منتجع كامب ديفيد: هو منتجع ريفي يخص رئيس الولايات المتحدة الأمريكية بصفته، ويقع بولاية ميريلاند، على بعد حوالي 62 ميلًا شمال غرب العاصمة واشنطن، تأسس عام 1938 تحت اسم Hi-Catoctin، وفي عام 1942 تم تحويله إلى منتجع رئاسي على يد الرئيس فرانكلين روزفلت الذي سماه بـ Shangri-La تيمنًا بـ “الفردوس التبتي” المذكور برواية Lost Horizon (الأفق المفقود) للكاتب الإنجليزي جيمس هيلتون، وفي عام 1945 جعله الرئيس هاري ترومان المنتجع الرئاسي الرسمي، قبل أن يأتي الرئيس دوايت أيزنهاور ويلقبه باسمه الحالي: “كامب ديفيد”، تيمنًا باسم والده وحفيده “ديفيد” اللذان يحملان الاسم ذاته.
لم يعرف العالم العربي "كامب ديفيد"، بل وربما لم يسمع به مطلقًا قبل سبتمبر 1978، حينما وقّع الرئيس المصري محمد أنور السادات، منفردًا، معاهدة السلام مع رئيس الوزراء الإسرائيلي مناحم بيجن، بعد 12 يومًا من المفاوضات، برعاية الرئيس الأمريكي آنذاك جيمي كارتر.
كانت المحاور الرئيسية للمعاهدة هي إنهاء حالة الحرب، وإقامة علاقات ودية بين مصر وإسرائيل، وانسحاب إسرائيل من سيناء التي احتلتها عام 1967 بعد حرب الأيام الستة. تضمنت الاتفاقية ضمان عبور السفن الإسرائيلية لقناة السويس، واعتبار مضيق تيران وخليج العقبة ممرات مائية دولية، كما تضمنت الاتفاقية أيضا البَدْء بمفاوضات لإنشاء دولة ذات حكم مستقل للفلسطينيين في الضفة وقطاع غزة والتطبيق الكامل لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 242، وهي محاور كان ليحتفي العالم العربي كله بها لو كانت مع أي عدو سابق، لكن مبدأ السلام مع إسرائيل كان له رد فعل مختلف تمامًا لدى الدول العربية.
أثارت اتفاقية “كامب ديفيد” ردود فعل معارضة حادة داخل مصر وفي معظم الدول العربية، ففي مصر، استقال وزير الخارجية محمد إبراهيم كامل لمعارضته الاتفاقية وأسماها: “مذبحة التنازلات”، كما كتب كامل في كتابه “السلام الضائع في اتفاقات كامب ديفيد” المنشور في بداية الثمانينيات أن: “ما قَبِل به السادات بعيد جدًا عن السلام العادل“، وأنتقد الاتفاقية لكونها: “لم تُشِر صراحة إلى انسحاب إسرائيلي من قطاع غزّة والضفّة الغربية“، وأيضاً لـ:”عدم تضمينها حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره“، وهي نِقَاط جيّدة إن كانت الاتفاقية بين فلسطين وإسرائيل، لكن الاتفاقية مع مصر وكلها نِقَاط لا علاقة لها بمصر أوالمصريين من قريب أو من بعيد.
وعلى أثر الاتفاقية أيضًا، قامت الدول العربية بعقد مؤتمر قمة، عُرف باسم “جبهة الرفض” [الصمود والتصدي]، شارك بها 10 دول عربية بالإضافة لـ”منظمة التحرير الفلسطينية”، رفضوا فيها كل ما صدر من مصر. لاحقًا، اتخذت جامعة الدول العربية قرارًا بنقل مقرها من القاهرة إلى تونس احتجاجًا على الخطوة المصرية، بالتوازي مع تعليق عضوية مصر في جامعة الدول العربية من عام 1979 إلى عام 1989، بحجة أن السادات قد ركز بالكامل على أهداف مصر وأهمل القضايا العربية الجوهرية الأخرى، ووضع على رأس اعتباراته استرجاع سيناء المحتلة على حساب القضية الفلسطينية!!
وهي أيضًا أهداف كان ليحتفي العالم العربي كله بها لو كانت مع أي عدو سابق آخر غير إسرائيل، لكن على ما يبدو أن مقولة مُعمّر القذافي “سنحارب إسرائيل حتى أخر جندي مصري” لم تكن مجرد مقولة ساخرة لحاكم يعاني من هلاوس وضلالات، لكنها كانت قناعة كل الحكام العرب.
العرب الذين كانوا -ولا يزالوا- يرفضون تمامًا الحوار والتفاوض مع إسرائيل من حيث المبدأ، لم يتخذوا رد الفعل ذاته يوم أن ركز ياسر عرفات، الزعيم الفلسطيني الأكثر شعبية في التاريخ، ورئيس منظمة التحرير الفلسطينية، على أهداف فلسطين منفردًا وأهمل القضايا العربية الجوهرية الأخرى، والأراضي العربية التي لا تزال تحتلها إسرائيل، مثل هَضْبَة الجَوْلان السورية، ومزارع شبعا اللبنانية، ووقع منفردًا في 13 سبتمبر 1993 على اتفاقية السلام مع وزير الخارجية الإسرائيلي شيمون بيريز، برعاية الرئيس الأمريكي بيل كلينتون، التي عرفت باسم “إعلان المبادئ حول ترتيبات الحكم الذاتي الانتقالي”، وإعلاميًا باسم “اتفاقية أوسلو”.
أعترف عرفات شخصيًا أول مرة رسميًا بوجود دولة إسرائيل وحقها في الوجود، وحدود ما قبل الرابع من يونيو 1967، حيث أعلنت منظمة التحرير الفلسطينية، على لسان رئيسها، ياسر عرفات، التزامها بحق دولة إسرائيل في العيش في سلام وأمن، ونبذ وإدانة الإرهاب والعنف، وحذف البنود التي تتعلق بالعنف في ميثاق العمل الوطني لمنظمة التحرير، كالعمل المسلح وتدمير إسرائيل، وبدء حِقْبَة خالية من العنف، كما وسوف تأخذ على عاتقها إلزام كل عناصر أفراد منظمة التحرير بها، ومنع انتهاك هذه الحالة وضبط المنتهكين، وفي المقابل، اعترفت إسرائيل بمنظمة التحرير الفلسطينية باعتبارها الممثل للشعب الفلسطيني.
لكن رد فعل العرب تلك المرة كان مختلفًا، فلم يثر قادة العرب على عرفات، ولم يقاطعوه أو يتهموه بالتطبيع مع العدو الصهيوني، بحجة أنه قد ركز بالكامل على أهداف فلسطين وأهمل القضايا العربية الجوهرية الأخرى، أو أن الاتفاقية “لم تُشر بصراحة إلى انسحاب إسرائيلي من هَضْبَة الجَوْلان السورية المحتلة أو مزارع شبعا اللبنانية”.
في السادس من أكتوبر من العام 1981، لقى السادات حتفه برصاص خالد الإسلامبولي، وبإيعاز من محمد عبد السلام فرج أمير تنظيم الجهاد، لكونه عقد اتفاقية السلام مع “اليهود” على حد تعبير قادة تنظيم الجهاد، ولم يذكر لفظ “إسرائيل” مطلقًا.
كيف تقيّم هذا المقال؟
← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←
المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء
كن أوّل من يقيّم هذا المقال
من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا
دعنا نعمل على تحسين ذلك
أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟
صدر للكاتب:
كتاب: ﻻ أحد يتعلّم من التاريخ ٢٠١٧
كتاب: ﻻ أحد يتعلّم من التاريخ [قيصر جديد] ٢٠١٨
كتاب: ﻻ أحد يتعلّم من التاريخ [صراع العروش] ٢٠٢٢
كتاب: ﻻ أحد يتعلّم من التاريخ [العملية ظافر] ٢٠٢٤
نحاول تخمين اهتماماتك… ربما يهمك أن تقرأ أيضا:
- «النقب» طرح مصري بديل لحماية القضية الفلسطينية النقب ليست صحراء جرداء، بل هي منطقة جنوب الأرض المحتلة، يقطنها ضمن سكانها بدو فلسطينيون في نحو 38 قرية، وتبلغ مساحة النقب نحو 14 ألف كيلومتر مربع، وترتبط اجتماعيًا بقبائل الأردن وشبه الجزيرة العربية وسيناء، وأشهر مدنها وأكبرها "بئر سبع"، وتمتد صحراء النقب حتى مدينة إيلات...