نجد العديد من الإشارات في نصوص الليتورجية القبطية إلى اتحادنا الكياني بالمسيح، كما سنرى في النصوص الليتورجية التالية.
حيث نجد إشارة واضحة جدًا للاتحاد الكياني بالمسيح في قسمة للابن تُقال في أي وقت، وهكذا يتحدث عن إعطاء الله لنا مشتهيات الألوهية، بعدما خسرنا شجرة الحياة، وهذا يحدث من خلال تناولنا الجسد والدم الأقدسين كالتالي:
”صنعت لي وليمة النعمة، وشفيتني من سم الحية، وسلمتني أدوية الخلاص. لأنه هكذا أيها السيد، عندما عدَّمت نفسي من شجرة الحياة، أعطيتني مشتهيات الألوهية. صيَّرتني واحدًا معك، أعطيتني جسدك ودمك الذي بذلته عن حياة العالم“. (41)
(الخولاجي المقدس وخدمة الشماس، إعداد: القمص إيسيذوروس البراموسي)
وتتحدث قسمة أخرى للقديس كيرلس السكندري تُقال في أي وقت عن اتحادنا الكياني والحقيقي بالمسيح، حيث عندما نتناول الجسد والدم تشارك نفوسنا مجد الله، وتتحد نفوسنا بألوهيته، ونصير هياكل مقدسة لحلوله، ونتحد به اتحادًا سريًا، وهكذا نتحد بالثالوث القدوس، ويكون واحدًا معنا وفينا كالتالي:
”اجعلنا أهلاً لحلول روحك الطاهر في نفوسنا، أنر عقولنا لنعاين سبحك، نق أفكارنا واخلطنا بمجدك. حبك أنزلك إلى هبوطنا، نعمتك تصعدنا إلى علوك […] عند استحالة الخبز والخمر إلى جسدك ودمك، تتحول نفوسنا إلى مشاركة مجدك، وتتحد نفوسنا بألوهيتك […] صيرنا هياكل مقدسة لحلولك […] أهلنا للاتحاد بك خفيةً. وهبت لنا أن نشرب كأس دمك طاهرًا، أهلنا أن نمتزج بطهارتك سرًا. وكما أنك واحد في أبيك وروحك القدوس، نتحد نحن بك، وأنت فينا، ويكمل قولك، ويكون الجميع واحدًا فينا“. (42)
(الخولاجي المقدس وخدمة الشماس، إعداد: القمص إيسيذوروس البراموسي)
وهكذا نحن نتناول في سر الإفخارستيا الجسد الإلهي والدم الكريم لنتأله، وليس كما يدَّعي البعض أننا نتناول الناسوت دون اللاهوت، حيث نصلي في قسمة تُقال للابن في سبت الفرح التالي:
”وأنعمت علينا بشجرة الحياة، التي هي جسدك الإلهي ودمك الحقيقي“. (43)
(الخولاجي المقدس وخدمة الشماس، إعداد: القمص إيسيذوروس البراموسي)
كما تتحدث القسمة الوجيزة عن أننا نتناول الجسد الإلهي والدم الكريم، نتناول الجسد الإلهي والدم الكريم، وليس الناسوت دون اللاهوت كالتالي:
”يا الله الذي أنعم علينا نحن الخطاة بميقات الخلاص، وذبيحة ناطقة سمائية التي هي الجسد الإلهي، والدم الكريم اللذان لمسيحك. هذا الذي صار لنا طُهرًا، وخلاصًا، ونعمةً، وغفرانًا للخطايا“. (44)
(الخولاجي المقدس وخدمة الشماس، إعداد: القمص إيسيذوروس البراموسي)
وتتحدث قسمة الابن السنوي عن اتحادنا الكياني بالمسيح في الإفخارستيا كالتالي:
”وحينما أتقدم لتناول أسرارك، أجعلني مستحقًا لذلك، ومؤهلاً للاتحاد بك“. (45)
(الخولاجي المقدس وخدمة الشماس، إعداد: القمص إيسيذوروس البراموسي)
ويتحدث ق. غريغوريوس اللاهوتي في قداسه عن امتلاء الكل سواء البشر أو الملائكة من لاهوت الابن في صلاة الصلح الموجهة للابن في القداس الغريغوري كالتالي:
”وصالحت الأرضيين مع السمائيين، وجعلت الاثنين واحدًا، وأكملت التدبير بالجسد. وعند صعودك إلى السماء جسديًا، إذ ملأت الكل بلاهوتك، قلت لتلاميذك ورسلك القديسين: سلامي أعطيكم، سلامي أنا أترك لكم“. (46)
(الخولاجي المقدس وخدمة الشماس، إعداد: القمص إيسيذوروس البراموسي)
كما نصلي في الشيرات الثانية في باكر سبت الفرح مخاطبين العذراء مريم القديسة قائلين:
”السلام للممتلئة نعمة، المائدة الروحية التي تعطي الحياة لكل مَن يأكل منها [المقصود هو الإفخارستيا]، السلام للإناء غير الفاسد الذي للاهوت المعطي الشفاء لكل مَن يشرب منه“. (47)
(ترتيب أسبوع الآلام حسب طقس الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، تقديم ومراجعة: القس غبريال)
ويتحدث هنا أننا نشرب من إناء اللاهوت غير الفاسد لشفائنا، وأعتقد أنه يقصد أننا نشرب اللاهوت سرائريًا المعطي شفاءً لكل مَن يتناول منه.
كما هناك إشارة واضحة جدًا إلى عقيدة التأله بالنعمة في طرح واطس للأحد الثالث من الخمسين المقدسة، حيث تتحدث عن قيامة المسيح كعربون للتأله والقيامة الأبدية كالتالي:
”قام الملك المسيح من القبور عربون التأله والقيامة الأبدية، له المجد دائمًا“. (48)
(إبصاليات وطروحات الأعياد السيدية والمواسم الكنسية، تقديم: الأنبا متاؤوس أسقف دير السريان)
وهكذا يصلي الكاهن في صلاة تسريح ماء المعمودية في ختام طقس سر المعمودية المقدسة، متحدثًا عن إضاءة المعمدين بنور اللاهوت بعد معموديتهم، أي أنهم اتحدوا بالنور الإلهي، وصاروا يضيئون ببهاء ونور اللاهوت كالتالي:
”أنت يا سيدنا جعلت هذا الماء طاهرًا بنعمة مسيحك، وحلول روحك القدوس عليه، وصار لعبيدك الذين تعمدوا فيه حميمًا للميلاد الجديد، وتجديدًا من الضلالة القديمة، وأضاءوا بنور لاهوتك“. (49)
(صلوات الخِدْمَات في الكنيسة القبطية الأرثوذكسية)
ويصلي الكاهن على المُعمد أيضًا في صلاة حل زنار المُعمدين بوضع يده عليه، بعد التناول من الأسرار المقدسة، متحدثًا عن إضاءة المعمد بنور لاهوت السيد الرب إلهنا، ونواله النور الفوقاني الذي من فوق، النور غير الموصوف، الذي للرب يسوع المسيح مخلصنا كالتالي:
”أيها السيد الرب إلهنا مانح السلام والبركة، ذو الصلاح، وحده محب البشر، الذي باركنا، وقدسنا، وأضاء علينا بنور لاهوته، الذي جعل عبيده مستحقين أن ينالوا النور الذي من فوق، غير الموصوف، الذي لمسيحك يسوع مخلصنا. أنر عليهم بنور البركة، طهَّرهم. باركهم. جدَّدهم بنعمتك من جهة الصبغة التي نالوها بقوة روحك القدوس المحيي“. (50)
(صلوات الخِدْمَات في الكنيسة القبطية الأرثوذكسية)
كما يصلي الكاهن طلبة في تحليل المرأة في أثناء إتمام طقس سر المعمودية المقدسة، حيث يتحدث عن اتحادنا الكياني بشخص المسيح في شركة سرية كالتالي:
”من أجل هذا يا رب طهَّرت طبيعتنا، وعتقتنا بالاتحاد في شخصك في شركة سرية. نسأل ونطلب منك يا مُحِب البشر لكي تتطلع على أمتك (فلانة) حتى يتجدد روح قدسك في أحشائها“. (51)
(صلوات الخِدْمَات في الكنيسة القبطية الأرثوذكسية)
وتتحدث قسمة الابن التي تُقال في أي وقت عن الاتحاد الكياني في المسيح بالروح القدس، حيث صرنا مسكنًا له بالروح القدس الحال فينا بأقنومه كالتالي:
”وأكملت ناموسك عني، ربطتني بكمالات الشريعة. وعزيتني بلبان العلم من قِبل روحك القدوس، منطقتني بالقوة، واتخذتني لك مسكنًا“. (52)
(الخولاجي المقدس وخدمة الشماس، إعداد: القمص إيسيذوروس البراموسي)
وتتحدث قسمة تُقال للابن في عيد القيامة عن نوالنا لنور قيامة الرب بتجسده وقيامته، وإضاءتنا بشكله المحيي بنور معرفته الحقيقية كالتالي:
”ونحن أيضًا الجلوس في الظلمة زمانًا، أنعم علينا بنور قيامته من قِبل تجسُّده الطاهر. فليضيء علينا نور معرفتك الحقيقية لنضيء بشكلك المحيي“. (53)
(الخولاجي المقدس وخدمة الشماس، إعداد: القمص إيسيذوروس البراموسي)
ويصلي الكاهن صلاة خضوع للآب قبل التناول في القداس الكيرلسي، تؤكد على أننا ننال بالتناول من الأسرار المقدسة طُهر إنساننا الداخلي كطُهر الابن الوحيد كالتالي:
”طهَّر إنساننا الداخلي كطُهر ابنك الوحيد، هذا الذي نريد أن نتناوله“. (54)
(الخولاجي المقدس وخدمة الشماس، إعداد: القمص إيسيذوروس البراموسي)
ويصلي الكاهن في صلاة القسمة للآب في القداس الكيرلسي، ويتحدث عن تناولنا للجمرة الحقيقية المعطية حياة للنفس والجسد والروح، ألا وهي الجسد المقدس والدم الكريم اللذان للمسيح، وهذه الجمرة بالطبع هي جمرة اللاهوت، لأن إلهنا نار آكلة، بالتالي يدحض هذا القول بأننا نتناول الناسوت فقط في سر الإفخارستيا، وليس اللاهوت المتحد بالناسوت كالتالي:
”تفضل طهَّر أنفسنا، وأجسادنا، وشفاهنا، وقلوبنا، وأعطنا هذه الجمرة الحقيقية المعطية حياة للنفس، والجسد، والروح، التي هي الجسد المقدس، والدم الكريم اللذان لمسيحك“. (55)
(الخولاجي المقدس وخدمة الشماس، إعداد: القمص إيسيذوروس البراموسي)
ويصلي الكاهن في صلاة الحجاب لأبينا ق. يوحنا المثلث الطوبى للآب سرًا، في بداية القداس الكيرلسي، ويتحدث عن حلول الروح القدس، النار غير الهيولية (أي غير المادية) فينا، أي يتحدث عن حلول الروح القدس بأقنومه فينا، كالتالي:
”أعطني يا رب روحك القدوس، النار غير الهيولية [المادية] التي لا يُفكَّر فيها، التي تأكل كل الضعفات، وتحرق الموجودات الرديئة“. (56)
(الخولاجي المقدس وخدمة الشماس، إعداد: القمص إيسيذوروس البراموسي)
وهذا ما نصليه أيضًا مخاطبين العذراء القديسة مريم في لبش واطس في باكر سبت الفرح (أو سبت النور) لكي ما ننال الروح القدس لنصير مسكنًا له مثلما حلَّ على العذراء القديسة مريم، وهذا يؤكد الحلول الأقنومي للروح القدس فينا كما حلَّ أقنوميًا على العذراء مريم كالتالي:
”من أجلك أيضًا صرنا مسكنًا للروح القدس الذي حلَّ عليك وقدَّسك“. (57)
(ترتيب أسبوع الآلام حسب طقس الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، تقديم ومراجعة: القس غبريال)
نستنتج من هنا أن الاتحاد الكياني بالمسيح هو عقيدة متأصلة في الليتورجية القبطية التي تُعتبر وعاءً لعقيدة ولاهوت الكنيسة، فنحن ما نؤمن به نصلي به، بالتالي، نجد عقيدة الاتحاد الكياني والحقيقي بالمسيح متغلغلة في الليتورجية القبطية وصلواتها المقدسة.
هوامش
(41) الخولاجي المقدس وخدمة الشماس، إعداد: القمص إيسيذوروس البراموسي، مراجعة وتقديم: الأنبا متاؤس، (القاهرة: مكتبة مار جرجس بشبرا، 1994)، ص 343.
(42) المرجع السابق، ص 257، 258.
(43) المرجع السابق، ص 250.
(44) المرجع السابق، ص 244.
(45) المرجع السابق، ص 259.
(46) المرجع السابق، ص 195.
(47) ترتيب أسبوع الآلام بحسب طقس الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، إعداد ونشر مجموعة من المتخصصين في طقوس الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، تقديم ومراجعة: القس غبريال، (القاهرة: مؤسسة مينا للطباعة، 1994)، ص 687.
(48) إبصاليات وطروحات الأعياد السيدية والمواسم الكنسية، تقديم: الأنبا متاؤوس أسقف دير السريان، (وادي النطرون: دير السريان، 2003)، ص 575.
(49) صلوات الخِدْمَات في الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، (القاهرة: مكتبة المحبة، 1971)، ص 56.
(50) المرجع السابق، ص 69.
(51) المرجع السابق، ص 24.
(52) إيسيذوروس البراموسي (قمص)، الخولاجي المقدس وخدمة الشماس، مراجعة وتقديم: نيافة الأنبا متاؤوس أسقف دير السريان، (القاهرة: مكتبة مار جرجس بشبرا، 1994)، ص 264.
(53) المرجع السابق، ص 251.
(54) المرجع السابق، ص 242.
(55) المرجع السابق، ص 240، 241.
(56) المرجع السابق، ص 219.
(57) ترتيب أسبوع الآلام بحسب طقس الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، إعداد ونشر مجموعة من المتخصصين في طقوس الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، تقديم ومراجعة: القس غبريال، (القاهرة: مؤسسة مينا للطباعة، 1994)، ص 684
كيف تقيّم هذا المقال؟
← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←
المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء
كن أوّل من يقيّم هذا المقال
من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا
دعنا نعمل على تحسين ذلك
أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟
صدر للكاتب:
كتاب: عظات القديس غريغوريوس النيسي على سفر الجامعة
ترجمة كتاب: "الثالوث"، للقديس أوغسطينوس أسقف هيبو
ترجمة كتاب: "ضد أبوليناريوس"، للقديس غريغوريوس النيسي
نحاول تخمين اهتماماتك… ربما يهمك أن تقرأ أيضا:
- تذكرة ذهاب وغياب كل شيء حضر في وقته، ما عدا الرياح، غائبة.. العناوين ملت الغياب السماء تناست احتياج الأرض النوافذ لها جذور تنمو نحو ما قبل الأمس، وقبل الأمس، كانت أعوام ماطره. ليس وشماً على جبين القلب كان جرحاً ضَمَدتهُ، بكحل غيابك. يسأل عن حالي في غيابه كمن يسأل مَصلوباً عن رأيه في خشبة الصليب وأشكال المسامير وشعورهِ......