Search
Close this search box.
ورث "أبو سالم" عن أبيه ضيعة فسيحة في شمال سيناء، وورَّثها لـ"سالم" ابنه الوحيد، فاهتم بها ورعاها أحسن رعاية. كانت الأرض في تلك السنين خصبة، درجة ملوحتها مناسبة لزراعة كثير من أنواع الأشجار والخضروات، حيث كانوا يحضرون الطمي الذي يصل إلى شواطئ مصب النيل، فيزرعون ما طاب لهم. كانت حياتهم سعيدة ومثمرة.

وفي كل يوم من أيام الصيف القمرية، يجلس “أبو سالم” الجد ليحكي لأولاده وأحفاده عما سمعه من أجداده. ذات يوم قال لهم: “هل تعرفون أن أجدادي استقبلوا هنا أيوب الصديق؟” [1]
قالوا له: “وكيف حدث هذا؟”

قال لهم:
يحكي أجدادي إنهم في عودتهم من إحضار الطمي من شاطئ النيل، وجدوا قافلة تسير على بعد ميلين من شاطئ البحر. أما هم فكانوا قريبين من الشاطئ. كانت قافلة أجدادي لا تزيد عن عشر جمال تنقل ما يكفي الزراعة كل شهر. فنادوا على القافلة الأخرى، وعرفوا كيف يجعلوهم يقتربون من الشاطئ ليسيروا سيراً آمناً وفي حماهم.

وفعلاً اقترب الموكب الآخر، وعرفوا أنهم تابعون لكبيرهم “أيوب الصديق”. فجلسوا جميعهم في دائرة كبيرة، وأعدوا لهم المشروب المناسب الذي تعوَّدوا عليه في تلك الأيام. وطفق كبيرهم يتكلم: “لقد سمعت عن جمال هذه البقعة من الأرض، وقد أتيت لرؤيتها ولكي أتبارك من ترابها”. فرحب به قائد الركب الآخر وشرح له تضاريس المنطقة. وبعد أن أتموا ضيافتهم تركوهم ووعد كل طرف أن يتقابلوا مرة أخرى.

وبعد أن افترقوا، سارت قافلة أيوب الصديق قرب الشاطئ رويداً رويداً، حتى جاءت عند منطقة هي الآن بحيرة البردويل في شمال سيناء. [2] وقف عندها أيوب الصديق وقال: “ها هي البقعة التي حلمت بها. فلنُنزل الرحال هنا، فإني أود أن أستريح هنا قليلاً”. فأنزلوا الصديق رويداً رويداً، إذ كان متعباً من أثر سنين من التجارِب التي مرت عليه. واقترب من الشاطئ ورأى البحيرة عن قرب، وقد رأى أن الله أعد في هذه المنطقة مدخل للمياه، وفي جانب آخر تعود المياه إلى البحر المالح، أي إن المياه متجددة باستمرار. هنا قال لتابعه: “نعم، هذه هي البقعة التي حلمت بها. هذه هي التي أعدها الله لي لكي أغتسل من الأمراض والأتراح التي ثقـَّلت نفسي كل السنين السالفة. سوف أنزل في هذا الماء غداً، فأعِدَّ كل شيء”.

وفعلاً، في اليوم التالي جاء أيوب الصديق إلى هذه البقعة، ونزل في مائها الأزرق اللازوردي، ثم استراح مع تابعيه قرب الشاطئ. وبقي في هذه المنطقة أسبوعاً كاملاً يغتسل في المياه المالحة وقد وجدها مناسبة له. عندئذٍ تكلم أيوب الصديق مع تابعه وقال له: “إنني أذكر أن الله قال لإبراهيم في أرضه القريبة من هنا:

وَتَتَبَارَكُ فِيكَ جَمِيعُ قَبَائِلِ الأَرْضِ

(سفر التكوين 12: 3)

فقال له تابعه: “ولابد أن الله سيقول لك هنا: “وفيك تُشفى جميع قبائل الأرض”! فانفرجت أسارير أيوب الصديق عندما سمع هذا الإطراء من تابعه. وفعلاً شُفي الصديق في هذا المكان من كل القروح والأسقام التي كانت في جسده، أزالها ماء البحر المالح وشفاها، وعاد جلده كما كان وهو شاب ابن أربعين عاماً.

وأقاموا هناك أسبوعاً. ثم قاموا وأكملوا مسيرهم حتى وصلوا إلى أرض أبو سالم، فاستراحوا هناك شهراً من الزمان، استرد فيه أيوب الصديق عافيته، ثم عادوا بعد ذلك إلى أرضهم سالمين.

وَبَارَكَ الرَّبُّ آخِرَةَ أَيُّوبَ أَكْثَرَ مِنْ أُولاَهُ.

(سفر أيوب 42: 12)

وَعَاشَ أَيُّوبُ بَعْدَ هذَا مِئَةً وَأَرْبَعِينَ سَنَةً، وَرَأَى بَنِيهِ وَبَنِي بَنِيهِ إِلَى أَرْبَعَةِ أَجْيَال. ثُمَّ مَاتَ أَيُّوبُ شَيْخًا وَشَبْعَانَ الأَيَّامِ.

(سفر أيوب 42: 16، 17)


[1] تذكار نياحة أيوب الصديق هو 2 بشنس / 10 مايو من كل عام.
[2] يحكي التاريخ الكنسي إن أيوب الصديق أتى واغتسل في منطقة العريش، في أول شهر توت المبارك، ومن هنا جاءت القصة.

كيف تقيّم هذا المقال؟

← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←

المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء

كن أوّل من يقيّم هذا المقال

بما أن المقال أعجبك..

ربما اﻷفضل مشاركته مع دوائرك كي يحظى بانتشار أوسع

من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا

دعنا نعمل على تحسين ذلك

أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟

برتي المقاري
راهب في دير القديس الأنبا مقار الكبير  [ + مقالات ]