خلق اللهُ الإنسانَ من العدم. فالإنسان ليس له حياة في ذاته، وحياة الإنسان لم تنشأ بإرادة الإنسان، فهو ليس مصدرها بل مصدرها الله نفسه.
انفصل الإنسان الأول آدم عن حياة الله عندما التصق بالشيطان وغوايته.
افتقد اللهُ الإنسانَ الذي مات بتغربه عن الحياة. فلقد تجسد الله واتحدت حياته الإلهية ببشرية الإنسان. هذا الاتحاد بين اللاهوت والناسوت يسميه علم اللاهوت ”الاتحاد الأقنومي“ لأنه تمًّ في شخص/ أقنوم ابن الله.
وبهذا أسَّس المسيح ابن الله في شخصه/ أقنومه الإلهي خليقة بشرية جديدة لها حياة إلهية خالدة لا تنفصل عن بشريته هي الخليقة الجديدة للإنسان في المسيح يسوع. وهي خليقة تختلف عن خليقة آدم الأول، لأن حياتها أصبحت ذاتية بسبب اتحاد الله ذاته بها ”أنا هو الحياة“، فالخليقة الجديدة للإنسان في المسيح يسوع تنال وجودها من المسيح الإله الذي أسسها في أقنومه/ شخصه: ”هكذا مكتوب أيضا:
هكَذَا مَكْتُوبٌ أَيْضًا: «صَارَ آدَمُ، الإِنْسَانُ الأَوَّلُ، نَفْسًا حَيَّةً، وَآدَمُ الأَخِيرُ رُوحًا مُحْيِيًا». لكِنْ لَيْسَ الرُّوحَانِيُّ أَوَّلًا بَلِ الْحَيَوَانِيُّ، وَبَعْدَ ذلِكَ الرُّوحَانِيُّ.
الإِنْسَانُ الأَوَّلُ مِنَ الأَرْضِ تُرَابِيٌّ. الإِنْسَانُ الثَّانِي الرَّبُّ مِنَ السَّمَاءِ.(رسالة بولس الأولى إلى كورنثوس 15: 45-47)
في سر المعمودية، ينال الإنسان المسيحي نعمة هذه الخليقة الجديدة التي تأسست في المسيح. لذلك نقول إن المعمودية هي الميلاد الثاني للإنسان كنعمة مكتسبة من آدم الثاني الذي هو الرب من السماء الذي تجسد ولبس جسدًا.
قال المسيح له المجد:
فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «الْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنْ لَمْ تَأْكُلُوا جَسَدَ ابْنِ الإِنْسَانِ وَتَشْرَبُوا دَمَهُ، فَلَيْسَ لَكُمْ حَيَاةٌ فِيكُمْ)إنجيل يوحنا 6: 53)
ليوضح لكل إنسان مسيحي نال نعمة هذه الخليقة الجديدة بالإيمان (والمعمودية) أن عليه أن يؤكد انتماءه لله وحرصه على التصاق الخليقة الجديدة فيه بأصلها ومصدرها في شخص وأقنوم يسوع المسيح ابن الله/ ابن الإنسان. فيستمر تدفق الحياة الإلهية من المثيل إلى المثيل.
واضح جدًا أن الرب يعطي الحياة الإلهية التي هي الصفة الذاتية للاهوت المتحد بالناسوت في شخصه (بلا اختلاط ولا امتزاج ولا تغيير) يعطيها المؤمنين به في سر التناول بإيمان من الخبز المتحول إلى جسد المسيح المحيي.
هذا هو تفسير قول المسيح في بداية رسالته وإرساليته على الأرض في الإصحاح الأول من إنجيل يوحنا من الآن ترون السماء مفتوحة وملائكة الله تصعد وتنزل علي [جسد] ابن الإنسان [الذي هو ابن الله]
وهكذا ينجلي لنا تعليم المسيح والكتاب المقدس عن ”الجسد والرأس“. وأن الجسد لا يمكن أن يحيا بدون الرأس “الرأس الذي منه كل الجسد“. فجسد المسيح الذاتي هو “الجسد المحيِي” بسبب لاهوته المتحد فيه. فهو ليس حي فقط بل يعطي الحياة. والحياة فيه ذاتية وليست مكتسَبَة مثلنا، كنعمة من آخر هو الله.
أما نحن البشر فإن الرب وضع فينا حياته الإلهية ليست كمصدر وصفة ذاتية في كياننا البشري ، ولكن كنعمة منه نحرص عليها بانتمائنا إلى مصدرها بأن نتحد بالمثيل الذي لنا فيه وهو جسده الحي المحيي في سر الإفخارستيا، فتكون لنا الشركة في الطبيعة الإلهية:
كما أن قدرته الإلهية قد وَهَبت لنا كل ما هو للحياة والتقوى
[أي وهبت لنا سر الإفخارستيا الذي فيه نتحد بجسد الرب المحيي وتستمر حياته فينا وتُستَعلَن فينا أمام العالم من خلال سيرة التقوى المسيحية كل يوم] بمعرفة الذي دعانا بالمجد والفضيلة
[والفضل في هذا يرجع إلى شخص المسيح الإله الذي تجسد]
اللذين بهما
[أي باستمرار نوال نعمة الحياة الإلهية فينا من خلال سر الإفخارستيا وباستعلانها في سيرتنا اليومية بين الناس من خلال سيرة التقوي]
قد وَهَبَ لنا المواعيد العظمى والثمينة لكي تصيروا بها شركاء الطبيعة الإلهية، هاربين من الفساد الذي في العالم بالشهوة
[فإنه بذلك تتحقق المواعيد النهائية للخلاص المسيحي وهي الشركة في الحياة الإلهية فيتحقق خلود الإنسان ودخوله مجال حياة الله الأبدية التي مصدرها الله. فينجو من مصير الفساد أي العودة إلى العدم واللا وجود الذي يتهددنا عن طريق الخطايا والشهوات. ولكننا نتطهر منها بالتوبة والثبات في المسيح ] (رسالة بطرس الثانية 1).
مع أنّ هذا هو الإيمان إلا أن الكنيسة الأرثوذكسية في صلاتها الليتورجية (القداس) تشير إلى ”الخبز“ الذي تحوَّل إلى ”جسد المسيح“ بعد حلول الروح القدس عليه في القداس الإلهي وتقول إنه “الخبز” السمائي، لتوكد أهمية جسد الرب ودمه كطعام سمائي يهب الله من خلاله نعمة الحياة الإلهية التي هي ذاتية في لاهوت الله المتحد بالخبز الذي صار جسدًا:
يا رئيس الحياة وملك الدهور.. الخبز الحقيقي الذي نزل من السماء واهب الحياة للعالم
كيف تقيّم هذا المقال؟
← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←
المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء
كن أوّل من يقيّم هذا المقال
من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا
دعنا نعمل على تحسين ذلك
أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟