بها تلفيات كبيرة، وذلك ردًا على إعلان دولة إسرائيل.
وبعد أن ذهبت الظنون أن تلك الحارة قد أخذت نصيبها ولن تنفجر مرة آخري، عاد قسم الوحدات وفجر عربة يد محملة بالمتفجرات في حارة اليهود بالقاهرة في 22 سبتمبر 1948 فقتل 20 وأصيب 61 شخص.
ولما عجزت الشرطة في الحادث الأول عن الوصول إلى شيء، أعلن أن الحادث وليد خلاف طائفي بين اليهود، فهم يضربون بعضهم بعضًا، وأن اليهود القرائين قد نسفوا محل لليهود الربانين، فلما وقع الانفجار الثاني ظنت الشرطة إن الربانيين انتقموا من القرائين بنسف مماثل!
وبين حادثي حارة اليهود فجر قسم الوحدات أيضًا تريسكل ممتلئ بالمتفجرات أسفل محلات اليهوديين المدنيين شيكوريل وأركو في 19 يوليو 1948، وكان ذلك في إحدى ليالي شهر رمضان فأفشى بالمحل الخراب.
وفي 28 يوليو 1948، ألقى أفراد من التنظيم السري القنابل على محلات داود عدس الواقعة بشارع عماد الدين.
وفي 13 أغسطس 1948 نسف التنظيم محلات بنزايون بشارع قصر النيل وجاتينيو بشارع محمد فريد المملوكين لمصريين يهود، وترتب عن الانفجار موت عشرات المصريين وجُرح 28 مواطن مصري.
ونُسفت سينمات مملوكة لليهود أيضًا، وتم تعطيل سفينة يهودية في ميناء بورسعيد، ونُسفت بعض المساكن في حارة اليهود بالقاهرة مرة أخرى،
وفي 3 أغسطس أنفجر مبنى شركة أراضى الدلتا بالمعادي في ضواحي القاهرة، ومحطة تلغراف ماركوني التي اعتُبرت مركزًا للاتصالات اليهودية فأصيب ثلاث ضحايا، وفي 28 سبتمبر وقع أنفجار بمصنع للزجاج بحلمية الزيتون تملكه محلات شيكوريل.
ويعترف المستشار صالح أبو رقيق عضو مكتب الإرشاد في مقال نشره بجريدة الأحرار المصرية في 11 من أغسطس عام 1986 بأنه لا يستطيع إنكار ما قام به الإخوان من أعمال صاحبها العنف، ولكنه يبرر ذلك بأنها:
كانت كلها وطنية تتجلى فيها الفدائية
كل تلك الأحداث الإرهابية الداخلية التي قام بها الإخوان المسلمون ضد شركات ومصالح وأفراد مدنيين مصريين بناء على هويّتهم الدينية كيهود وليسوا إسرائيليين ولا علاقة لهم بإسرائيل من قريب أو من بعيد، تثبت أن الكراهية دينيٌّة وعرقية بالأساس وموجهة لليهود ككل وليس للإسرائيليين فقط.
في حوار صحفي أجراه الكاتب الأستاذ “سعيد شعيب” مع “محمد مهدي عاكف”، مرشد جماعة الإخوان المسلمين وقتئذ، منشور عام 2006، سأله شعيب صراحة: “ماذا سيكون موقف جماعتكم إذا احتل فلسطين مسلمون؟”
رد عاكف بحدة غاضبًا: ليس هناك مسلم يحتل مسلمًا
فعاجله شعيب قائلًا: “العثمانيون على سبيل المثال، وهم أتراك مسلمون، احتلوا مصر وفلسطين وغيرهما من البلاد”، اندهش عاكف والتفت مستنكرًا ينظر إلى الموجودين [نائبه محمد حبيب وعضو مكتب الإرشاد عبد المنعم أبو الفتوح] ثم قال:
بيقول الأتراك احتلال؟!
والتفت إلى شعيب، وقال: لا يوجد مسلم يحتل مسلمًا، فهذا ليس احتلالًا
، واختتم مهدى عاكف إجابته بالتأكيد على أنه ليس لديه مشكلة في أن يحكم مصر “مسلم من ماليزيا”، وقال عبارته التي أصبحت مشهورة: طظ في مصر، وأبو مصر، واللي في مصر
أما عبد الناصر ونظامه المُحمل بدوافع يسارية، فقد استغل حربي 56 و67 ليطيح بآخر اليهود المصريين، ويذيقهم الأهوال في معتقلاته لشهور، قبل أن يطردهم في رحلة بلا عودة خارج البلاد، ويسلب ممتلكاتهم وأموالهم. وخلال حرب ناصر المقدسة على اليهود، أذاق مصر الويلات، ورفض كل المطالب الاجتماعية والديمقراطية لشعبه، وأجلها إلى ما بعد تحرير فلسطين من النهر إلى البحر بقوله الشهير:
لا صوت يعلو فوق صوت المعركة
، وبنى عبد الناصر شرعية حكمه على العداء لإسرائيل وحدها.
حتى قوى اليسار في الدول العربية وخاصة مصر، وعلى رأسهم الشيوعيون، لم يكن السبب الرئيسي لعدائهم لإسرائيل هو الاحتلال، فقد كان الاتحاد السوفييتي السابق يحتل جزءًا كبيرًا من أراضي شعوب أخرى في القوقاز، كما أجتاح الاتحاد السوفييتي بالسلاح دولًا أخرى لفرض أيديولوجيته الماركسية مثل بولندا وأفغانستان وإيران وتشيكوسلوفاكيا ومنشوريا وفنلندا واليابان.
ومع ذلك، لم يعترض فرد واحد من اليسار المصري أو الحركات الشيوعية المصرية على احتلال الاتحاد السوفيتي لشعوب أخرى مجاورة، في تحالف تاريخي نراه لا يزال مستمرًا حتى الآن بين اليسار والإسلاميين في مصر. وهو ما أسماه الكاتب إبراهيم عيسى مؤخرًا: اليسار الملثّم.
صدر للكاتب:
كتاب: ﻻ أحد يتعلّم من التاريخ ٢٠١٧
كتاب: ﻻ أحد يتعلّم من التاريخ [قيصر جديد] ٢٠١٨
كتاب: ﻻ أحد يتعلّم من التاريخ [صراع العروش] ٢٠٢٢
كتاب: ﻻ أحد يتعلّم من التاريخ [العملية ظافر] ٢٠٢٤