أي شخص متابع التعليقات على أي خبر على مواقع عامة سيعرف إننا نعيش في مجتمع مريض نفسيا ومريض اجتماعيا فدائما سوف تستمع إلى رد حقير في كل قضية إنسانية.
مثلا في قضايا التحرش: وايه وداها هناك؟.. مين مات؟ ومات إزاي؟ والتأكيد على أنه لا تجوز الصلاة عليه أو لا تجوز عليه الرحمة والحكم بمصيره الأبدي -جهنم وبئس المصير- و كأنه صار لنا توكيل الدينونة والحكم بخلاص من يتبعنا وهلاك من يخالفنا العقيدة والرأي!! جواز وتحريم المعايدة أو الاشتراك في مناسبات المختلفين معنا (كل المختلفين مسلمين ومسيحيين، شيعة وسنة، أرثوذكس وكاثوليك وبروتستانت، خلقيدونيين ولا خلقيدونيين وغيرهم، دون أن نغلق القوسين. تكفير المختلف، أيا كان هذا المختلف، ومهما كان نوع الاختلاف ديني/ طائفي/ فكري/ ثقافي.
هى لابسة كده ليه؟! هو بيتصور كده ازاي؟! هما بيعملوا كده ازاي؟! نسقف ونغني براحتنا، بس لو غيرنا عمل كده هنقوم الدنيا عليه، نحط مكبرات صوت ونهلل بس لو المختلف عنا عمل كده يبقى قمع حريات، نبشر بمعتقداتنا وإيماننا ونمنع التانيين، بس لو التانيين عملوا كده يبقوا إرهابيين وقمعيين، نطالب الآخر بديموقراطية عادلة ونمارس نحن على بعضنا البعض ديكتاتورية غير عادلة!!
الموضوع ليس له علاقة بدين معين ولا طائفة معينة ولا حتى طبقة اجتماعية معينة لأن ببساطة الكل بقى الحاكم بأمر الله، الكل بقى جماعات تكفير وهجرة، الكل بقى حماة إيمان، الكل عاوز المجتمع كله يبقى شبهه وشبه توجهاته وفكره وثقافته مش عاوز يصدق أو يأمن بضرورة وجود اختلاف، كل ما يوافق فكره حلال ومستباح، وكل ما هو مختلف عن فكره حرام و ممنوع، الموضوع بقى له دعوى أكثر بمين معاه حشد أكبر (والحشد الجمعي جاهل ويتمتع بأمية ساحقة)، مين أقوى؟ ومين معاه سلطات أكثر؟ وبيزنس أكبر؟ الموضوع ملهوش دعوة ولا بالحق ولا بالعدل لكن له حيثيات تانية كثيرة ومختلفة.
لو أي حد متخصص وبيدرس علم اجتماع أو علم نفس اجتماعي ومتابع وبيرصد وبيحلل الظواهر المجتمعية اللي بقت واضحة زي الشمس مش بس في الشارع لكن كمان على مواقع الشبكة العنكبوتية، وخصوصا مواقع التباعد الاجتماعي المسماة كذبًا التواصل الاجتماعي، أي متخصص أمين مش مريض هو كمان هيرصد عوار مجتمعي مريع ومرعب وهيخرج بنتيجة واحدة وهي إن المجتمع والعقل الجمعي مش بس إرهابي لكن كمان مريض نفسيًا ويعاني من إشكاليات اجتماعية و نفسية كثيرة معظمها مرعب ومعظمها بقى ملهوش علاج.
نقطة أخيرة وأنت بتقرأ الكلام ده وبتمصمص شفايفك وبتقول اه والله معاه حق، افتكر إني بتكلم على المجتمع ككل اللي هو أنا وأنت جزء منه، مسلمين ومسيحيين وملحدين باختلاف مذاهبهم وطوائفهم، غيريين أو مثليين، أعداء المرأة أو الفيمينيستس، الأهلوية والزملكاوية واللي ملهمش في الكرة، الكل على حق طالما ينتمي للفريق الأقوى أو المنتصر، وباطل وعلى ضلال مبين طالما لا يمتلك أدوات الدفاع عن نفسه أو إعلان وجهة نظره جهارًا، الجميع لا يشعر بالآلم طالما ليس هو من يعاني وطالما يثق أن الصفعة لم تأت على وجهه، متجاهلًا بغباوة أنه مادام سمح اليوم بالصفعة على وجه من يجاوره فلابد أن الصفعة التالية أو بعد التالية ستنال من وجهه.
كيف تقيّم هذا المقال؟
← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←
المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء
كن أوّل من يقيّم هذا المقال
من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا
دعنا نعمل على تحسين ذلك
أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟