الإبصار نعمة والصحة تاج على رؤوس الأصحاء لا يراه إلا المرضى. كان توم شاباً في مقتبل العمر، أزرق العينين، فاتح البَشَرَة، له ابتسامة مبهجة، بالرغْم من شدة حالته الصحية. كان قد فَقَدَ نعمة الإبصار حين أصابته الحمى التي انتشرت في بدايات القرن العشرين، ثم بعدها بقليل فقد أباه في الحرب العالمية الأولى، ولم يبقَ له في الحياة إلا والدته التي كانت تطلب منه أن يجلس في شارع المدينة الرئيسي حتى يتحنن عليه المارُّون من هناك.
جلس الشاب على كرسي قصير وأمامه حصالة نقود ولوحة مكتوب عليها:
أرجوك ساعدني… أنا ولد كفيف وفقير.
وكان المارة لا يلتفتون كثيراً لمن يجلس يستعطي، لذا كانت حصيلته قليلة.
ولكن توم كان أيضاً نشيطاً في جلسته هناك. فكان يأخذ نواة ثمرة الزيتون، التي تحصل عليها والدته من مطعم مجاور، ويحكُّها في قطعة صخر بجانبه حتى تنفتح من الجانبين. وفي نهاية اليوم، يعطي هذه النويات إلى أمه التي تكوِّن منها سُبْحَة جميلة ذات ألوان مبهجة ليصلي بها الرهبان والراهبات.
في وسط النهار مر أمام توم أحد الرجال، وكانت خطواته ثابتة مميزة، لاحظها توم فبادره قائلاً: “سيدي”، وأشار إلى اللوحة التي أمامه وهزها؛ أي: “اقرأ هذه”. فما كان من الرجل إلا أن وضع بعض العملات في حصالة الولد، ثم أمسك هذه اللوحة وكتب عليها شيئاً ومضى.
لاحظ توم أن عدد العملات التي توضع له قد زادت! وابتدأ أناس آخرون يلتفتون إلى توم ويتبرعون بقليل مما عندهم.
في اليوم التالي انتظر توم مرور الرجل، حتى أحس بنفس الخطوات تقترب، ثم جلس الرجل بجانبه. فانحنى توم تجاه الرجل وسأله: “سيدي، ماذا حدث أمس؟” قال له الرجل: “لقد كتبت شيئاً على ظهر اللوحة.” أجابه توم: “وماذا كتبت؟” قال له الرجل: لقد كتبت:
“اليوم يوم جميل، ولكني لا أستطيع أن أراه”.
فقال له الولد: “ولكن المعنى واحد، مما جعل الناس يساعدوني أكثر مما قبل”.
قال له الرجل: “نعم، أنت محق. ولكن اللوحة الأولى كانت تخبرهم فقط إنك كفيف. أما الأخيرة فقد نبهتهم أنهم ليسوا أكْفاء”.
حينئذ فهم الولد جيداً ماذا كان يقصد الرجل.
وأكمل الرجل: فأنت لا تقدِّر الشيء إلى أن تكون مفتقداً له. فعليك أن تقدِّر جيداً كل البركات التي يُنعم بها الله عليك، حتى أصغرها، قبل أن يمضى الوقت على شكر الله عليها.
فعش جيداً، وكن محباً، وابتسم للحياة ولكل لحظة من لحظاتها في حياتك، لأن كل لحظة تمر يمكن أن تكون فرصة عظيمة لنيل البركات من لدن الآب السماوي.
وإن أردت أن تعيش سعيداً، فكن معيناً لأي إنسان، فقد تكون أنت هو سنده الوحيد. واصنع الخير مع الآخرين، فسوف يعود إليك من حيث لا تدري، وبطرقٍ شتى. والرب معك.
كيف تقيّم هذا المقال؟
← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←
المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء
كن أوّل من يقيّم هذا المقال
من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا
دعنا نعمل على تحسين ذلك
أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟