لا تختلف جماهير اليهود قديمًا أيام المسيح كثيرًا عن جماهير المسيحيين أو غيرهم خاصة على "السوشيال ميديا" هذه الأيام، فبتحريض من رجال الدين والكهنة ورؤسائهم قد تنقلب موازين أي قضية وآراء الناس بخصوصها وتصرخ الجماهير بأعلى الصوت "اصلبه، اصلبه، دمه علينا وعلى أولادنا" "اطلق لنا ". بعدما كانوا يصرخون "خلصنا في الأعالي".

مع اختلاف المسيح ويهوذا وأسماء الكهنة والزمان ولكن الكرة تعيد نفسها مرارًا وتكرارًا ويُضَطهد المسيح وأي تابع حقيقي له وقد يُقتل أيضًا مرةً ثانيةً. ومع ذلك لم ولن يهم المسيح أو أي تابع حقيقي له إرضاء تلك الجماهير على حساب الحق، فالحق حق ولو تبعه ملايين، والباطل باطل ولو سكت عنه الجميع. وعلى أية حال، فـ”اصلبه” و”خلصنا” لو دققنا وأمعنا النظر سنجد أنهما تحملا نفس المعنى أصلًا.

“المسيح يصلب من جديد” Christ recrucified للروائي اليوناني “نيكوس كازانتزاكس” المرشح تسع مرات لجائزة نوبل، كتبها لنا وأصدرها في ثلاثينات القرن الماضي، فكثيرًا ما تسائل جُلُنا عما كانت ستكون مواقفنا إذا عشنا وقت المسيح، هل كنا لنقبل جلده وصلبه؟ وماذا عن رجال الدين والكهنة ورؤسائهم هل كنا لننصاع لشحنهم وتحريضهم ضد المسيح؟ ماذا كانت ستكون مواقفنا من كل ما حدث؟ هل سنعيد الكرة مرة أخرى!

ملخص الرواية:

يسرد لنا “كازانتزاكس” بأسلوبه الوصفي الخلاب في روايته البديعة عن قرية يونانية تحت الاحتلال العثماني تدعى “ليكوفريسي”، يقيم سكان تلك القرية كل سبع سنوات مسرحيات رحلة محاكمة وآلام وصلب المسيح وموته، فيختار كبار القرية الممثلين لأداء الأدوار. يقع الاختيار على أحد الشبيبة “مانوليوس” ولد طيب يعمل راعي للأغنام، وآخر يعمل تاجر متجول بحماره بين القرى، يبيع ويشتري الممنوعات يقع عليه الاختيار لأداء دور ، إنسان طيب وساذج يحب حماره أكثر من أي شيء آخر.

وأحد الشباب من أولاد نبلاء القرية تم اختياره كيوحنا الرسول، سيؤدي دوره مالك مقهى القرية. وهكذا دواليك حتى يأتي أصعب التلاميذ في اختيار الأدوار، أنه يهوذا الخائن فوقع الاختيار على ذاك الشاب الطموح الجامح الذي يسعى للانتقام. وكاترينا عاهرة القرية وجميلتها، اختارها بالطبع لأداء دور .

قرية يلوي كاهنها المنطق لحساب نفسه وكبارها يسعون فقط وراء ملاذهم وكسب النقود لحساب مطامعهم ومساعيهم.

قرية بسيطة أناسها طيبين يقعون في حب “مانوليوس” من يؤدي دور المسيح وتلاميذه. مر بتلك القرية أكثر من مجموعة طلبًا للطعام والعون والمساعدة بعد هجوم الأتراك (العثمانيين) على ممتلكاتهم. ومجموعة أخرى من مئات الجِياع جاءت مع الأب الورع “فوتيس” وبقوا في أحد الجبال القاحلة نادرة النباتات بجوار القرية ولم يجدوا عونًا إلا من “مانوليوس” ومجموعته ممن يمثلون دور تلاميذ المسيح. بعد رفض المساعدة من كاهن القرية الأصلي الذي لاحقًا بعد فقدان سيطرته على السكان الأصليين بدأ حملة كراهيَة ضد الأب فوتيس ومن معه ومن يساعدهم من “مانوليوس” وتلاميذه.

ينقلب من يؤدّي دور يهوذا على “مانوليوس” بسبب موت محبوبته “كاترينا” ويبدأ في التجسس ونقل أخبار المجموعة التي تعيش في الجبل لحساب كاهن القرية الذي جمع لاحقًا كل سكان القرية في الكنيسة لشحنهم ضد “مانوليوس” وطلب ممن يؤدّي دور يهوذا بقتله طعنًا وأعطاه المباركة والحِل لقتله.

تجمعوا حوله وطعنه يهوذا في أثناء محاولات فاشلة من باقي التلاميذ والأب فوتيس ومن معه لفتح باب الكنيسة من الخارج ولكن دون جدوى ودون أي مراعاة لصرخات الأب فوتيس: “افتحوا أيها القتلة.. ألا تخافون الله الذين أنتم في بيته!؟”.

أخذ الأب فوتيس ومن معه جثمان “مانوليوس” الراعي البسيط الطيب المحبوب شهيد الحب إلى الجبل ممسكًا بيدي جثمانه، جثمان “المسيح” في ليلة سوداء خلت من سماءها النجوم، وأستمع بعدها لدقات أجراس الكنيسة معلنةً قداس ، نعم، فلقد أتى المسيح إلى أرضنا ليخلصنا، هز الأب “فوتيس” رأسه وتنهد مرددًا:

“لا جدوى يا يسوع، لا جدوى. مضى على صلبك ألفا عام ولا زال الناس يصلبونك من جديد، متى ستولد يا إلهي ولا تصلب ثانية، ولكن تعيش بيننا خالدًا إلى الأبد”.

(نيكوس كازانتزاكس، رواية: المسيح يصلب من جديد)

عزيزي القارئ ماذا لو كان الاختيار اختيارك؟ ماذا لو كان المسيح شخصًا عاديًا بيننا اليوم ممن يكفره رجال الدين أو يهرطقوه أو يحرموه ماذا سيكون اختيارك؟

“الإنسان وحش كاسر… إنه يفعل ما يختار. إنه يسلك الطريق الذي يختاره لنفسه. أمامه بوابة الجحيم وبوابة الفردوس متلاصقين، وهو يدخل أيهما يختار… لايدخل سوى النار، والملاك لا يدخل سوى الفردوس. أما الإنسان فأنه يدخل أيا منهما حسب اختياره”.

(نيكوس كازانتزاكس، رواية: المسيح يصلب من جديد)

لو أتى المسيح ثانيًة، نعم كُنا سنسعد بمعجزاته ونبتهل بشفاءاته ونعجب بتعاليمه السامية. ولكن لا ضير في أن ينعته البروتوستانت بأنه متحرر زيادة عن اللزوم ويعلم تعاليم غير كتابية ويمنعونه من الوعظ على منابرهم أو المشاركة كمتكلم في أي من أنشطتهم ومؤتمراتهم. وماذا عن الكنائس التقليدية، حدث ولا حرج، كما اتهموا المسيح قديمًا أنه كاسر السبت لاتهموه الآن بأنه كاسر للتقليد والتسليم والطقس، وربما حتى مهرطق وقد يتطور الأمر لحرمانه من ممارسة الأسرار المقدسة وتناول الافخارستيا، التي هي جسده ودمه أصلًا، وعجبي!

ولربما قتلناه ثانيةً ولكن ليس عن طريق الصلب ولكن عن طريق وسيلة تناسب مجتمعنا وعصرنا الحالي. ولكن أيًا كانت الطريقة والظروف فأنه لا صلب دون يهوذا، ولا قيامة دون صلب (موت).

“لا صلب دون يهوذا، ولا قيامة دون صلب”

(نيكوس كازانتزاكس، رواية: المسيح يصلب من جديد)

وهذا ما كان وما هو قائم وما سيكون إلى المنتهى حتى نقرر نحن عكس ذلك.

اقرأ أيضًا:

كيف تقيّم هذا المقال؟

← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←

المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء

كن أوّل من يقيّم هذا المقال

بما أن المقال أعجبك..

ربما اﻷفضل مشاركته مع دوائرك كي يحظى بانتشار أوسع

من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا

دعنا نعمل على تحسين ذلك

أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟

المسيح يُصلب من جديد 3
[ + مقالات ]