الدير (أي دير) مش مجرد مكان ساكنين فيه ناس روحانية تاركة للعالم بتروحلهم تصلي وتزور وتتبرع وتاكل في المضيفة.. ولو بتفكر كدا تبقى بتفكر تفكير طفولي بركاوي إن الحياة الديرية أناركية (اﻻناركية: هي الاعتقاد بقدرة البشر على تنظيم أنفسهم بأنفسهم دون هيراركي أو تراتبية إدارية) في الحقيقة اﻷديرة ليها نظام كنسي صارم، ولها رتب وهرم إداري، والرهبان عليهم نذور ثلاثة (عفة، فقر، طاعة) كسر أحدها يعرضهم للمسائلة والتجريد والتشريد إن استلزم اﻷمر. وإحنا (كشعب) منقدرش نعتبر اﻷديرة “أماكن أمنة” إﻻ في ظل مراقبة ومحاسبة بتحصل طول الوقت، والتهاون فيها هو تقصير إداري نحاسب عليه المؤسسة الكنسية.

ضبط الأمور في اﻷحوال الديرية مش مسؤولية ربنا حضرتك، وإنما مسؤولية رجالته وممثليه على اﻷرض في تحقيق اﻹرادة الإلهية. مسؤولية رئيس الدير بمعاونيه أولًا، ولجنة شؤون اﻷديرة ثانيًا، و كله ثالثًا، والبطريرك نفسه رابعًا، والشعب كله لو استلزم اﻷمر خامسًا وأخيرًا.

هناك ما يقرب من 70 تجمع سكاني يتعامل معه اﻷقباط على أن كل واحد منهم “دير”، بينما هم فعليا خارج النطاق الرسمي وغير خاضعين للكنيسة المصرية. مزرعة دير وادي الريان هي ببساطة كميونة مملوكة لأفراد طبيعيين يرتدون جلاليب سوداء (بعضهم رهبان) لكن دون أي نوع من الإشراف المؤسسي. ومن ثم فهي ليست معلنة كأماكن أمنة وفقا للكنيسة الرسمية.

يعيب البعض على قداسة ال تخليه عن هؤلاء الرهبان. في الحقيقة ومنذ عدة سنوات ومن قبل تجليس البابا على ، فهو من لجنة اﻷديرة بالمجمع المقدس أصلا! ولدى هذه اللجنة كل ما هو مكتوم وغير مستعلن. وما يصلنا نحن العلمانيين من مخالفات هو نذر يسير وليس كل شيئ. فإن كان لدي أنا بشخصي ما يفيد كسر النذور الثلاثة مجتمعة وأنه مكان غير أمن وينبغي التشهير به لتوعية الناس، فيمكنك تخيل ما لدى غيري، وغيرنا، وكمية الضغوط التي نسببها للبابا على تراخيه في المحاسبة! كل ما تراه في الميديا غير معبر سوى عن تيار قديم يسير وفق أليات قديمة، نجتهد في تفكيكها وتوضيح مساوئها، بينما تقاتل هي من أجل البقاء محتكرة الميديا والقيادة الدمغية.

ما الذي حدث اليوم في وادي الريان وجدد الكلام من تاني؟

الدولة كانت وصلت زمان لتوافق مع صحاب المزرعة على إنهم ياخدوا الصحرا اللي عايزينها في مقابل حق إنتفاع. الباشاوات طماعين وأخدوا مساحات أكبر من قدراتهم الاقتصادية. أو بطريقة أخرى كانوا حاسبينها بقدرات اقتصادية على أيام ما الناس فاكراه دير وهما بياكلوا من سبّوبة الدين ويلموا تبرعات ونذور وحبشتكانات من جيوب حضرتك. الشعب التزم بكلام البابا واعتبر المزرعة مكان غير أمن، وده طبعًا أثر على قدرة أصحاب المزرعة في السداد، فالدولة النهاردة الصبح دخلت يا تاخد المديونية يا تحجز على اﻷرض. ومحصلش أي مصادمات.

 

كيف تقيّم هذا المقال؟

← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←

المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء

كن أوّل من يقيّم هذا المقال

بما أن المقال أعجبك..

ربما اﻷفضل مشاركته مع دوائرك كي يحظى بانتشار أوسع

من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا

دعنا نعمل على تحسين ذلك

أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟

باسم الجنوبي
[ + مقالات ]