الأسبوع الماضي كان الأنبا بفنوتيوس مَطْرَان سمالوط حديث مواقع التواصل الاجتماعي بعد أن سمح لكتب الأكاديمي الراحل دكتور جورج حبيب بباوي أن يتم تداولها في مَعْرِض الكتاب الذي نظمته الإيبارشية، إضافة إلى ذلك رده في إحدى العظات على من يسمون أنفسهم "حماة الإيمان" بأن "الكنيسة لن تحكم من القبر"، بعدما استدعوا قرار مجمع الأساقفة برئاسة البابا الراحل الأنبا شنودة الثالث بحرمان بباوي دون محاكمة قانونية عام2006م، فجن جنون بعضهم بمنشورات تخلع ما للمسيح وحده من صفات وقدرات وصبغه على البابا شنودة وكأنه حل مكان المسيح.
هذا الموقف فتح الطريق لمناقشة أمر مهم جدا، حذر منه بولس الرسول وهو أن تنقسم الكنيسة لتحزبات وجماعات فيترك المؤمنون المسيح ويتشيعوا لفرق تتبع أشخاص لا المسيح.
فَأَنَا أَعْنِي هذَا: أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ يَقُولُ: «أَنَا لِبُولُسَ»، و«َأَنَا لأَبُلُّوسَ»، وَ«أَنَا لِصَفَا»، وَ«أَنَا لِلْمَسِيحِ». هَلِ انْقَسَمَ الْمَسِيحُ؟ أَلَعَلَّ بُولُسَ صُلِبَ لأَجْلِكُمْ، أَمْ بِاسْمِ بُولُسَ اعْتَمَدْتُمْ؟
(رسالة بولس الأولى إلى كورنثوس 1: 12، 13)
بولس هنا حذر من الانقسام، وضرب المثال بنفسه ليوضح قدره مقارنة بالمسيح وأنه لا يمكن أن يسرق مجده وقال: ألعل بولس صُلْب لأجلكم أم باسم بولس اعتمدتم ليقطع الطريق على من ينفخون في النار ويقسمون الكنيسة ويمزقوا جسد المسيح، وهو الموقف الذي نمر به اليوم، فالبابا الراحل الأنبا شنودة الثالث جلس على كرسي القديس مرقس لمدة أكثر من 40 عاما بين 14 نوفمبر 1971 و17 مارس 2012، وهي حِقْبَة مليئة بالأحداث والصعاب والمشكلات ومعها ترسخت مكانة البابا شنودة في قلوب كثيرين، واليوم تظهر معاناة الكنيسة مع من يحبون البابا الراحل.
من يسمون أنفسهم “أبناء البابا شنودة”، يتم تصنيفهم لنوعين نوع يحبه ويعشقه لدرجة الجنون، بالتالي يرفضون فكرة أنه رحل عن عالمنا وأن الكنيسة لن تتوقف عند تلك اللحظة، لأن هذه سنة الحياة، ولأن قبل البابا شنودة رحل عظماء بداية من بولس وبطرس مرورا بأثناسيوس وصولا للبابا كيرلس السادس والبابا شنودة من بعده والكنيسة مستمرة، وهؤلاء يمكن التماس العذر لهم، ونوع آخر لديه مجموعة من المصالح لا يمكن تحقيقها إلا بالتواري خلف اسم البابا شنودة لمكانته عند غالبية المصريين وليس المسيحيين فقط، بالتالي يتم تحقيق مصالحهم بسهولة وتحصينهم من النقد، وفي هذا الزمن يصعب الفصل بين هذين النوعين.
هذا الموقف الذي تمر به الكنيسة حاليا تم تفاديه في العهد القديم عن موت موسى النبي، فهو قائد لشعبه عاش معهم زمانا طويلا ارتبطوا به وعند مماته تم إخفاء جثمانه كما جاء في سفر التثنية، ويوضح تقليد الكنيسة أن هذا حدث حتى لا يتجه الشعب لعبادة موسى النبي بعد مماته وينصرفوا عن الارتباط بالله.
فَمَاتَ هُنَاكَ مُوسَى عَبْدُ الرَّبِّ فِي أَرْضِ مُوآبَ حَسَبَ قَوْلِ الرَّبِّ. وَدَفَنَهُ فِي الْجِوَاءِ فِي أَرْضِ مُوآبَ، مُقَابِلَ بَيْتِ فَغُورَ. وَلَمْ يَعْرِفْ إِنْسَانٌ قَبْرَهُ إِلَى هذَا الْيَوْمِ.
(سفر التثنية 34: 5،6)
من المتناقضات التي يجمعها “أبناء البابا شنودة” إنهم يرفضون عقيدة التأله وهي ركن أساسي في الإيمان المسيحي، حسب نص الإصحاح الأول من رسالة بطرس الثانية، وحسب الآباء كما هو موضح في سلسلة “أرثوذكسية تأله الإنسان” المنشورة هنا للدكتور أنطون جرجس، لكنهم في نفس اللحظة يرفعون البابا شنودة إلى مصاف الآلهة، ورغم الفارق بين التأله في المسيح، وأن يصير الشخص إله مكان الله، فإنهم يرفضون النوع الأول لكل المؤمنين، ويخلعون النوع الثاني -الذي يأخذ فيه إنسان صلاحيات الله- على البابا شنودة كما هو موضح هذه الصور
أعود إلى تصريحات الأنبا بفنوتيوس، فالرجل بمنتهى البساطة لم يخطئ في شيء ولم يخطئ في حق البابا شنودة كما يروج مدعي البنوة له، بل قال الحقيقة وذكرنا بالأمر الواقع وسنة الحياة التي تستمر بالرغم من رحيل من نعدهم عظماء ولا يمكن تعويضهم، بل ذكرنا بمبدأ مسيحي مهم، أن الكنيسة حية وأن الروح القدس يعمل فيها دائما، عكس ما يحاول أن يفعل “أبناء البابا شنودة” بأنهم يريدون للزمن وللكنيسة أن يتوقفوا عند حِقْبَة حبريته وألا تستمر الكنيسة من بعده، وهذا يعد تجديف على الروح القدس قال عنه المسيح إن من يفعله لا يغفر له.
باحث وكاتب صحفي متابع للشأن الكنسي وشؤون الأقليات.
زميل برنامج زمالة الأقليات- مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان- الأمم المتحدة، جنيف/ ستراسبرج 2023.
زميل برنامج "الصحافة للحوار" مركز الحوار العالمي (كايسيد) لشبونة 2022.