كثيرًا ما أقف لتأمل المشهد الحالي للكنيسة، والحالة التي تعيشها من انقسام وحروب طاحنة بين من يبحثون عن سلطان ونفوذ وأموال وكأنها مملكة أو امبراطورية، وأتساءل: هل هذا ما جاء يسوع لأجله؟ هل المسيح جاء لإنشاء مؤسسة هرمية تراتبية فيها سادة وعبيد؟ ومن هم السادة؟ للأسف السادة هم الذين من المفترض أن يكونوا خادمي الكل كما أوصى المسيح لكنهم أصبحوا سادة أرضيين بسلطان مطلق.

أتساءل أيضا هل جاء المسيح لإلغاء كهنوت العهد القديم بتجبره وفساده لإنشاء كهنوت جديد بنفس التجبر والفساد؟ هل جاء لإلغاء الناموس وصنم الشريعة حتى نصنع صنم آخر من الطقوس لا يقبل التخلي عن ملعقة للتضحية بأرواح البشر؟

يراودني هذا السؤال على وجه الخصوص: ما الفارق بين من رفضوا معجزات السيد يوم السبت والتي قصدها خصيصا ليجعل الإنسان قبل السبت والسبت في خدمة الإنسان وليس العكس وبين من يتمسكون بصنم الطقوس حاليًا على حساب أرواح البسطاء لأجل ملعقة؟

ما أعرفه أن يسوع جاء لأجلي كإنسان، ومن أجل كل إنسان، جاء لأنه أحبنا، جاء لكي يقدم الحب، ولكي نتعلم الحب، ولكي نحب بعضنا بعضنا كما أحبنا هو، ويبقى السؤال هل من جاء لأجل الحب ولأجل الإنسان كان هدفه تأسيس مؤسسة مثلما آل حال الكنيسة اليوم؟ بالتأكيد لم يكن هذا هدفه، وهذا يطرح سؤالًا آخر : هل هناك جدوى من السعي لإصلاح المؤسسة؟ أم يجب الابتعاد عنها والبحث عن المسيح ومساعدة الناس للبحث عن المسيح وأن يعرفه كل واحد بنفسه وبشخصه؟ أعتقد كان هذا فكر الإصلاح الديني في أوروبا منذ نحو 500 سنة، لكن ماذا حدث على هذا الإصلاح تحول هو الآخر إلى مؤسسية تسيطر على حياة الناس بشكل وصيغة مختلفة عن الكنائس التقليدية.

هل هذه الأسئلة دعوة لهدم الكنيسة؟ لا بكل تأكيد لأن الكنيسة ليست مؤسسة أو شركة بها موظفين مثل أي شركة أخرى، الكنيسة هي جماعة المؤمنين كما تم تعريفها في العهد الجديد، وجماعة المؤمنين نواتها الإنسان، وطالما الإنسان يعيش على الأرض ستظل الكنيسة باقية حية بقوة الروح القدس، فالإنسان مهما أخطأ سيعيده الروح القدس لطريق المسيح مجددًا.

قبل الصعود إلى السماوات، أوصى السيد تلاميذه بأن يذهبوا إلى جميع الأمم ويبشروهم بالإنجيل أو البشارة المفرحة. وكان هذا الشغل الشاغل للتلاميذ. وعندما انتشرت كلمة الله وسط البشر، بدأوا يشعرون بمسؤولية اجتماعية تجاه المؤمنين، فبدأ التلاميذ في تأسيس جماعة الشمامسة والرئيس استفانوس لتولي هذه الخدمة. من الطبيعي مع وصول كلمة الله إلى كل بقاع الأرض أن تتطور الخدمة بتفاصيلها وأن تتخذ شكلًا مؤسسيًا نما مع قرن تلو الآخر وصولًا إلى القرنين الرابع والخامس المعروفين ب والخلافات التي دبّت بين أعضاء الجسد الواحد بسبب السلطة. فاختلف من وصفوا أنفسهم بأنهم خلفاء التلاميذ، وصار كل واحد منهم يعتبر نفسه الممثل الشرعي والوحيد لله على الأرض، فانقسمت الكنائس أو الكراسي الكبرى: الإسكندرية وأنطاكية في مقابل روما والقسطنطينية، ثم انقسمت روما والقسطنطينية، وعرفت روما فيما بعد انشقاقًا داخليًا.

واليوم تواجه خطر داهم من داخلها من جماعات مصالح، في يدها سلطان مستبد بلا حساب ولا رقابة يريدون أن يزيد وتتسع مساحته لمصالحهم الضيقة وعكس رغبة المسيح والروح القدوس، يواجهون بابا الكنيسة يشوهون صورته ويحاولون اغتياله معنويًا بكل الطرق، وإذا استمروا في عنادهم وفي رغباتهم الشريرة سيكون مصير الكنيسة (المؤسسة) التحلل والانشقاق والانقسام ومصير الكنيسة (جماعة المؤمنين) التبدد والتفرق والبعد عن المسيح.

حين جاء المسيح إلينا على الأرض ألغى الهيكل القديم، وعرفنا أنه لا يسكن في الحجارة ولا تهمه الحجارة لكنه يسكن في القلوب ويريد القلوب، وأن مملكته ليست مادية بل روحية، وقاوم يسوع ودعوته رؤساء الكهنة الذين اهتز سلطانهم الزائف أمام محبة يسوع العميقة لكل البشر، واليوم بعد كل تلك القرون هناك من أرداوا الانقلاب على دعوة يسوع رغم انتسابهم لاسمه لإعادة وإحياء كهنوت العهد القديم المعثر للبشر والذي يقف حائلًا بينهم وبين يسوع الذي ألغى الوساطة بين الله والإنسان وصار هو الوسيط الوحيد ولا أحد غيره.

فهل يوجد من يحاول إصلاح الأخطاء أم سنظل ننكر ونتهم من يحاول الإصلاح بأنه عدو الكنيسة؟

كيف تقيّم هذا المقال؟

← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←

المتوسط الحالي 4.9 حسب تقييمات 9 من القراء

كن أوّل من يقيّم هذا المقال

بما أن المقال أعجبك..

ربما اﻷفضل مشاركته مع دوائرك كي يحظى بانتشار أوسع

من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا

دعنا نعمل على تحسين ذلك

أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟

پيتر مجدي
[ + مقالات ]

باحث وكاتب صحفي متابع للشأن الكنسي وشؤون الأقليات.
زميل برنامج زمالة الأقليات- مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان- ، جنيف/ ستراسبرج 2023.
زميل برنامج "" () لشبونة 2022.

‎ ‎ نحاول تخمين اهتمامك… ربما يهمك أن تقرأ أيضًا: ‎ ‎