“أنا بموت فيه… هو فيه حلاوة كده يا ناس!!”
هكذا تمتمت قريبتي مدام “سوسن” مالكة أحد أكبر محلات الملابس في شارع “عباس العقاد” بمدينة نصر، لصديقتها “حنان” مالكة أحد أكبر محلات الحلويات والكب كيك في شارع “عباس العقاد”، والمجاور لـ”بوتيك سوسن”، فأيدتها الرأي، قبل أن تتجه “سوسن” إلى صالة الجيم الشهيرة في شارع “الحجاز” بمصر الجديدة لتتبعها بالساونا، ثم اتجهت إلى صالون التجميل الأشهر في الشارع المقابل، لتستلقي على بطنها شبه عارية وتستسلم لـ “لؤي” مدلك المساج، أخرجت هاتفها المحمول من حقيبتها وكتبت على صفحتها على الفيسبوك:
“لازم نستحمل شوية بقى… أبداً لن تسقط مصر…”
عبثاً حاول قريبي طبيب العظام الشهير إقناعي بضرورة تأييد الدولة ضد المؤامرة التي يشنها العالم أجمع على مصر، وعن مدى الإساءة والضرر الذي يتسبب فيه أمثالي من “النوشاتاء” – مثلما نطقها ساخراً معتمداً – المتحيزين لسقطات وهفوات النظام، قاطعته رنة موبايل لحوحة، استأذن لدقائق قبل أن يعود بوجه مبتسم وبشوش قائلاً:
“وشك حلو عليا… تامر أبني الحمد لله أخد إعفاء من الجيش”
سألته عن سبب إعفائه، فأخبرني بصوت خفيض عن أحد مرضاه صاحب الرتبة العسكرية والذي يحمل على كتفيه عدداً لا بأس به من النسور والنجوم، والذي تدخل بنفسه موصياً على فلذة كبده، الحيلة، حتى يحصل على الإعفاء، ثم هتف قائلاً:
“إحنا كنا بنقول إيه بقى؟ آه… كنا بنتكلم على الجيش والوطنية والنوشاتاء الخونة اللي بينتقدوا النظام ومش عاجبهم حاجة…”
نظرت إليه طويلاً ولم أجيب.
على صفحتي على فيسبوك كتبت تعليقا ساخرا عن سذاجة النظام الاقتصادي القائم على فكرة الشحاتة وحدها، فهاجمني قريبي المهندس الكبير، الذي يعمل بأحدي أرقي الشركات في مصر، ويتقاضى راتباً مكون من عدد ضخم من الأصفار، أخبرته أن تلك هي قناعاتي، وله مطلق الحرية في قناعاته بجدوى فكرة الشحاتة ودورها في تحسين الاقتصاد مثلما يدعى، ثم سألته عن أخر تبرع قام به لمشروعات الدولة، أجابني بحدة وقد أستبد به الغضب:
“ما إحنا متبرعين بعمرنا وشقائنا كله عشان البلد… ده دور الجيل بتاعكو إنه يتبرع شوية…”
ولم ينس أن يتبع تعليقه بصورة للأهرامات الثلاثة، مكتوبا عليها “تحيا مصر” ثلاثا أيضا.
صدفة التقيت بزوج عمتي الذي يمتلك أحد أكبر محال الذهب والمجوهرات في مصر الجديدة، عاجلني قائلاً: “مش تبارك لأبن عمتك؟”، نظرت إلى ابن عمتي متسائلاً: “مبروك يا تامر… بس عليه؟”، قاطعنا والده مرة أخرى: “تامر بقى وكيل نيابة خلاص”،
نظرت إلى تامر مهنئاً ومتعجباً، فأنا أعلم أن تقديره لم يتجاوز الـ”مقبول”، فوضح تامر الأمر بفخر أنه قد تم أختياره، متجاوزاً الآلاف المتفوقين، “بعد وساطة أونكل هشام صاحب بابي”، والذي يشغل منصب حساس في جهة سيادية عليا، وفي اليوم التالي كتب زوج عمتي على صفحته يقول:
“أدعو لتامر أبني في مهمته الصعبة… تامر بقى وكيل نيابة عشان يحاكم الإرهابين والخونة والعملاء والنشطاء… ربنا يكون في عونك يا ابني وكلنا فداكي يا مصر”
بسرعة أجبت عليه معلقا: “ربنا يكون في عونه وفي عوننا يا عمي”، ثم ألحقت تعليقي بصورة للزعيم الخالد سعد زغلول وقد كتبت عليها: “مفيش فايدة”
كيف تقيّم هذا المقال؟
← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←
المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء
كن أوّل من يقيّم هذا المقال
من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا
دعنا نعمل على تحسين ذلك
أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟
صدر للكاتب:
كتاب: ﻻ أحد يتعلّم من التاريخ ٢٠١٧
كتاب: ﻻ أحد يتعلّم من التاريخ [قيصر جديد] ٢٠١٨
كتاب: ﻻ أحد يتعلّم من التاريخ [صراع العروش] ٢٠٢٢
كتاب: ﻻ أحد يتعلّم من التاريخ [العملية ظافر] ٢٠٢٤