- من أنت يا سيد؟
- أيها الأسقف.. من أنت؟ [١]
- أيها الأسقف.. من أنت؟ [٢]
- أيها الأسقف.. من أنت؟ [٣]
- ☑ أيها الأسقف.. من أنت؟ [٤]
- أيها الأسقف.. من أنت؟ [٥]
- أيها الأسقف.. من أنت؟ (٦)
- أيها الأسقف.. من أنت؟ [٧]
- أيها الأسقف.. من أنت؟ [٨]
- أيها الأسقف.. من أنت؟ [٩]
- أيها الأسقف.. من أنت؟ [۱۰]
- أيها الأسقف.. من أنت؟ [١١]
- أيها الأسقف.. من أنت؟ [١٢]
- أيها الأسقف.. من أنت؟ [١٣]
- أيها الأسقف.. من أنت؟ [١٤]
- أيها الأسقف.. من أنت [١٥]
بين القمم والقيعان تأرجحت الكنيسة القبطية الأرثوذكسية عبر الزمن الممتد لقرون، من لحظة أن وطأت قدما القديس مرقس الرسول أرض الإسكندرية، كارزاً ومبشراً، وربما قبلها مع الحجيج المصري اليهودي العائد من أورشليم بعد أحداث يوم الخمسين التي وثقها القديس لوقا في سفره الثاني "أعمال الرسل"، وذكر أن من شهود تأسيس الكنيسة وحلول الروح القدس مصريين يهوداً ضمن أجناس عديدة ومنهم عرب، فمن الطبيعي أن يسيطر هذا الحدث المتفرد على أحاديثهم مع ذويهم. وظني أنه صار وقتها حديث المدينة.
يؤسس القديس مرقس كنيسة الإسكندرية، فى القرن الأول الميلادي، والتي تخوض مسيرة عاصفة في مواجهة اليهود والرومان والأديان القائمة، والثقافة الهيلينية ومدارسها الفلسفية المختلفة، لم يتنكر المصريون لتراثهم قبلها، وما وقر في وجدانهم من قيم ومفاهيم حياتية راقية، بل اخذوها معهم وعمّدوها فقد وجدوها محملة بإشارات كانت غائمة عن الثالوث والتجسد والفداء والقيامة والبعث والأبدية، انكشفت عبر بشارة مرقس وتفككت غوامض الأساطير أمامهم، وقد أدركوا رموزها، وانضبطت إحداثياتها على حقائق الإنجيل؛ يتذكرون تلك الفتاة وطفلها، والتي جاءت تحتمى بهم قبل سنوات ليست بعيدة ربما على مرمى جيل أو جيلين، وقد أحسنوا وفادتهما ومعهما ذاك الشيخ الوقور، وسرعان ما تتحول المواقع التي تنقلوا فيها إلى كنائس تحكى حكايات الود المتبادل بين تلك العائلة وذاك الوطن.
حكايات التاريخ لا تنتهى، وقد تستغرقنا بل وتخطفنا إلى سطور مخملية تبتعد بنا عن واقع يئن من المتاعب وتعطل انجيل المسيح، وتجنبنا الاشتباك مع القراءة المتبصرة، فيبقى الحال على ما هو عليه، بل تقودنا إلى ما هو أفدح، وهو ابتعاد له ما يبرره، فالجسد الكنسي مثخن بجراحات تتزايد وتتعمق، وهو ملقى على جانب الطريق، يمر عليه عشرات ومئات من اللاويين والكهنة دون أن يلتفتوا إليه، وأظنهم مشغولين بطرق باب قصر الغنى المنيف، الذي يقع على بعد خطوات منه.
ومن يتابع ما ينشر على مواقع وصفحات الفضاء الإلكتروني متعلقاً بالكنيسة يجده ترجمة واقعية لقول رب المجد:«فَبِمَنْ أُشَبِّهُ أُنَاسَ هذَا الْجِيلِ؟ وَمَاذَا يُشْبِهُونَ؟ يُشْبِهُونَ أَوْلاَدًا جَالِسِينَ فِي السُّوقِ يُنَادُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَيَقُولُونَ: زَمَّرْنَا لَكُمْ فَلَمْ تَرْقُصُوا. نُحْنَا لَكُمْ فَلَمْ تَبْكُوا.” (لو 32:7).
وهى حالة متوقعة والعالم على المستوى العام يشهد ارتباكات وتطورات غير مسبوقة، يتجاوز أخبار الحروب إلى الحروب نفسها، ومن أخبار الأوبئة إلى الأوبئة نفسها، ويعيش تناقضات فارقة، فبينما تتوفر له الرفاهية في شماله يطحنه الفقر المدقع في جنوبه، تنفك فيه قيود المعلومة وتصبح في كل يد، ويلفه عدم اليقين، وتربكه الشكوك، والكنيسة لا تعيش في كبسولة معقمة بل هي في قلب العالم تؤثر وتتأثر معه وفيه.
في كل الأحوال كانت ـ وما زالت ـ عيون المختبرين، وقلوبهم أيضاً، شاخصة ومتعلقة بالكنيسة متيقنة أنها تحمل مفاتيح المصالحة والإصلاح، فهي ما زالت تردد أهازيج ذلك الحدث الذي تم هناك في عمق الزمن وفى عمق قلب الله وهو يخطب في المسيح، وبه، ود الإنسان “ليرده إلى رتبته الأولى”، عبر وثيقة حب ختمها بدمه، وحققها بموته، ووثقها على الصليب، وأعلنها بقيامته، ووهبها لنا عبر تجسده،
صَادِقَةٌ هِيَ الْكَلِمَةُ: أَنَّهُ إِنْ كُنَّا قَدْ مُتْنَا مَعَهُ فَسَنَحْيَا أَيْضًا مَعَهُ. إِنْ كُنَّا نَصْبِرُ فَسَنَمْلِكُ أَيْضًا مَعَهُ، إِنْ كُنَّا نُنْكِرُهُ فَهُوَ أَيْضًا سَيُنْكِرُنَا. إِنْ كُنَّا غَيْرَ أُمَنَاءَ فَهُوَ يَبْقَى أَمِينًا، لَنْ يَقْدِرَ أَنْ يُنْكِرَ نَفْسَهُ.
(رسالة بولس الرسول الثانية إلى تيموثاوس، اﻹصحاح الثاني 11-13)
يلح على قلمي أن أعيد التذكير بتحليل كتبه أبُ كاهن تناول فيه الزيارة الوحيدة التي قام بها أول الرهبان القديس أنطونيوس لأبى السواح القديس بولا، في مغارته بكهوف تلال البحر الأحمر، ولغز طلب الأنبا بولا منه أن يعود أدراجه إلى الإسكندرية ويطلب من البابا القديس أثناسيوس الرسولي أن يعطيه العباءة التي أهداه إياها الإمبراطور قسطنطين ضمن هداياه التذكارية لآباء مجمع نيقية ال 318، وكانت تضم بحسب الباحث، العباءة الملكية وتاج وصولجان وكرسي كمثيلاتها الإمبراطورية.
اللافت أن البابا استجاب لطلبه، حمل الأنبا أنطونيوس العباءة وعاد ليجد القديس بولا قد رحل عن العالم، فكفنه بالعباءة وخلع عنه ثوبه الليفي الخشن ليعود به للبابا الذي احتفى به أيما احتفاء وقرر أن يرتديه تحت ثيابه الكهنوتية. في إشارة لاستيعابه رسالة الناسك.
لم يكن الأمر رغبة من ق. بولا أن يتدثر بعد موته بعباءة الإمبراطور وهو الذي عاش حياته ناسكاً في فقر اختياري، رأى غناه في المسيح. بل كان يوجه رسالة إلى البابا أن يعود إلى إدارة الكنيسة بغير أدوات السلطان وعباءته، يقودها بسلطان الروح المتضع والأبوي.
لكن الذين جاؤوا بعده أعادوا إنتاج العباءة والتاج والكرسي والصولجان، شرقاً وغرباً، وإن سبقنا الغرب إلى ترميز هذه الأدوات وخففوا من غلوائها، فيما رحنا نعمقها ونبرزها، ربما بتأثير سلاطين أزمنة القهر، الذين توالوا على حكم البلاد، وبخاصة المماليك والعثمانيين.
لم تنجح ومضات التنوير التي غشيتنا في القرنين التاسع عشر والعشرين في دفعنا لمراجعة هذا الغلو، والأغرب أن هذه المظاهر السلطوية زادت مع أجيال المتعلمين ـ الجامعيين ـ الذين ملأوا الدنيا عبر مجلاتهم وبياناتهم وحراكهم المنظم والملِّح بمطالب العودة إلى الجذور الآبائية، فلما دانت لهم السلطة أصروا على تعميق سلطانهم، وتغليظه، وراحوا يدعمون هذا بغطاءات فقهية ونصوصية. وينقلبون على المراكز البحثية والديرية التي عكفت على إحياء التراث الآبائي.
كان من الطبيعي عند كثيرهم أن ينقلب السلطان إلى تسلط !!. وكان من الطبيعي أن تشهد أيامهم أعلى نسبة ارتداد وأعلى نسبة تفكك أسرى حتى إلى الطلاق والذي اخترق ومزق سياجات أسر خدام وخادمات وكهنة، وبعضها لم تكتف باللجوء إلى تغيير الملة، بل ذهبت إلى ما هو أبعد، لترتج المدينة وتتورط الكنيسة في معالجات مرتبكة.
الأمر لم يقتصر على أساقفة المدن الكبرى بل طال الإيبارشيات الصغيرة التي تضم أحد مراكز المحافظة وبعض القرى التابعة له، التي يتم إلزامها وتحميلها بمتطلبات الأسقف ـ بغض النظر عن طاقتها المالية ـ والذي يتوسع في رسامة كهنة يجندهم لجلب الأموال عبر منظومة تحولهم إلى متسولين يطرقون أبواب التجار في المدن الكبرى وأسواق العاصمة الشهيرة، ولتحفيزهم يخصص لهم نسبة تتراوح بين 15 و 25 % من حصيلة دفاتر التبرعات (!!)، المهم أن تتوفر لنيافته السيارة الأحدث، وطاقم الزي الأسقفي بنوعيه، الخاص بالخدمة الطقسية والأخر خارجها، واللتان تتغيران مع كل عام، وتغطية زياراته المكوكية لأقباط المهجر، افتقاداً وعلاجاً. فيما يبقى للرعية الاستشفاء بالصلاة ودهنة الزيت المقدس، وتحمل التجربة في صبر ستجزى عنه بالأبدية الصالحة في أحضان القديسين. واضف إلى ذلك الإصرار على بناء كاتدرائية تليق به، ومقراً لنيافته، يستقبل فيه كبار الزوار من محافظ الإقليم إلى رئيس مجلس المدينة وأعضاء البرلمان وغيرهم من المتنفذين، ليقدم لنا إلهاً غنياً وشعباً فقيراً واسقفاً منتشياً.
ومازال للطرح بقية …
كيف تقيّم هذا المقال؟
← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←
المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء
كن أوّل من يقيّم هذا المقال
من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا
دعنا نعمل على تحسين ذلك
أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟
صدر للكاتب:
كتاب: العلمانيون والكنيسة: صراعات وتحالفات ٢٠٠٩
كتاب: قراءة في واقعنا الكنسي ٢٠١٥
كتاب: الكنيسة.. صراع أم مخاض ميلاد ٢٠١٨