في هذا المقال نستعرض جزء من تعاليم آباء  عن " و.
القديس إيرينيؤس أسقف ليون

يُعتبر ق. إيرينيؤس أبو التقليد الكنسي من أكثر آباء الكنيسة الجامعة الذين تحدثوا عن الانجماع الكلي للخليقة كلها في المسيح مقتفيًا أثر ، وهكذا جاء المسيح في تجسُّده بتدبير شامل ليجمع كل الأشياء في نفسه، حيث يقول التالي:

”لذلك، إذ يوجد إله واحد هو الآب كما سبق أن أوضحنا، ومسيح واحد هو المسيح يسوع ربنا، الذي جاء بتدبير جامع وشامل لكي يجمع كل الأشياء في نفسه، ومن ضمن 'كل هذه الأشياء‘ يوجد الإنسان كخليقة الله؛ لذلك فهو يجمع الإنسان أيضًا في نفسه. فغير المنظور صار منظورًا، وغير المدرَك صار مدركًا، وغير المتألم صار متألمًا؛ والكلمة صار إنسانًا جامعًا كل الأشياء في نفسه. وهكذا، فكما أن أنه هو الأول بين الكائنات السماوية والروحية والأشياء غير المنظورة، هكذا أيضًا هو الأول بين الأشياء المنظورة والمادية. وهو يأخذ الأولية لنفسه؛ وإذ جعل نفسه رأس الكنيسة، فهو سيجذب كل الأشياء إلى نفسه في الوقت المحدَّد“. (1)

(إيرينيؤس (قديس)، ضد الهرطقات ج 2، تَرْجَمَة: د. )

ويربط ق. إيرينيؤس الانجماع الكلي في المسيح بتجديد الجنس البشري كله، وتاريخ الإنسانية كلها، وهكذا يعوضنا المسيح في نفسه عما فقدناه في الأول، معطيًا لنا من جديد صورة الله وشبهه قائلاً:

”حين تجسَّد، وصار إنسانًا، جمع في نفسه، تاريخ الإنسان الطويل جامعًا الخلاص فيه ليعطينا إياه لنقبل من جديد، في المسيح يسوع ما فقدناه في آدم، أعني صورة الله وشبهه“. (2)

(إيرينيؤس (قديس)، ضد الهرطقات ج 2، تَرْجَمَة: د. نصحي عبد الشهيد)

ويتحدث ق. إيرينيؤس أيضًا عن أننا صرنا أعضاءً في جسد الرب ودمه، ونلنا الحياة الأبدية من خلال سر ال كالتالي:

”كيف يمكنهم أن يؤكدوا أن الجسد غير قادر أن يقبل عطية الله، التي هي الحياة الأبدية، ذلك الجسد الذي يتغذى من جسد الرب ودمه، وصار عضوًا فيه“. (3)

(إيرينيؤس (قديس)، ضد الهرطقات ج 2، تَرْجَمَة: د. نصحي عبد الشهيد)

القديس ميثوديوس الأوليمبي

يتحدث ق. الأسقف والشهيد عن الانجماع الكلي للكنيسة في المسيح من خلال الأسرار كالمعمودية، حيث يقترح ق. ميثوديوس إعادة خلق مطلقة وكاملة أكثر بكثير من خلق آدم الأول الذي أخطأ، وهكذا شرع الله في إعادة خلق البشرية كلها بالتجسُّد كالتالي:

”فالكنيسة تتزايد يوميًا في العظمة والجمال والكثرة، بالاتحاد والشركة مع الكلمة، الذي لا يزال يأتي إلينا، وتُدخِله ذكرى آلامه في حالة نشوة؛ وإلا ما استطاعت الكنيسة أن تحبل بالمؤمنين، ولا أن تلدهم ميلادًا جديدًا في جرن التجديد، ما لم يُخلِ المسيح نفسه لأجلهم، حتى يمكنهم أن يحتووه، كما قد قلت، من خلال الانجماع الكلي الذي لآلامه، ليموت ثانيةً؛ إذ يأتي من السماء، ويصبح 'مرتبطًا بزوجته‘، الكنيسة، لكي يمد بقوة معينة تؤخذ من جانبه، لكي ما ينمو كل مَن بُني فيه، أولئك الذين وُلِدوا ثانيةً بغسل الجرن، الذي يقبلون من عظامه ومن لحمه، أي من قداسته ومن مجده“. (4)

(ميثوديوس الأوليمبي (قديس)، (الكتابات النسكية في القرون الثلاثة الأولى)، تَرْجَمَة: الراهب القمص )

كما يؤكد ق. ميثوديوس على حتمية تجسُّد الكلمة، واتحاده بالإنسان ليُعِيد الأشياء فيه إلى حالتها الأولى التي كانت منذ البداية، وذلك بميلاده البتوليّ والعذراويّ من العذراء بالروح القدس، وهكذا كـوَّن الأشياء بنفس الطريقة كما كانت من البداية؛ أي أعاد خلقتها على طبيعتها وحالتها الأولى قائلاً:

”وكان هذا هو المسيح: إنسان مملوء من النقاء واللاهوت الكامل، وتنازل إلى مستوى الإنسان. لأنه الأكثر ملائمة أن الأقدم من الدهور والأرفع من رؤساء الملائكة، عندما أراد الاتحاد بالإنسان، استقر في أقدم وأول إنسان 'آدم‘. ولذلك عند إعادة هذه الأشياء التي كانت منذ البداية، وتكوينها مرة أخرى من العذراء بالروح؛ فقد كوَّنها الله بنفس الطريقة، كما كانت في البداية، عندما كانت الأرض لا تزال بكرًا، وغير محروثة، أخذ الله الطين، وصنع منه كائن عاقل دون بَذْرَة“. (5)

(ميثوديوس الأوليمبي (قديس)، وليمة العشر عذارى (الكتابات النسكية في القرون الثلاثة الأولى)، تَرْجَمَة: الراهب القمص تيموثاوس المحرقي)

القديس أثناسيوس الرسولي

يتحدث ق. الرسولي عن وجودنا الكياني في المسيح عند موته، ويتحدَّث عن موت الجميع في المسيح مؤكِّدًا على وحدة الجنس البشريّ في المسيح آدم الجديد، حيث يقول التالي:

”لكي إذَّا كان الجميع قد ماتوا فيه، فإنه يُبطِل عن البشر ناموس الموت والفناء، ذلك لأن سلطان الموت قد استُنفِذَ في جسد الرب، فلا يعود للموت سلطان على أجساد البشر“. (6)

(أثناسيوس (قديس)، ، تَرْجَمَة: د. )

ويؤكِّد ق. أثناسيوس أيضًا على وحدة البشرية في شخص المسيح، لارتباطنا به في جسده، وصعودنا معه إلى السماء في جسده، وهكذا يصير لنا شركة الحياة الأبدية، لأننا لم نعد بشرًا عاديين، بل صرنا في اللوغوس لوغسيين كالتالي:

”ولكن ارتباطنا بالكلمة الذي من السماء، فأننا نُحمَل إلى السموات بواسطته، لذلك بطريقة مماثلة قد نقل إلى نفسه أوجاع الجسد الأخرى لكي يكون لنا شركة في الحياة الأبدية، ليس كبشر فيما بعد، بل أيضًا لأننا قد صرنا خاصين بالكلمة [أي لوغسيون]“. (7)

(أثناسيوس (قديس)، المقالات الثلاثة ضد اليين، تَرْجَمَة: د. نصحي عبد الشهيد وآخرون)

ويؤكِّد ق. أثناسيوس على أن المسيح أبطل اللعنة وهو كائن فينا أي في بشريتنا كالتالي:

”إذ إن لعنة الخطية قد أُبطِلَت بسبب ذاك الذي هو كائن فينا، الذي قد صار لعنةً لأجلنا“. (8)

(أثناسيوس (قديس)، المقالات الثلاثة ، تَرْجَمَة: د. نصحي عبد الشهيد وآخرون)

ويُشدِّد ق. أثناسيوس على نقطة خطيرة جدًا يُنكِرها البعض في عصرنا الحالي وهي أن موت المسيح كان موتنا جميعًا، وقيامته وتمجيده وصعوده للسماء كان هو قيامتنا وتمجيدنا وصعودنا، لأننا في المسيح نفسه أيضًا كالتالي:

”من أجل هذا السبب يُقال إنه إنسان مُجِّدَ أيضًا نيابةً عنا ومن أجلنا، لكي كما بموته قد متنا جميعًا في المسيح، وعلى نفس المنوال أيضًا، فإننا في المسيح نفسه أيضًا قد مُجِّدَنا مجدًا عاليًا، مُقامين من بين الأموات وصاعدين إلى السموات، حيث دخل يسوع كسابق لأجلنا“. (9)

(أثناسيوس (قديس)، المقالات الثلاثة ضد الآريوسيين، تَرْجَمَة: د. نصحي عبد الشهيد وآخرون)

ويؤكِّد ق. أثناسيوس في عبارة خطيرة جدًا على عدم اندهاش القوات السمائية عندما ترانا نحن المؤمنين بالمسيح أي كنيسته المتَّحِدين به داخلين إلى مناطقهم السمائية كالتالي:

”لذلك لن تُدهَش القوات السمائية حينما ترانا نحن جميعًا -المتَّحِدين معه في نفس الجسد- داخلين إلى مناطقهم السمائية“. (10)

(أثناسيوس (قديس)، المقالات الثلاثة ضد الآريوسيين، تَرْجَمَة: د. نصحي عبد الشهيد وآخرون)

ويشير ق. أثناسيوس إلى وحدتنا في جسد المسيح التي صِرنا بواسطتها هيكل الله، وصِرنا أبناء لله يُعبَد الرب فينا كالتالي:

”أنه ليس اللوغوس بسبب كونه لوغوس هو الذي حصل على مثل هذه النعمة، بل نحن لأنه بسبب علاقتنا بجسده فقد صرنا نحن أيضًا هيكل الله – وتبعًا لذلك قد جُعِلَنا أبناء الله، وذلك حتى يُعبَد الرب فينا أيضًا، والذين يُبصِروننا يُعلِنون – كما قال الرسول: 'إنَّ الله بالحقيقة فيكم‘“. (11)

(أثناسيوس (قديس)، المقالات الثلاثة ضد الآريوسيين، تَرْجَمَة: د. نصحي عبد الشهيد وآخرون)

ثم يوضح ق. أثناسيوس أن موت المسيح هو موت جميع البشر كالتالي:

”حيث إن الجميع ماتوا بواسطته، هكذا قد تم الحكم إذ إن الجميع ماتوا في المسيح. وهكذا فإن الجميع يصيرون بواسطته أحرارًا من الخطية ومن اللعنة الناتجة عنها، ويبقى الجميع على الدوام قائمين من الأموات، ولابسين عدم موت وعدم فساد“. (12)

(أثناسيوس (قديس)، المقالات الثلاثة ضد الآريوسيين، تَرْجَمَة: د. نصحي عبد الشهيد وآخرون)

كما يؤكِّد ق. أثناسيوس على وحدتنا ووجودنا في المسيح بسبب سُكنى الروح القدس فينا الذي يُوحِّدنا معه، وهكذا نصير في الله ويصير الله فينا كالتالي:

”لذلك فبسبب نعمة الروح الذي أُعطِي لنا نصير نحن فيه وهو فينا، وحيث إن روح الله فينا، لذلك فبواسطة سُكناه فينا وبحسب حصولنا على الروح، نُحسَب أننا في الله، وهكذا يكون الله فينا“. (13)

(أثناسيوس (قديس)، المقالات الثلاثة ضد الآريوسيين، تَرْجَمَة: د. نصحي عبد الشهيد وآخرون)

وهكذا يتحدث ق. أثناسيوس عن الخضوع الكلي في المسيح بسبب اقتنائه للبشرية، ولقد صارت ربوبية المخلص على الكل كالتالي:

”فإنه يملك على الذين هم فعلًا تحت سلطانه الآن. أمَّا وإن كان الرب خالق الكل، وملك أبدي، فعندما صار إنسانًا اقتنانا نحن أيضًا. وبهذا يصير واضحًا أن ما قاله بطرس لا يعني أن جوهر الكلمة مصنوع، بل يعني خضوع الكل له فيما بعد، وأن ربوبية المخلص هي التي قد صارت على الكل“. (14)

(أثناسيوس (قديس)، المقالات الثلاثة ضد الآريوسيين، تَرْجَمَة: د. نصحي عبد الشهيد وآخرون)

ويتحدث ق. أثناسيوس أيضًا عن تحرير المسيح للبشرية كلها وخضوع كل الأشياء للمسيح، مقدسًا الجميع بالروح، لأنه قد صار فاديًا للجميع وربًا للأحياء والأموات كالتالي:

”إلا أن اتخاذه للجسد لم يجعل الكلمة وهو رب الطبيعة أن يكون عبدًا، بل بالأحرى فإن الكلمة بهذا الحدث (اتخاذ الجسد) قد حرَّر كل البشرية، فإن الكلمة نفسه وهو بالطبيعة الرب الكلمة قد جُعِلَ إنسانًا، وصار رب الجميع ومسيحًا من خلال صور العبد، أي لكي يقدس الجميع بالروح […] ولأنه صار فاديًا للجميع، فقد صار رب الأحياء والأموات. ولذلك فإن كل الأشياء تخضع له، وهذا أيضًا هو ما يعنيه داود حينما يترنم: 'قال الرب لربي أجلس عن يميني حتى أضع أعدائك موطئًا لقدميك‘ (مزمور 110: 1)“. (15)

(أثناسيوس (قديس)، المقالات الثلاثة ضد الآريوسيين، تَرْجَمَة: د. نصحي عبد الشهيد وآخرون)

ويؤكد ق. أثناسيوس على أننا ننال بالنعمة من خلال الاتحاد السري بجسد الكلمة ذاته في الإفخارستيا، بالتالي تُعتبر الأسرار الكنسية ضرورية في نوال نعمة التأله والحياة الأبدية كالتالي:

”ونحن إنما نتأله لا باشتراكنا السري من جسد إنسان ما، ولكن بتناولنا من جسد الكلمة ذاته“. (16)

(Athanasius, Letter to Maximus the Philosopher, NPNF Ser. II, Vol. IV, Ch. 2, p. 578-579)


هوامش

(1) إيرينيؤس (قديس)، ضد الهرطقات ج 2، تَرْجَمَة: د. نصحي عبد الشهيد، (القاهرة: ، 2019)، 3: 16: 6، ص 81، 82.
(2) المرجع السابق، 3: 18: 1، ص 89.
(3) المرجع السابق، 5: 2: 3، ص 276.
(4) ميثوديوس الأوليمبي (قديس)، وليمة العشر عذارى (الكتابات النسكية في القرون الثلاثة الأولى)، تَرْجَمَة: الراهب القمص تيموثاوس المحرقي، (القاهرة، 2009)، الحوار ٣: 8، ص 120.
(5) المرجع السابق، الحوار 3: 4، ص 115.
(6) أثناسيوس (قديس)، تجسد الكلمة، تَرْجَمَة: د. جوزيف موريس، (القاهرة: المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2003)، 8: 4، ص 22.
(7) أثناسيوس (قديس)، المقالات الثلاثة ضد الآريوسيين، تَرْجَمَة: د. نصحي عبد الشهيد وآخرون، (القاهرة: المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2017)، 3: 33، ص 336.
(8) المرجع السابق.
(9) المرجع السابق، 1: 41، ص 109.
(10) المرجع السابق، 1: 42، ص 111.
(11) المرجع السابق، 1: 43، ص 112.
(12) المرجع السابق، 2: 69، ص 260.
(13) المرجع السابق، 3: 23، ص 322.
(14) المرجع السابق، 2: 13، ص 173.
(15) المرجع السابق، 2: 14، ص 174، 175.
(16) Athanasius, Letter to Maximus the Philosopher, NPNF Ser. II, Vol. IV, Ch. 2, p. 578-579

كيف تقيّم هذا المقال؟

← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←

المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء

كن أوّل من يقيّم هذا المقال

بما أن المقال أعجبك..

ربما اﻷفضل مشاركته مع دوائرك كي يحظى بانتشار أوسع

من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا

دعنا نعمل على تحسين ذلك

أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟

جزء من سلسلة: الانجماع الكلي واتحاد البشرية بالمسيح[الجزء السابق] 🠼 انجماع البشرية بالمسيح <br>من منظور الكتاب المقدس[الجزء التالي] 🠼 الانجماع في تعاليم آباء الكنيسة الجامعة [٢]
أنطون جرجس
بكالوريوس اللاهوت اﻷرثوذكسي في   [ + مقالات ]

صدر للكاتب:
كتاب: عظات القديس على سفر الجامعة
ترجمة كتاب: "الثالوث"، لل أسقف هيبو
ترجمة كتاب: "ضد "، للقديس غريغوريوس النيسي