امتلأ الفضاء الإلكتروني ضجيجا هذه الأيام من بعض الظواهر الصوتية الذين يسمون أنفسهم ""، لكنهم في الحقيقة ضباع تحاول أن تبحث عن مكان لها، وتقتات على الجيف الميتة، بعد الإعلان عن حفل موسيقي للموسيقار المصري "" بمسرح الأنبا رويس المشيد في مبنى  داخل الكاتدرائية المرقسية -مقر بابا الإسكندرية- بحي العباسية بوسط القاهرة، وأخذوا ينوحون ويبكون  على الكنيسة وقدسيتها، بالرغم من وجود ممارسات سافرة من ال الذين ينتمون لهم داخل الكنيسة نفسها وليس مسرح مشيد في مبنى مستقل تم تشييده وإنشاء مسرح بداخله لممارسة الأنشطة الفنية.

يلوك ضباع الإيمان عبارة المسيح الأكثر حزما عندما دخل الهيكل وطرد الباعة والصيارفة حين قال:

«مَكْتُوبٌ: بَيْتِي بَيْتَ الصَّلاَةِ يُدْعَى. وَأَنْتُمْ جَعَلْتُمُوهُ مَغَارَةَ لُصُوصٍ!»

(إنجيل متى 21: 13)

الحفل الموسيقى ليس الأول الذي يشهده مسرح الأنبا رويس، فقد أقيم على المسرح منذ نشأته عروض مسرحية وعروض كورال وحفلات مختلفة، ولم يخرج لهم صوتًا، والأدهى أنه حينما كانت تتحول الكنيسة الكبرى بالكاتدرائية لساحة تظاهر في عظات البابا الراحل ال الثالث، خاصة بعد عودته من رِحْلات علاجية بالخارج ودوي هتافات “بالطول بالعرض البابا زي الورد”، “بنحبك يا بابا”، التي حفظتها عن ظهر قلب من قلب الكاتدرائية لعظة الأربعاء، خلال تغطياتي الصحفية لجريدة التحرير في عام 2011 حتى أخر عظات البابا شنودة يوم الأربعاء 7 مارس 2012، أو هتافات “بالروح بالدم نفديك يا صليب” التي كانت تشهدها نفس الكنيسة يوم الأربعاء مع الأحداث السياسية أو الطائفية المختلفة التي شهدتها مصر في تلك الفترة. ويتم انتهاك مكانة الكنيسة نفسها مكان الصلاة بالزغاريد والتصفيق والهتافات لم يخرج منهم أحد ليبدي اعتراضه.

يذكر أن مسرح الأنبا رويس تم إنشائه كمبنى في عهد ال الـ115، وكان المسرح عبارة عن قاعة اجتماعات كبيرة تحمل اسم ”القاعة اليوسابية“، وفي عهد البابا تم تغيير الاسم إلى “قاعة مار مرقس” خاصة بعد عودة رفات مار مرقس إلى مصر، وفي عهد البابا شنودة الثالث تم استخدم المكان كقاعة للاحتفالات والأنشطة الكنسية باسم مسرح مار مرقس؛ وتم تجديده وتطويرُه في عهد البابا تواضروس وفقا لدكتور جورج بشرى مدير المسرح في حوار لجريدة وطني في أبريل 2017، ويتضح أن المسرح أصبح مسرحا ومكانا للاحتفالات منذ عهد البابا شنودة وليس البابا تواضروس كما يصور هؤلاء الضباع.

فهؤلاء الضباع لا يفرق معهم الكنيسة ولا قدسيتها، الأمر كله أنهم يؤدون المهمة لأسيادهم بالهجوم على ال، الذي لا يروقهم، وبعض هؤلاء الأسياد يرى أن كرسي البابا كان يحق له، بالتالي الموضوع لا يخص قدسية الكنيسة ولا يحزنون بل هو صراع على كرسي البابوية والتعطش للسلطة والهيمنة باستغلال اسم المسيح.

السؤال هنا إلى ضباع الإيمان وأسيادهم، هل المشكلة في حفل الموسيقار هاني شنودة أم في وجود مسرح في الكنيسة من الأساس؟ وهل الكنيسة دورها إنشاء مسرح وأن تكون ساحة لأنشطة اجتماعية وفنية؟ أم دورها الصلاة والوصول للمسيح؟ وما هو مفهوم الكنيسة هل هي جماعة المؤمنين كما تعلمنا؟ أم المباني الحجرية والمؤسسة وترتيبها الهرمي؟ هل الكنيسة بوضعها الحالي هي ما قصده المسيح وما بدأه تلاميذه من بعده أم إننا ذهبنا إلى مسار آخر بعيدا عن تلاميذ المسيح الذين انتخبوا سبعة شمامسة لخدمة الموائد ليتفرغوا لخدمة الكلمة؟ هل لديكم إجابات على هذه الأسئلة؟ أشك إنكم ستجاوبون.

إلى هؤلاء الضباع، هل تهمكم قدسية الكنيسة فعلا؟ فأين أنتم من تحويل الكنائس إلى قاعات أفراح يتم تأجيرها بعدة آلاف من الجنيهات تبدأ من الألف وصولا إلى 10 آلاف وأكثر، وكل كنيسة على حسب موقعها الجغرافي، إذا كانت في أحد الأحياء الراقية يزيد تكلفة حجز الكنيسة مع الزينة والتصوير والذي منه لزوم عقد الإكليل.

أليس الزواج أحد السبعة؟ ألا يجب تقديم أي سر من أسرار الكنيسة بأي مقابل مادي؟ أليس طقس كان يعقد خلال صلاة القداس؟ فلماذا انفصل طقس الإكليل عن القداس وصار يعقد مساءا وتحولت الكنيسة إلى قاعة أفراح؟ ثم تلومون على النساء على ملابسها وتطلبون منهن الحشمة والوقار ومراعاة قدسية الكنيسة، هل واجهتهم أسيادكم بما فعلوا في الكنيسة في أخر 50 سنة؟

إلى هؤلاء الضباع، هل تهمكم فعلا قدسية الكنيسة؟ كيف وفي أغلب الكنائس “كافتريات” تقدم المشروبات والمأكولات وأصبحت أماكن للقاء الناس؟ إذا كانت تهمكم قدسية الكنيسة فعلا؟ فأين أنتم من أحد أساقفة الصعيد من “حبايبكم” حين افتتح تجديد لصالون تجميل للنساء (كوافير) مؤخرًا؟ هل تهمكم قدسية الكنيسة فعلًا، كيف ومدارس التربية الكنسية () حولتها من مكان لقاء المسيح إلى مكان لممارسة الأنشطة والتنافس في كورة القدم والكورال والمسرح والمنافسات المختلفة؟ وأصبحت نادي رياضي واجتماعي وكازينو على أيدي أسيادكم منذ 50 سنة؟

لو كان المسيح معنا اليوم على الأرض لقال لأسياد ضباع الإيمان:

إن بيتي بيت صلاة يدعى وأنتم جعلتموه قاعة أفراح وكازينو ونادي اجتماعي

كبيرة وعريقة، ولا يصح أن تسير بالقصور الذاتي، فلابد من وقفة لطرح الأسئلة وإعادة صياغة تعريف الكنيسة وما هو دورها تجاه المؤمنين؟ وما هو دورها تجاه الوطن؟ وما هو دورها تجاه كل مجتمع تعيش فيه؟ فهي الآن كنيسة تمتد في كافة قارات العالم، ودون وقفة حقيقة لإعادة النظر في الماضي والتعامل معه بشكل عقلاني، والتفكير في المستقبل وكيف يمكن أن نتعامل معه كما فعلت كنائس أخرى تقليدية فلن يكون لكنيستنا مستقبل.

وجود مسرح فى مكان تعليمي مكمل لرسالة المكان.. المضمون والمحتوى هما الفيصل فى تقييم العمل الفني.. وفي مزمور التوزيع بالقداس يطالبنا المُرنم “” بالتعبير عن فرحنا باللحظة باستخدام كل أدوات الغناء وآلات التلحين والعزف في التسبيح

(كمال زاخر، في تقرير أجرته مارسيل نظمي على موقع مصراوي، 31 يناير 2023)

كيف تقيّم هذا المقال؟

← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←

المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء

كن أوّل من يقيّم هذا المقال

بما أن المقال أعجبك..

ربما اﻷفضل مشاركته مع دوائرك كي يحظى بانتشار أوسع

من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا

دعنا نعمل على تحسين ذلك

أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟

پيتر مجدي

باحث وكاتب صحفي متابع للشأن الكنسي وشؤون الأقليات.
زميل برنامج زمالة الأقليات- مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان- ، جنيف/ ستراسبرج 2023.
زميل برنامج "" () لشبونة 2022.

‎ ‎ نحاول تخمين اهتمامك… ربما يهمك أن تقرأ أيضًا: ‎ ‎