- من أنت يا سيد؟
- أيها الأسقف.. من أنت؟ [١]
- أيها الأسقف.. من أنت؟ [٢]
- أيها الأسقف.. من أنت؟ [٣]
- أيها الأسقف.. من أنت؟ [٤]
- أيها الأسقف.. من أنت؟ [٥]
- أيها الأسقف.. من أنت؟ (٦)
- أيها الأسقف.. من أنت؟ [٧]
- أيها الأسقف.. من أنت؟ [٨]
- أيها الأسقف.. من أنت؟ [٩]
- أيها الأسقف.. من أنت؟ [۱۰]
- أيها الأسقف.. من أنت؟ [١١]
- ☑ أيها الأسقف.. من أنت؟ [١٢]
- أيها الأسقف.. من أنت؟ [١٣]
- أيها الأسقف.. من أنت؟ [١٤]
- أيها الأسقف.. من أنت [١٥]
تلقيت عبر خاصية الرسائل، في الفضاء الإلكتروني، العديد من المداخلات الجادة والقلقة، عقب نشر مقالي السابق مباشرةً، الذي تناول إشكالية تقاعد الأسقف (بالاستقالة أو الإقالة) بتعدد الأسباب، وكنت قد أشرت فيه إلى استكمال طرحي بتناول الجانب القانوني المدني الذي رتب امتداد مظلة التأمينات الاجتماعية لتشمل بقية رتب الإكليروس دون الأسقف، "قرار الهيئة القومية للتأمين الاجتماعي رقم 101 لسنة 2020، بشأن سريان التأمين الاجتماعي على أصحاب الأعمال ومن في حكمهم على القساوسة والشمامسة المكرسين".
ويمكن طرح ومناقشة التعليقات بإيجاز في ثلاثة محاور:
المحور الأول:
الانحراف بحق التقاعد وإمكانية الإحالة إليه، ليتحول من إجراء لمصلحة منظومة الرعاية وإنسانية الراعي، إلى أداة إبعاد وقمع من لا يقفون على نفس الخط التدبيري مع الأسقف.
وهو تخوف أبداه العديد من الكهنة، واللافت أن غالبيتهم من إيبارشيات الأقاليم، وهم يرون أن ضوابط التقاعد لابد أن تكون محددة المعالم وفي صياغة منضبطة لا تحتمل التأويل، ويدق الأمر في شق الإحالة إلى التقاعد، أو الإقالة، من الذي يملك هذا الحق، وما هي إجراءاته وضوابطه، وما هي سياجات حماية الكاهن من التعسف تجاهه في استعمال هذا الحق.
وكان السؤال: من الذي يضع هذه الضوابط والسياجات؟ هل يترك الأمر لأسقف الإيبارشية، أم لمجمع الأساقفة، أم للجنة تُشكل من شيوخ الكهنة؟ أرى أن الصحيح تشكيل لجنة قانونية كنسية تضم خبراء مدنيين في القانون المدني والقانون الكنسي، وتضم معهم أطراف ثلاثة، ممثلين لمجمع الأساقفة، وممثلين لشيوخ الكهنة، وممثلين للأراخنة، ويراعى فيها التمثيل الجغرافي للإيبارشيات، وتعقد اللجنة جلسات استماع لتلقي رؤى ومقترحات كل من له صلة بالأمر المطروح، ثم تعلن مشروع القانون الذي انتهوا إليه، ويعرض على قواعد الأطراف الثلاثة وصولاً إلى صياغة نهائية تتفق والترتيب الكنسي وتحمي حقوق الكهنة وتضمن حياة كريمة ولائقة لهم ولأسرهم.
وتفصل بين حق التقاعد وبين حق الخدمة الكهنوتية الطقسية في أداء الصلوات الليتورجية كلما أحتاج إليها في كنيسته أو إيبارشيته، أو كضيف في غيرها. وتكفل توفير نظام تأمين طبي للكهنة المتقاعدين وأسرهم، سواء باتفاق بروتوكولي مع هيئة التأمين الصحي أو مع الجهات الطبية الخاصة محل الثقة (مستشفيات وعيادات) في مختلف الإيبارشيات، يوفر لهم كشفاً دورياً، وعند الحاجة، وكذلك إجراء العمليات الجراحية الصغيرة والمتوسطة والكبرى.
وتدرس اللجنة بالتشاور مع هيئة الأوقاف القبطية وسكرتارية المجمع ولجنة الأديرة بالمجمع، إمكانية إنشاء منظومة طبية متكاملة تمول من موارد الأديرة والكنائس كلٍ بقدر إمكاناته وملاءته المالية، بإنشاء صندوق يخصص لهذا الأمر، ويمكن دعوة رجال الأعمال للمساهمة فيه، والجهات المانحة في إطار مجلس كنائس مصر ومجلس كنائس الشرق الأوسط ومجلس الكنائس العالمي، بأكبر درجة من الشفافية. ويخضع لرقابة آلية من هيئة الأوقاف القبطية ومجمع الأساقفة والديوان البطريركي.
حتى يستقيم الأمر تكون لجنة وضع مشروع القانون مركزية تمارس عملها تحت رعاية البابا البطريرك في الديوان البطريركي، ويصدر ما تنتهى إليه بقرار مجمعي موقع عليه من كل أعضاء المجمع أو غالبيته، وتعلن أسماء الأعضاء الممتنعين عن التوقيع، وأسبابهم.
المحور الثاني:
حصر التعاطي مع الأمر في جانبه المادي، في حده الأدنى، وإهمال البعد الإنساني سواء للكاهن أو أسرته، وإلقاء التبعة على هيئة التأمينات ودوامة مارثون تكلفة المعيشة المتسارعة وسلحفاء زيادات المعاشات.
واللافت في أمر التأمينات على الكهنة المدنيين، أنه جاء بعد رفض من الكنيسة ممتد إلى سبعينيات القرن العشرين، في مقابل مطالبات وضغوط من جهة الكهنة والخدام الكنسيين المتفرغين، حتى سمحت لهم الكنيسة بالتقدم بشكل شخصي بطلب التأمين عليهم وتحت مسئوليتهم، وبصفتهم أصحاب أعمال، وإن الأمر يتم بشكل ودي لعشرات السنين قبل صدور القرار المشار إليه الذي قنن هذا الأمر، وفيه يتحمل الكاهن ومن في حكمه من شمامسة مكرسين ومرتلين كامل قيمة الاشتراك التأميني، بعكس الفئات التي يتم التأمين عليهم بوصفهم عاملين، إذ يتحملون حصتهم المقررة قانوناً وتتحمل المنشأة حصة صاحب العمل، وهو أمر يحتاج تفسير، وقد قيل فيه تبريرات مختلفة، لعل أغربها أن الحالة الأخيرة تمنح هيئة التأمينات الحق في التفتيش على المنشأة (الكنيسة) الأمر الذي يقلقها!!
وقد شهدت الكنيسة محاولات متكررة من بعض الكهنة لإنشاء نِقابة لهم، تتبنى قضاياهم وتدافع عن حقوقهم، وقوبلت برفض قاطع ولم تكتمل المحاولات لكنها كانت تشير إلى واقع قلق يعيشه الكهنة ومن في حكمهم.
وابتداءً علينا أن ننتبه إلى أن الكهنوت واحد عند الأسقف والإيغومانس والقس، والتراتبية بينهم تراتبية تدبيرية إدارية، وليست سلطوية، يحكمها منظومة حقوق وواجبات في إطار الخدمة ولا تمتد إلى الحياة الشخصية لدرجاتها، مادام أنها لا تخالف أو تناقض ضوابط الخدمة عندهم.
ووفقاً للقاعدة المستقرة في الإدارة وفي القانون، فإن كل حق يقابله واجب، وعليه فإن من واجب الأسقف رعاية الكهنة المتقاعدين كما قبل تقاعدهم، باعتباره أبوهم الروحي وهم أبنائه، في مجتمع إكليروسي سوي.
فالكاهن المدني رب أسرة وهو مسئول عن توفير احتياجاتها المادية والنفسية، ومعرض هو وأسرته لأن تهاجمه الأمراض، وكثيراً ما يصاب بما يعيقه عن العمل ليس فقط بأمراض الشيخوخة، بل بأمراض مباغتة، نتيجة ما يثقل كاهله من ضغوط والتزامات، تقعده وتحول بينه وبين الحياة الآمنة الطبيعية، وقد يموت فجأة في شبابه، ولا يترك خلفه ما يمكن لأسرته به أن تستكمل حياتها بشكل يحفظ لها استقرارها وكرامتها، وتجد أرملته نفسها في وضع مأساوي.
المستفز هنا أن الأسقف حتى في الإيبارشيات الصغيرة يمكنه أن يسافر إلى الغرب لمراجعة الأطباء العالميين حتى في الوعكات الصحية البسيطة، وفي كثير من الحالات لمجرد الاطمئنان على سلامته في فحوصات دورية، وهو أمر يتكرر أكثر من مرة في العام الواحد!!
المحور الثالث:
جمود إدارة الشئون المالية في الكنيسة وإطلاق يد الأسقف فيها، والإصرار المتتالي على إبعاد المدنيين عنها. وكأن هناك صراع بين جناحي الكنيسة بالمخالفة لما بيَّنه القديس بولس الرسول في شأن التكامل الكنسي باعتبارها جسد واحد، لكل عضو فيه دوره الذي لا يمكن الاستغناء عنه حتى الأعضاء التي نحسبها بلا قيمة!!
وقد فصل هذا الأمر في رسالته الأولى إلى كنيسة كورنثوس (فصل 12 وما بعده).
“وَأَمَّا الآنَ فَقَدْ وَضَعَ اللهُ الأَعْضَاءَ، كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهَا فِي الْجَسَدِ، كَمَا أَرَادَ. وَلكِنْ لَوْ كَانَ جَمِيعُهَا عُضْوًا وَاحِدًا، أَيْنَ الْجَسَدُ؟ فَالآنَ أَعْضَاءٌ كَثِيرَةٌ، وَلكِنْ جَسَدٌ وَاحِدٌ. لاَ تَقْدِرُ الْعَيْنُ أَن تَقُولَ لِلْيَدِ:«لاَ حَاجَةَ لِي إِلَيْكِ!». أَوِ الرَّأْسُ أَيْضًا لِلرِّجْلَيْنِ:«لاَ حَاجَةَ لِي إِلَيْكُمَا!». بَلْ بِالأَوْلَى أَعْضَاءُ الْجَسَدِ الَّتِي تَظْهَرُ أَضْعَفَ هِيَ ضَرُورِيَّةٌ. وَأَعْضَاءُ الْجَسَدِ الَّتِي نَحْسِبُ أَنَّهَا بِلاَ كَرَامَةٍ نُعْطِيهَا كَرَامَةً أَفْضَلَ. وَالأَعْضَاءُ الْقَبِيحَةُ فِينَا لَهَا جَمَالٌ أَفْضَلُ.”!!.
(رسالة بولس الأولى إلى كورنثوس 12: 18- 23)
وهو أمر حاولت أن اقترب منه بامتداد هذه السلسلة من الأطروحات، بحرص شديد، ولكن هناك الكثير الذي لا تحتمله السطور ولا الكنيسة، ويستوجب الدعوة للقاء مغلق تتواجه فيه الكنيسة مع واقعها المؤلم والمتفاقم الذي يحملنا إلى الخوف على الكنيسة نفسها، وهي مرشحة لتكرار ما حدث في كنيسة شمال إفريقيا. لا قدر الله.
ويبقى السؤال حتى متى نصر على إبعاد جناح الأراخنة المدنيين من المشاركة الفاعلة في إدارة شئون الكنيسة المادية والإدارية، والاكتفاء ـ أحياناً ـ بالدور الاستشاري وعلى مضض، والكنيسة لا يمكن أن تنجح في رسالتها وهذا الجناح معطل؟
أيها الأسقف لا تغرد وحدك… حتى لا يتوه من قدميك الطريق.
وما زال للطرح بقية.
كيف تقيّم هذا المقال؟
← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←
المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء
كن أوّل من يقيّم هذا المقال
من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا
دعنا نعمل على تحسين ذلك
أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟
صدر للكاتب:
كتاب: العلمانيون والكنيسة: صراعات وتحالفات ٢٠٠٩
كتاب: قراءة في واقعنا الكنسي ٢٠١٥
كتاب: الكنيسة.. صراع أم مخاض ميلاد ٢٠١٨