من أسوأ المشاعر التي إذا سيطرت على إنسان وتحوله لآلة تدمير لمن حوله هو الشعور الزائف بالاستحقاق، أي إنه يشعر باستحقاقه أكثر مما يحصل عليه في حياته، وأنه مظلوم ولم يأخذ حقه، فأصحاب هذا الشعور يرون أن لهم الأفضلية على الآخرين وأنهم يستحقون مكانة الآخرين، لكن لأن هناك مؤامرات كونية فضائية فهم لا يحصلون على نصيبهم من الحياة، بينما من تسيطر عليه تلك المشاعر، يكون بالأغلب شخص كسلان لا يحرك ساكنًا وكل ما يستطيع تقديمه هو الحقد على الآخرين.
حينما تتعامل مع أحد أصحاب الشعور بالاستحقاق الزائف، فالعلاقة به ليست متكافئة أو ندية كما في أي علاقة سوية بين شخصين سواء كانت ارتباط أو زواج أو صداقة أو بين زمالة في العمل، أو على نطاق العائلة، فصاحب الشعور بالاستحقاق، سيقوم بتحميلك فاتورة كل المشاعر السيئة التي يشعر بها، فيحملك ذنب إنك لم تسأل عنه، مع أنه لا يفعل نفس الأمر، سيطلب منك أن تقدم له دائما، وسيلومك لو لم تفعل، مع أنه لا يفعل ما يطالبك به، فأنت رهينة سوداويته.
صاحب تلك المشاعر السوداوية لم ولن يعترف بأن لديه مشكلات يحتاج معها لزيارة طبيب نفسي لمحاولة علاجها والتعامل معها، وعدم إيذاء الآخرين بها، لكنه سيحمل العالم كله المسؤولية، وكل حديثه سيكون حول أنه على حق وأنه لا يوجد في طيبته ولا كرم أخلاقه، وأن كل الناس سيئة وتسبب له الأذى، والمشكلة هنا ليست في هذه النوعية من البشر فقط، بل فيمن حولهم من هؤلاء الذين لا يستوعبون كل تلك التصرفات ويتركون أنفسهم فريسة لهم، فهؤلاء من يساعدوهم على التوحش أكثر.
لعلك صديقي القارئ وأنت تقرأ هذا الكلام تتذكر أحدهم هنا أو هناك يتصرف بمثل تلك التصرفات، احترس لأن أسوأ ما قد يواجهه شخص عادي مع شخص يشعر بالاستحقاق الزائد عن الحد، هو عدم وجود أي منطق خلال الحديث معه، فعند وجود مشكلة ما أو موقف بعينه، سيكون من وجهة نظره، أنه على حق والآخرين على باطل، وهم من أخطأ في حقه، في حين أنه يكون قد فعل العكس وأخطأ هو في حقهم أو الخطأ متبادل، لكنه لن يعترف أبدا بما عليه، فهو المستحق فقط للاعتذار ولتطييب الخاطر، وسينتظر من الآخرين الاعتذار والندم، ولن يتنازل قِيد أنملة عن موقفه، وستكون النتيجة أما أن ينصاع الآخرين له، أو يصب جم غضبه عليهم ويضعهم في “النوتي كورنر”.
هذا النوع قد يعاقبك على ما لم تفعله، وأكثر مثال أتذكره في الفترة الأخيرة، هو بيان لـ”هذا الأسقف” يتحدث فيه عن أحد الرهبان المميزين بالدراسات اللاهوتية الأكاديمية، فقد ذكر أنه سيحاسبه على ما لم يقوله، لذا احترس من أن تكون فكرة عن شخص لا تعرفه من حكايات شخص يرسم صورة ملائكية عن نفسه، ويرى نفسه خير خلق الله، بينما الآخرين سيئين ومرضى، فهذه النوعية من البشر تنصب أفخاخها بعناية للأشخاص الذين لا يعرفونهم، وإذا وقعت في أسر تلك الفخاخ، ستُحمل برؤيتهم للعالم والآخرين، وهذا سيأخذ من طاقتك واتزانك النفسي.
وفي رأيي أنه لحماية أنفسنا من هذه النوعية من البشر، أيقنت أن هناك طريقتين للتعامل معهم: أول طريقة هي الصراحة ومواجهتهم بالحقيقية وبحقيقتهم، وإيقاف أي محاولة ابتزاز منهم بمنتهى الحزم والوضوح ووضعهم في المكانة التي يستحقون، فلا تعتذر لهم على ما لم تفعله، ولا تسأل عنهم ولا تهتم، بل اتركهم لسوداويتهم ونرجسيتهم. والطريقة الثانية هي البعد عنهم، لأن البعد عن أي نوعية مؤذية من البشر هو مغنم حقيقي لأي إنسان يريد سلامه النفسي، وخصوصا الطريقة الثانية فالانسحاب في صمت وعدم الاكتراث أفضل بكثير من هدر الطاقة فيما لا يستحق.
باحث وكاتب صحفي متابع للشأن الكنسي وشؤون الأقليات.
زميل برنامج زمالة الأقليات- مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان- الأمم المتحدة، جنيف/ ستراسبرج 2023.
زميل برنامج "الصحافة للحوار" مركز الحوار العالمي (كايسيد) لشبونة 2022.